صحوة الضمير… العودة للحقيقة

سبعيني يوقع اعترافا بشكايته "الكيدية" ويجهش بكاء وخادمة بيوت تكشف قتل مشغلتها ودفنها تلعب صحوة الضمير بين الفينة والأخرى والدفع للبوح بالحقيقة في حل ألغاز جرائم تظل غامضة، كما ترفع اللبس عن الشكايات الكيدية وتنير طريق العدالة من أجل اتخاذ المتعين. وتساهم عوامل في كشف الحقيقة ضمن ما هو نفسي وديني، كما يعاني صاحبها تبعات سيما مع كبر السن، دفعت متقاضين إلى قلب حقائق قضائية معروضة أمام المحاكم. إنجاز: عبد الحليم لعريبي فجر رجل سبعيني متابع في شبكة للسطو على عقار، أخيرا، حكاية ظلت حبيسة ضميره، وبعد بلوغه سن السبعين لم يعد هذا الضمير يتسع لها، ليقرر تفجيرها، ليس وسط أصدقائه أو عائلته فحسب، بل توجه إلى مقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط، ووضع كتابا للرئيس المنتدب للمجلس، وقع عليه باسمه، أكد فيه أنه أحس بتأنيب ضميره، بعد بلوغه من السن سبعة عقود، وأنه كان طرفا رئيسيا في شكاية "كيدية" للسطو على عقار بسيدي امبارك بالهرهورة، ليتم إخبار الرئيس المنتدب بالموضوع. ولم يكتف هذا الشخص بهذا الكتاب، بل قلب حقيقة الملف كاملا أثناء مواجهته بطرف في الملف، فأجهش بكاء أمام قاضي التحقيق بتمارة، ليؤكد أمامه أن الشكاية "الكيدية" جرت بطريقة عمدية، طالبا بتوثيق تصريحاته واعتبارها أساسا في حل المشكل الذي طال أمده أمام المحكمة الابتدائية، في حال وفاته دون ظلم المشتكى به. وكشف السبعيني أنه في إطار محاولة السطو على العقار جرى تأسيس شركة جديدة وهميه باسمه، وتحمل اسما تجاريا خاصا بشركة أخرى، بالاستناد على وثائق تتضمن بيانات كاذبة، أولها محضر جمع عام استثنائي مؤرخ في 15 دجنبر 2007، ونظام أساسي بتاريخ 18 يناير 2008، ووثيقة تصريح بسجل تجاري، مضيفا أن هذه الوثائق تتضمن هويته الكاملة شريكا بالشركة الوهمية بنسبة 280 حصة من أصل 300. وأوضح صاحب الكتاب أنه بعد الحصول على ما يفيد تسجيل الشركة الوهمية باسمه وبالسجل التجاري بالمحكمة التجارية بالرباط تحت عدد رقم 72531، تم تسجيل شكاية كيدية فتح لها ملف تحقيق بالمحكمة الابتدائية بتمارة تحت عدد 2018/2301/65، من أجل الضغط على صاحب مقرر قضائي نهائي صادر عن المحكمة التجارية بالرباط، حتى يتنازل عن الحجز التحفظي المقيد لفائدته والاستيلاء على العقار المملوك للشركة الحقيقية وتفويته للغير باسم الشركة الوهمية وباسمه "وهي الشكاية التي استند عليها قاضي التحقيق بتمارة في إصدار أمره بعقل العقار المذكور لفائدة الشركة الوهمية، التي أسست باسمه حتى لا تتمكن المحكمة التجارية بالرباط من تفويت العقار عن طريق بيع بالمزاد العلني لفائدة صاحب الحجز. علم مسبق بمعطيات وهمية أكد صاحب الكتاب الموجه إلى عبدالنباوي أنه نظرا للشكاية «الكيدية» المذكورة التي سجلت باسم الشركة الوهمية في مواجهة الشركة الحقيقية وفي مواجهة صاحب الحجز، تقدم الأخيران بشكاية أمام الوكيل العام للملك بالرباط، ضده وأطراف أخرى بجرائم التزوير واستعماله، وأدينوا بعقوبات تراوحت ما بين سنة حبسا نافذا وست سنوات، ونال السبعيني خمس سنوات سجنا نافذا، كما جرى تعويض الشركة الحقيقية وصاحب الحجز بمبالغ مالية، مضيفا أن الشركة الوهمية جرى التشطيب عليها نهائيا من السجل التجاري بتجارية الرباط بتاريخ 17 أبريل 2019، وجرى الإعلان عن التشطيب بالجريدة الرسمية في فاتح ماي من السنة نفسها. الغاية تبرر الوسيلة شدد الفاعل في تأسيس الشركة الوهمية أن الغاية من تأسيس الشركة الوهمية باسمه، هو الضغط على صاحب الحجز التحفظي وترهيبه حتى يتنازل عن حقه المتمثل في الحجز، ولوقف هذا الظلم، وجه صاحب الكتاب، إنذارا كتابيا إلى دفاعه محرر الشكاية المذكورة من أجل عدم التقاضي باسمه وباسم الشركة الوهمية المشطب عليها مع علمه بذلك، ولم يكتف السبعيني بذلك، بل نصب محاميا آخر وطالبه بالإدلاء بمذكرة تأكيدية مرفقة بإبراء تنازل نهائي أمام قاضي التحقيق بتمارة، يؤكد بمقتضاها التنازل عن الشكاية التي وضعها ضد صاحب الحجز التحفظي، الذي تحول إلى حجز تنفيذي. تأنيب وراء كشف جريمة بشعة قبل سنوات تفاجأت مصالح المنطقة الأمنية الإقليمية بسلا، بقدوم شابة تتحدث باللكنة الجبلية، لتخبر العناصر العاملة بباب البناية الأمنية أنها تود التبليغ عن جريمة اقترفتها منذ سنتين، وأنها الفاعلة في الجريمة، إذ لم يعد النوم يغالب جفونها. وأوضحت الخادمة أمام مصالح التحقيق أنها قررت إبلاغ مصالح الشرطة بارتكابها للأفعال الجرمية، قصد استخراج الجثة، وهرعت مختلف عناصر الشرطة من أمن عمومي وشرطة علمية وقضائية إلى مسرح الحادث، وأجرت معاينة على الجثة المدفونة، التي استخرجت من داخل المخدع الهاتفي، وسط تجمهر العشرات من قاطني حي الأندلس بالمدينة. وحضرت عناصر من الاستعلامات العامة والسلطات المحلية إلى مسرح الجريمة، إلى جانب ممثل النيابة العامة الذي أمر بنقل الجثة إلى مستودع الأموات بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا قصد تشريحها، ورافقت الضابطة القضائية الجانية إلى مسرح الجريمة، وأعادتها بسرعة إلى مقر الشرطة القضائية، خوفا من ردود أفعال جيران الهالكة. أسباب مادية تعود أسباب ارتكاب الموقوفة للأفعال الجرمية إلى صراعات لها مع مشغلتها، تتعلق برفضها تسديدها مبالغ مالية كانت بذمتها، مؤكدة حسب قولها أنها كانت "قبيحة وشحيحة"، وكالت لها مجموعة من الاتهامات. واعترفت الموقوفة أثناء الاستماع إليها باستعمالها السلاح الأبيض في طعن الهالكة في القلب، وبعدما تأكدت من وفاتها قررت دفنها داخل محل تجاري وطمس معالم الجريمة، كما أوضحت أنها جلبت مواد البناء والدفن من محل بعيد عن حي الأندلس حتى لا تثير الانتباه، واصطدم المحققون بالاعترافات التلقائية للموقوفة، حينما أوضحت أنه بعد الانتهاء من الدفن أغلقت المحل التجاري بأقفال رصينة. وأثار استخراج الجثة من المكان التي دفنت فيه داخل المخدع الهاتفي حالة من الاستنكار في صفوف سكان حي الأندلس، كما أجهشت نسوة بالبكاء، واعتبر المحققون أن اطلاع المتهمة على مكان الجثة تعتبر بمثابة إعادة تمثيل للجريمة. وأصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، حكما بالمؤبد في حق الخادمة بتهمة قتل مشغلتها ودفنها سرا بمخدع هاتفي بحي الأندلس، كما قضت المحكمة بثلاث سنوات في حق عشيقها بتهمة عدم التبليغ عن وقوع جناية. واعتبرت المحكمة أن الاتهامات المنسوبة إلى القاتلة متوفرة في جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ودفن الجثة وعدم التبليغ عنها إلا بعد مرور شهرين، كما اعترفت المتهمة أمام الهيأة القضائية بتفاصيل مثيرة في النازلة. وكان متتبعون للملف ينتظرون صدور حكم الإعدام في حق الجانية، بعدما تضمنت محاضر الضابطة القضائية وقرار إحالة قاضي التحقيق، أن ما اقترفته الموقوفة يعتبر جرائم "بشعة"، بعدما اهتزت المدينة، على خبر فاجعة قتل المسنة ودفنها داخل مخدع هاتفي، وأوقفت عناصر الشرطة خادمتها(م.س) وهي مواليد 1982 بوزان، فور تسليمها نفسها لهم، وأشعرتهم أنها باتت تعيش كوابيس، حينما قتلت مشغلتها التي تبلغ من العمر 64 سنة، مضيفة أنها باتت ترى في أحلامها حضور الهالكة ولومها على قتلها ودفنها دون إشعار أبنائها. الإنسان يحكمه ضميره قال المحامي إبراهيم منقار بهيأة الرباط، إن الإنسان يحكمه ضميره في نهاية المطاف، حينما يدعي واقعة معينة وأنه ضاع حقه وسرعان ما يتراجع عن هذه الأقوال، فهي صحوة ضميره وأساسها هو عامل تربية الشخص والنشأة الاجتماعية. وأوضح منقار أن يقظة الضمير تكشف لدى صاحبه أن الطرف الآخر يبقى مظلوما، فيوقظه هذا الإحساس، بأنه ليس بحقيقة ما ادعاه في السابق، وأن العديد من القضايا ضيعت حقوق مجموعة من الأطراف الذين حضروا أمام القضاء، وأكدوا للمحكمة حقيقة ما يدعونه، مضيفا أنه "باعتبارنا عربا ومسلمين تكون صحوة الضمير منبثقة من تعاليمنا الدينية والإسلامية". وشدد المتحدث ذاته على أن القضاء يجب أن يتعامل بنوع من الحكمة والتمحيص، ولا يجب أن يتعامل معها على أنها تراجع عن تصريحات سابقة أو مجرد إنكار، مضيفا أن المحكمة لها من الإمكانيات ما يدفعها للتأكد من معطيات صحوة ضمير المتقاضي، لأن الغاية منه هي الوصول إلى الحقيقة وتنوير العدالة لإحقاق الحق. ظهر الحق وزهق الباطل تفاعل مجموعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع قضايا عديدة ارتبطت بتأنيب الضمير والكشف عن ألغاز جرائم، ظلت عالقة منذ سنوات. واعتبرت فتيحة أن الكشف عن المتورطة في التبليغ عن جريمة قتل مشغلتها ودفنها تحت محل تجاري بالبيت الذي تقطنه الضحية "لابد من العودة إلى الحقيقة وأن الروح عند الله عزيزة وكلها يلقى فعلو". أما المعلق محمد موحي فأكد في تعليقه أن نهاية المطاف تكون النتيجة لصالح الطرف المتضرر مهما اختلقت الأقاويل "الحق يظهر في نهاية المطاف ويزهق الباطل إنه كان زهوقا" يقول المتحدث نفسه. أما نبيل فلا يرى مانعا في تعليقه بأن المحاكم يجب أن تكافئ الراغبين في قول الحقيقة، وأن تجعل منهم نبراسا يتحدى به، وتشجيع المواطنين على كشف الحقيقة "علاش المحكمة ما تشيدش بذوي أصحاب الضمير الحي الذي يتراجعون عن الافتراءات ويقولون الحقيقة كاملة هذا خاص تشجيع ديالو". وأجمعت أغلب ردود الأفعال في الملفات المعروضة على القضاء، التي قرر فيها أشخاص الكشف عن نوازل حقيقية أن المظلوم ينتظر في نهاية المطاف ويعاد له الحق كاملا، أما إذا تراجع الظالم وكشف الحقيقة فيعود بدوره إلى بيته وضميره مرتاح البال.

صحوة الضمير… العودة للحقيقة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التنازل في مكتب العدول

العفن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات