علماء مسلمون نشروا “دعوات” الاستعمار

الإدارة الفرنسية جندت عددا من الأئمة وشيوخ الزوايا ورجال الدين للدفاع عن عقائدها الاستعمارية بالمغرب مؤكد أن فرنسا لم تدخل المغرب، إلا بعد أن مهدت لذلك، واستغلت في ذلك كل الفئات النافذة في البلاد، وهم كبار القياد وشيوخ الزوايا. وهنا يقول الأستاذ في العلوم السياسية محمد شقير، إن استغلال رجال الدين، أو شيوخ الزوايا مر بمرحلتين، "الأولى عند تغلغل فرنسا بالمغرب، والثانية قبيل نفي محمد الخامس ، ففي المرحلة الأولى اعتمد المستعمر بشكل كبير على فئتين نافذتين في ذلك الوقت، وهما القياد مثل الكلاوي، وشيوخ الزوايا وأهمهم الريسوني من الشمال الذي لعب دورا كبيرا". الاستعمار حشد الزوايا للتحكم في المغرب ولنفي سلطانهفراق: علماء دين أقحموا في الصراعات المخزنية خلال فترة "السيبة" وناصروا ملكا ضد مرشح للملك يقول الباحث شقير إن الزاوية لعبت دورا كبيرا في التمهيد للاستعمار، لأنها لم تكن مجرد مؤسسة عادية، بل شبكة لها أتابع على امتدادات ربوع السلطنة، لذلك كان شيخ الزاوية قادرا على جر أتباعه إلى أي جهة يختارها، وقراراته تنفذ من قبل الأتباع بسرعة ودون مناقشة. وحسب المحلل السياسي نفسه فقد كانت للشيوخ أوراق ومصالح كبيرة يمكن أن يفقدوها إذا قاوموا الاستعمار، لذلك لجؤوا إلى صيغة معينة حققوا من خلالها تلازم المصالح، وضمنت لهم فرنسا الحماية، وأهلتهم للحفاظ على مصالحهم.ولعب المستعمر الفرنسي الورقة نفسها في المرحلة الثانية، إذ بعد تأجج مقاومة الحركة الوطنية، لجأ الفرنسيون، يقول الأستاذ في العلوم السياسية، إلى الشيوخ مرة أخرى لما لهم من نفوذ، وعلى رأسهم عبد الحي الكتاني، الذي لعب دورا كبيرا في الحركة التي تزعمها الكلاوي لإلغاء الشرعية عن ابن يوسف، وهي الحركة التي اعترفت ببن عرفة سلطانا. من جهته، قال عباس فراق، أستاذ التاريخ، إن المجالس العلمية والزوايا لعبت منذ القدم دورا كبيرا في الميادين العقدية والسياسية والاقتصادية بالمغرب، مضيفا أنها "مؤسسات تاريخية واكبت تطور المجتمع المغربي عبر القرون، وشاركت في صنع الأحداث المصيرية الجماعية للشعب المغربي". وحسب الباحث في التاريخ، فإن هذه المؤسسات مثلت مرجعية طالما تحكمت في الأمور الدنيوية والروحية لسكان المغرب المسلمين السنيين على مستوى التوجيه وإصدار الفتاوى، والتأطير تماما كما هو الشأن اليوم بالنسبة إلى الأحزاب السياسية في تأطير الجماهير، وهو الدور المنوط تاريخيا بالنخب. فالخطاب، يضيف فراق، و"إن بدا ظاهريا روحيا، فإنه لا يخلو من أن يكون في جوهره سياسيا محضا، وهو أمر بديهي في المنظور السوسيولوجي، لأنه صادر عن مثقفي عصرهم في مجتمع زراعي، لم يكن فيه التعليم في متناول الجميع".وشكل علماء الدين دائما الفئة المثقفة في الأوساط الشعبية، فكان ولا زال لهم وزن كبير في صنع الأحداث، مستمدين قوتهم من مؤسسات المجالس أو الزوايا النافذة داخل مجتمع متشبع بثوابت الدين منذ وصول الفاتحين الآتين من الشرق، لذلك يسترسل أستاذ التاريخ، "لعب العلماء الأقطاب الدور الأساس في بناء صرح الدول التي حكمت المغرب كما ساهموا بجانب عوامل أخرى في اضمحلالها وتقهقرها لتحكمه مجموعات أخرى معتمدة خطابا عقديا إصلاحيا في البداية سرعان ما يتحول إلى برنامج سياسي وأحيانا عسكري ليفرض وجود النظام الجديد". وحسب فراق، فإن علاقة العلماء بالنظام المخزني تأرجحت بين المبايعة والتأييد التام، وبين المواجهة والثورة لما تتناقض الرؤية والمصالح، وهو أمر عرفته جل المجتمعات عبر تاريخ البشرية. وتندرج الظاهرة، يضيف، " ضمن دور النخب في التأطير الفكري للناس، كونها المالكة للمعارف بامتياز والمختصة في المجال المعرفي الديني الذي يساهم وبحظ وافر في الاستقرار أو الذي بإمكانه صنع الحراك الاجتماعي والسياسي في آن معا". تصدي العلماء الأقطاب للغزاة تم أولا بتحفيز السكان على الجهاد، نظرا لما يمتازون به من وسائل الإقناع الروحي أولا، وكان لهم، يقول الباحث في التاريخ، الشرف في مبادرة الجهاد من أجل تحرير البلاد من الاستعمار، وذلك بإيقاظ الهمم وتحريضها، وأحيانا بتنظيم المواجهة المباشرة سياسية كانت أم حربية. كما كان لهذه النخب هفوات تجلت في التحالف مع المستعمر لأسباب مختلفة باختلاف المعطيات الظرفية والتاريخية تهم الصراع من أجل الزعامات واحتلال موقع الصدارة، وما يترتب عن ذلك من مصالح شخصية أو فئوية، وهو الوضع الذي وقع فيه بعض علماء الدين بالمغرب الذين أقحموا في الصراعات المخزنية خلال فترة ما يسمى بفترة السيبة أو القيادانية فناصروا ملكا ضد مرشح للملك وشاركوا في انقلابات عرفتها كواليس القصور، وذلك بنزع البيعة من عنق الأول وإهدائها للثاني، مع تبرير الموقف من خلال البيان الديني الصرف وتقديم صيانة مصالح البلاد والعباد في الواجهة وجعل الوازع الديني هو الدافع الأساس لكل تغيير. وخير مثال على ذلك دور العلماء في صراع مولاي عبد العزيز وأخيه مولاي عبد الحفيظ. أما خلال فترة الحماية، يضيف أستاذ التاريخ، عباس فراق، فلم "يتردد بعضهم في تزكية ما قامت به إدارة الحماية وحلفاؤها المحليون لما نزعت العرش من محمد الخامس لتضع مكانه محمد بن عرفة ملكا على المغرب. فمن العلماء من استنكر الانقلاب وتحمل عواقب موقفه ومنهم من أيد المؤامرة واختار أن يكون في صف المستعمر مساهما بذلك في نصرة قرار الخلع والنفي الذي كان من الأسباب المباشرة لثورة الشعب المغربي التي استمرت إلى أن أقرت فرنسا باستقلال المغرب وعودة محمد الخامس إلى العرش".ضحى زين الدين

علماء مسلمون نشروا “دعوات” الاستعمار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خـونة وعمـلاء فـي خـدمة الاستعـمار

حوار : تواطؤ الزوايا مع الاستعمار أفقدها صفة الوطنية

مقالات ذات صلة