حوار : تواطؤ الزوايا مع الاستعمار أفقدها صفة الوطنية

مصطفى الرايس الباحث المختص في التصوف وتاريخ المقاومة قال إن الحركة الوطنية اعتبرت محاربة الطرقية مدخلا لمقاومة الاستعمار وصف مصطفى الرايس الباحث في التاريخ المعاصر تخاذل وتواطؤ شيوخ الزوايا مع السلطات الاستعمارية بأنه أساء إلى سمعتهم وأفقدهم صفة الوطنية، موضحا أن الموقف السلبي لبعض شيوخ الزوايا من مقاومة الاستعمار يجد مبرراته في التجربة الجزائرية والتونسية وما أظهرته من فشل الطرق الصوفية هناك في التصدي للاستعمار وتعرض شيوخها وأتباعها للاضطهاد والتشريد. لماذا راهن الاستعمار على الزوايا والفقهاء ؟ أود في البداية أن أشير إلى ملاحظة أساسية وهي أن تاريخ الزوايا ارتبط ارتباطا وثيقا بالتاريخ السياسي والاجتماعي للمغرب، على أساس أنها كانت قوة سياسية ضاغطة فرضت نفسها على النظام الحاكم ونافسته في الكثير من رموز شرعيته الدينية والسياسية، تدعمها في ذلك قاعدة شعبية عريضة وتنظيمات متجذرة في عمق المجتمع، وامتياز رمزي كانت تستلهمه من الانتماء إلى آل البيت والنسب الشريف. كما كان بمقدور الزوايا التصدي للتغلغل الاستعماري وعرقلة مخططات القوى الاستعمارية باستنفار السكان وإعلان التعبئة العامة وتنظيم الجهاد. الأمر الذي انتبه له منظرو السياسة الاستعمارية، فقاموا بإنجاز دراسات ومنوغرافيات كشفت عن جوانب مهمة من الواقع الطرقي للإحاطة به وتطويقه، والعمل تدريجيا على تدجين الزوايا والطرق الصوفية وتحجيم إشعاعها، وكسب ود شيوخها لإضفاء طابع الشرعية على المخططات الاستعمارية.التعــاطي مـع واقــع الطرق الصوفيــة والــزوايا في ظل واقع الاستعمــار سيجد نفســه هو الآخر ينحو منحى التطبيق الفعلي، خــاصة أن الجنرال "ليوطــي" الذي أوكلت له مهمــة وضع أسس نظــام الحماية في المغرب كان يؤمن إيمانا راسخا بأن الوسيلة الأنجع لإحكام القبضة على المستعمرات هي "الاعتماد على الزعامات والمؤسسات المحلية واحترامها" واللجوء إلى تحريك خيار سياسي آخر لتحقيق غايات الغزو بطرق سلمية غير مكلفة، تستند أساسا على استمالة زعامات دينية محلية ممثلة في بعض شيوخ الزوايا للاستعانة بهم في ترسيخ الوجود الاستعماري وضمان حيادهم اتجاه عمل الحماية على الأقل.وهكذا تمكنت الإدارة الاستعمارية من استقطاب الكثير من شيوخ الزوايا الذين أبدوا مواقف استسلامية ورافضة لكل مواجهة داعية إلى اختيار السكينة وطاعة أولي الأمر واعتبار الاحتلال قدرا لا مفر منه، وتسكين الخواطر وتهدئتها للحيلولة دون ردود فعل قد تعرقل أو على الأقل تؤخر الاحتلال السريع للقوات الفرنسية للمغرب. الواقع أن تخاذل وتواطؤ شيوخ الزوايا مع سلطات الاستعمار قد أساء إلى سمعتهم وأفقدهم صفة الوطنية، لكن الموقف السلبي لبعض شيوخ الزوايا من مقاومة الاستعمار يجد مبرراته في التجربة الجزائرية والتونسية لما أظهرته من فشل الطرق الصوفية في الجزائر وتونس في التصدي الفعلي للاستعمار الفرنسي، وما تعرض له شيوخها وأتباعها من اضطهاد وتشريد، ومن ثم فضل شيوخ الزوايا السلامة والسكينة بدل أن يلقوا المصير نفسه. كيف تدخلت السلفية الوطنية ضد حلف الاستعمار والزوايا؟ تعتبر السلفية التمسك بالدين هو أساس كل إصلاح سياسي وفكري واجتماعي، ذلك أن رواد السلفية جميعهم يتفقون على أن إصلاح شؤون الدنيا لن يتم إلا بإصلاح شؤون الدين، وأن أساس التمدن والنهضة يكمن في الرجوع لما جاء في الكتاب والسنة، وواضح أن الحركة الوطنية وتنظيماتها الحزبية ومنابرها الصحفية وجدت في السلفية السلاح الإيديولوجي الملائم في محاربة الطرقية وطقوسها وتطهير الدين من البدع والمحدثات التي ألصقت به، هذا في الوقت الذي اعتبرت فيه محاربة الطرقية مدخلا لمقاومة الاستعمار، وهكذا، وباسم التواطؤ بين الزوايا والمستعمر وجدت السلفية الوطنية المبرر الكافي للهجوم على الزوايا والطرقية ومحاربتها، وأصبح الكلام شائعا حول سلبية مواقف شيوخ التصوف من الدين وخيانة الوطن، وشكل هذا الموقف الثابت محور دروس وخطب وعرائض كان الغرض من ورائها تهديم النفوذ الديني للزوايا والقضاء على رأسمالها الرمزي واجتثاثها من جذورها الاجتماعية والمجالية، في مقابل نشر السلفية كإطار مرجعي للعمل الوطني السياسي، وبناء فكري بديل للفكر الطرقي قادر على الاستقطاب والتأطير. ومن ثم ستلج السلفية الوطنية إلى الممارسة السياسة المنظمة رابطة بشكل علني بين الطرقية والاستعمار، على اعتبار أن الطرقية هي علة التخلف الديني، وهذا الأخير هو علة وجود الاستعمار على حد تعبير الأستاذ الباحث نور الدين الزاهي. ما هو موقف السلطان إزاء الصراع بين الأحزاب الوطنية وشيوخ الزوايا؟ اعتبر الوطنيون محاربتهم للطرقية والطرقيين بمثابة تجسيد لاستمرارية الإرث المخزني في مواجهة الزوايا، لذا عملوا على توظيف الإرث السلطاني من خلال إعادة نشر خطبة المولى سليمان القاضية بتحريم طقوس الزوايا ومواسمها، ما يعني إعادة استنساخ كل النسق السلفي الوهابي الذي يتعارض مع توجهات الطرقيين وإعادة التذكير بالأمر السلطاني الذي صدر سنة 1933 القاضي "بمنع مظاهرات بعض الطرقيين، والحرص على ربط توهج السلفية الوطنية باحتضانها ورعايتها من قبل السلطان، مما يفيد أن المخزن قد تبنى الأفكار السلفية الإصلاحية التي أصبحت تشكل الاتجاه الرسمي للسياسة الدينية التي نهجها السلطان بصفته أميرا للمؤمنين، ويفيد كذلك تأييد السلطان للأفكار السلفية الوطنية منح مزيد من الدعم والتشجيع للوطنيين على محاربة الطرقيين وبدعهم. الزوايا حرضت القواد على عزل محمد الخامس توترت العلاقات بين السلطان والإقامة العامة خلال الخمسينات من القرن الماضي، وصلت إلى حد المواجهة المباشرة وتبادل الانتقادات، هذا في الوقت الذي اقتنعت فيه سلطات الاحتلال الفرنسي أنه يستحيل في تلك الظروف الاستثنائية أن يتم التوافق مع السلطان لحل النزاعات الخلافية، وأن استمرار السلطان في تعنته وبقائه على العرش من شأنه أن يشكل خطرا محدقا على مصالحها ويعجل برحيلها فسعت إلى حبك الدسائس والتآمر على السلطان، الأمر الذي سيدفع إدارة الاحتلال إلى تجنيد كافة أطرها المدنية والعسكرية وتكثيف طاقاتها بغية تكوين جبهة داخلية معارضة للمشروع الوطني المتمثل في مطلب الاستقلال الذي نادت به الأحزاب الوطنية وتبناه السلطان محمد بن يوسف، وضمت تلك الجبهة في صفوفها باشا مراكش التهامي الكلاوي المدفوع بدوافع ذاتية تتجلى في غسل المهانة والشتيمة التي مست شرفه أثناء طرده من القصر السلطاني، والعديد من قواد القبائل المدفوعين بهاجس الحرمان من الامتيازات من لدن إدارة الاحتلال، والكثير من شيوخ الزوايا والطرق الصوفية يأتي في طليعتهم شيخ الطريقة الكتانية عبد الحي الكتاني، المدفوعين بدورهم بهاجس الخوف من ضياع سلطتهم الرمزية وفقدان قاعدتهم الشعبية ومكتسباتهم المادية. اتخذت تلك الجبهة المعارضة من "حركة المعارضة والإصلاح" اسما لها ومن الباشا الكلاوي زعيمها السياسي ومن عبد الحي الكتاني زعيمها الديني، وكانت على النحو الذي صرح به الشيخ عبد الحي الكتاني "أكبر من أن يصفها خطيب أو كاتب وأعظم من قوة الأقوياء وأجدر بالذكر والاحترام وهي الدفاع عن هذا الدين الطاهر المحمدي الذي عصمه الله من الشرك والإلحاد"، لكونها ضمت في صفوفها "خير أمة أخرجت للناس وخير شعب قيام بالدفاع، ونصرتم دين الله وحاربتم الإلحاد والفجور والطغيان وأصحاب السفور والزنادقة وتلك الملل التي يتبرأ منها الإسلام"، وإنقاذ الشعب المغربي " من هاوية الفتن والفوضى والفجور والإقطاعية المخالفة للكتاب والسنة. ودشنت هذه الحركة عملها بتحريض كبار القواد والباشوات والدفع بهم إلى توقيع عريضة تتهم السلطان بالسير بالمغرب نحو الهاوية والتعاون مع الأحزاب المتطرفة غير الشرعية وتندد بعدم مطابقة سياسته مع التعاليم الإسلامية وبضرورة عزل السلطان لأنه " خرج عن الدين وغرر بالبلاد المغربية". والظاهر، أن السلطـان كان على دراية بما كانت الإقــامة العامــة تخطــط له وما يحاك ضده مــن دســائس تستهدف ضرب مقومــات سلطتــه الدينية، إذ علق على العريضة فــي قــولــه: "يبدو أن العريضة المقــدمة أخيــرا إلى الإقــامــة العــامــة إنمــا هــي فصل من فصــول البرنامج، وقــد صــدرت من باشوات وقـــواد ظهروا ـ بين عشية وضحاها ـ بمظهر زعمــاء متحمســين لحماية الإسلام". في سطور من مواليد آزمور سنة 1964 أستاذ بأكاديمية الدار البيضاء منذ 1992 باحث مختص في التصوف وتاريخ المقاومة وقضايا تاريخ المغرب المعاصر حاصل على دكتوراه في الآداب، شعبة التاريخ، وحدة البحث والتكوين : الرباطات والزوايا في المغرب – جامعة أبي شعيب الدكالي – الجديدة 2012. دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة البحث والتكوين: الرباطات والزوايا في المغرب – جامعة أبي شعيب الدكالي – الجديدة 2005. نشرت له العشرات من المقالات في الدوريات والمجلات كمجلة المناهل وأمل والمريد وأفاق و"كان" التاريخية، وكذا بعدد من الملاحق الثقافية للجرائد الوطنية و الأجنبية

حوار : تواطؤ الزوايا مع الاستعمار أفقدها صفة الوطنية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

علماء مسلمون نشروا "دعوات" الاستعمار

البيضاء تحتضن "موروكو ميوزيك أوورد"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات