fbpx
ملف الصباح

ثقافة “السروال” … “بغاوه فالفجر وباقي خضر”

أهل دكالة ما زالوا متشبثين بثقافة “السروال” وبالعرائس “محمرات الشاشية”

رغم التطور الحاصل في التقاليد المتحكمة في الزواج وطقوسه، خاصة “ليلة الدخلة”، فإن أهل دكالة ما زالوا متمسكين إلى حد بعيد، خاصة في البادية، أن يسيل الدم أحمر لامعا في تلك المناسبة المباركة التي تعتبر امتحانا عسيرا لشرف أهل العروسة أمام العشيرة والأقارب. وعندما يسيل الدم رقراقا، يعد ذلك مبعث فخر واعتزاز وشهادة على الواقع بأن “العروسة كانت محضية” وترتفع الزغاريد والأهازيج “هاكا يكونو بنات الرجال المحضية .. هاكا يكونو المحمرات الشاشية”.
في دكالة، لم يطرأ تغير كبير على عادة “السروال” وما يرافقها من طقوس، فعادة ما تحرص الأمهات منذ بلوغ بناتهن سن 16، على إسداء نصح دائم لهن، بالحفاظ على بكارتهن لأنها تاج على رأس الوالدين، يوم الامتحان الذي يعز فيه الإنسان أو يهان. بل ويتشدد الوالدان في مراقبة حركات وسكنات بناتهما بشكل من الصرامة التي تزيد عن اللازم، أملا في تحقيق المراد، وهو صون الفتاة إلى حين زواجها.
وفي ليلة “الدخلة”، والتي هي فعلا لحظة عرس وفرح كبير، ترى أهل العروسة وكأن على رؤوسهم الطير، لأنها ليلة امتحان للشرف، عسيرة بكل المقاييس. ولا يتنفسون الصعداء، إلا عندما يخرج “السروال” وترتفع المواويل الشعبية، تطوف به نساء ربوع الحي أو الدوار على نغمات لازمة شهيرة في دكالة “ها السروال في الفجر، ها هو باقي خضر”.
وعندما يتم الطواف ب”السروال”، يكون ذلك “تشهيرا” بعذرية العروس أمام كل المتشككين والنمامين. وتستمر هذه العادة ضاربة أطنابها في الموروث المشترك لكل الدكاليين، لدرجة أن “السروال” يظل هو “كارانطي الشرف”، وعلى أساسه تستمر العلاقة الزوجية، بينما يؤدي انعدامه في تلك الليلة الليلاء إلى انقلاب العرس إلى “مندبة” وتراشق بالكلام النابي بين أهل العروسين، ويشكل إيذانا بفشل علاقة الزواج في مهدها، لأن أهل العريس عندما يكتشفون بأن العروسة “ثيب” أو “مفوتة” في العرف، أي لها سوابق، يعتبرون ذلك ضربا من النصب والاحتيال، وتمريغا لهيبتهم في التراب أمام الملأ.
وفي أحيان كثيرة، يبدأ شوط آخر من الدفاع عن الشرف، من قبل اﻵباء، خاصة الذين لا يقبلون بأن تكون بناتهن “ماشي عزبات”، لأن ذلك يحيل حسبهم على أنهن عشن تجارب حب وغرام وجماع مع أغيار، في غفلة عن مراقبة الوالدين.
ووصلت أحيانا ردة فعل الآباء دفاعا عن الشرف، حد الإجهاز على بنات كن مجلب عار للأسرة والقبيلة، ومثال ذلك ما وقع في دوار ببني هلال، حين قام والد طاعن في السن، ببقر بطن ابنته بواسطة منجل، لما اكتشف عدم عذريتها، وأنهى حياتها بطريقة بشعة وبدا متباهيا بذلك أمام قبيلته وعشيرته، وكأنه يوجه لهم جميعا أن الدم الذي لم يسل على سروال ابنته، أراقه بطعنات منجل صونا لشرف العائلة والقبيلة. وخلال العشرين سنة الأخيرة، وتجنبا لفضيحة “السروال” في الوسط الحضري بدكالة، أخذت عادة تهريب ليلة الدخلة نحو الفنادق، حيث يختلي العريس بعروسته “وحتى واحد ما يجيب ليهم الخبار”. فقد يكون العريس افتض بكارة شريكة حياته قبل الدخول بها. أما بالبادية، يظل “السروال”، وإلى إشعار آخر، مطلبا ملحا وشهادة على الواقع للعروسات “بنات الرجال المحضية”.
عبد الله غيتومي (الجديدة)


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.