السيادة الغذائية… رهانات الاكتفاء الذاتي

تقرير برلماني دعا إلى تجويد المخططات الإستراتيجية لتجاوز الأزمات راهن مجلس المستشارين من خلال اختيار موضوع "الأمن الغذائي بالمغرب" موضوعا لمجموعة عمل موضوعاتية، في هذه الظرفية الدقيقة التي يجتازها العالم، على استشراف المستقبل والمساهمة في إيجاد الأجوبة الضرورية لإشكالية الأمن الغذائي. ومكن التقرير من الوقوف على مكامن القصور والاختلال في العديد من الجوانب، ومنها على وجه الخصوص نواقص ترتبط بأنظمة الحكامة والتخزين والسلامة الغذائية والمراقبة. واستطاع التقرير تشخيص اختلالات ونواقص مختلف سلاسل الإنتاج، قبل أن يخلص إلى مجموعة من التوصيات، أهمها الدعوة إلى إحداث مؤسسة وطنية مستقلة للسيادة والأمن الغذائي، وتسريع تنزيل السجل الاجتماعي الموحد، لتسهيل مسار إصلاح منظومة المقاصة. إعداد: برحو بوزياني أكد التقرير الذي عرض للنقاش بمجلس المستشارين، أهمية الانخراط في دينامية التحول الرقمي، لتمكين الفاعلين في مجال الفلاحة من الولوج السريع إلى المعطيات والمعلومات الفلاحية والصناعات الغذائية، بهدف تعزيز الاكتفاء الذاتي، وتقليص نسبة التبعية الغذائية إلى الخارج. كما أكد التقرير أهمية إحداث آلية تقنية لمواكبة تنفيذ التوصيات ومتابعة مدى تفاعل مختلف الفاعلين في القطاعين العام والخاص مع نتائج وخلاصات التقارير المنجزة حول الأمن الغذائي، وجعلها أكثر نجاعة وفعالية في الإستراتيجيات والبرامج الوطنية المستقبلية للسيادة والأمن الغذائيين. ودعا التقرير إلى ترصيد المجهود الوطني التنموي المبذول، سيما المخططات والبرامج والأوراش الكبرى التي أطلقها المغرب، منذ الاستقلال للنهوض بالقطاع الفلاحي، وإحداث مؤسسة وطنية مستقلة للسيادة والأمن الغذائي، يعهد لها بتنسيق الإستراتيجيات الوطنية، وتعنى باليقظة والرصد الاستباقي للأزمات الطارئة والمحتملة التي قد تهدد المنظومات الغذائية، وتتكفل بتحديد واقتراح أنماط التدخل، وتتبع المؤشرات واستشراف التحولات الكبرى المؤثرة على قوة الأمن الغذائي الوطني. تمويل الوسط القروي شددت التوصيات على ‏تعزيز آليات التمويل والمواكبة والمصاحبة المالية ومنظومة الشمول المالي بالوسط القروي، من أجل تقوية التثبيت الديمغرافي وتعزيز الاستثمار الذاتي، وإحداث المقاولات والمساهمة في بناء جيل جديد من الطبقة الوسطى بالوسط القروي. كما أوصى التقرير بأهمية تسريع تنزيل السجل الاجتماعي الموحد لتسهيل مسار إصلاح منظومة المقاصة، وهو ما سيمكن من تعزيز آليات الاستهداف الخاصة بالدعم، وضمان إطار عادل ومنصف لعمل صندوق المقاصة، علما أن وزارة الداخلية قامت بعمل كبير في ورش السجل الاجتماعي الموحد على المستويات التقنية والرقمية والترابية. وطالبت مجموعة العمل الموضوعاتية بالانخراط في دينامية التحول الرقمي، عبر جعل الرقمنة آلية حقيقية لتمكين الفاعلين في القطاع الفلاحي من الولوج، وبشكل آني إلى المعطيات والمعلومات الفلاحية والصناعة الغذائية، وتقوية الاكتفاء الغذائي، وتقليص نسبة التبعية الغذائية، سيما في المواد الغذائية الأساسية (القمح، السكر والزيوت والبذور والأسمدة) ، وترسيخ وتطوير معايير علامات الجودة الخاصة بالمنتوجات الغذائية، والاستمرار في تعزيز مسارات تسويق المنتوجات الفلاحية المحلية التي تنتجها التعاونيات. الحد من الهدر الغذائي في الجانب التشريعي، أوصت المجموعة بسن قوانين تشريعية وتنظيمية للحد من هدر المنتوجات الفلاحية في مختلف مراحل التوزيع والتخزين والتسويق، ووضع آلية وطنية لضبط الكميات الحقيقية التي يتم هدرها، ورفع المنتوجات القابلة للتحويل الصناعي، وتشجيع الاستثمار في الصناعة الغذائية، مع تنمية سلاسل الإنتاج الفلاحي، والتركيز على الزراعات التي تصمد أمام المتغيرات المناخية، واعتماد خطة وطنية لتكييف سلاسل الإنتاج مع الإعدادات المناخية الجديدة. وبخصوص شح المياه، ركزت التوصيات على ضرورة الاستعمال الرشيد والعقلاني للموارد المائية لفائدة الزراعات التي تضمن ديمومة الأمن الغذائي، وترشيد استعمال المياه الجوفية، بتقنين أنماط الاستغلال وتوجيهها لدعم استدامة الأمن الغذائي، واعتماد جيل جديد للتجميع الفلاحي، لمواجهة حالات الجفاف وغلاء المدخلات، وقلة تنظيم السوق الداخلي وصعوبات التسويق الخارجي، والاستمرار في التطوير المبتكر للإطار القانوني للتجميع الفلاحي، باعتباره خيارا إستراتيجيا للنهوض بالسلاسل الإنتاجية على مستوى النجاعة والمردودية والإنتاجية. تأمين المخزون الإستراتيجي توقف التقرير عند جوانب التخزين، إذ دعا إلى توفير بيئة تشريعية وتنظيمية تهم نظام التدبير وشروط التخزين ومصادر التمويل وغيرها من الضوابط القمينة بإرساء منظومة متكاملة لتدبير وتأمين المخزون الإستراتيجي للمواد الأساسية، وإحداث آلية وطنية للضبط والتنظيم، يعهد إليها التدبير الشمولي للمخزون الإستراتيجي، مع اعتماد نظام مراقبة فعال بخصوص الإمداد بالمخزون الغذائي وكيفية تدبيره، واعتماد آلية الإنذار المبكر والاستباقي ضد المخاطر التي تهدد سلاسل الصناعة والإمداد، وإعداد نظام شامل لجرد أرصدة مخزون المواد الأساسية. وطالب باعتماد سياسات عمومية جديدة تتعلق بتدبير المخزون الاحتياطي الإستراتيجي، بهدف تغطية الطلب المحلي، ومواجهة الصدمات الطارئة وتقلبات السوق، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية، عبر تشييد وتطوير وحفظ مرافق التخزين، وتعزيز برامج البحث والتطوير المتعلقة بتخزين المواد الغذائية، وعصرنة تقنيات ومعدات التخزين، عبر دعم التعاونيات الفلاحية، وتعزيز برامج إحداث وتطوير مستودعات التخزين والتبريد، خصوصا في المناطق التي تعاني الهشاشة والعزلة. كما أوصت باعتماد إطار تشريعي وتنظيمي للحد من آفة الضياع والهدر الغذائي، سيما ما يتعلق بتسويق واستهلاك الخبز، وتقوية نظم المراقبة الوطنية، والترابية الخاصة بالسلامة الغذائية، على امتداد سلاسل الإنتاج والاستهلاك، وتقوية نظام المراقبة والتتبع بإعمال أنظمة محكمة على امتداد دورة الإنتاج والتسويق والاستهلاك، خصوصا ما يتعلق بالمنتوجات الفلاحية والحيوانية. الادخار في الحبوب حرصت التوصيات على ضرورة اعتماد نظام رقابي صارم وشفاف بخصوص المخزون الإستراتيجي من القمح، والارتقاء بمنظومة التدخل لتحسين وضعية التغذية لدى الفئات العمرية الهشة، وبالأخص الرضع والأطفال، ودعم وتكثيف سياسات وبرامج الحماية الاجتماعية الموجهة للفئات الفقيرة والمستضعفة، وتوسيع نطاقها، مع تشجيع الإرضاع من الثدي، وسن برامج خاصة لدعم التغذية التكميلية، وتعزيز برامج التخفيف والحد من الفقر المطلق ونسب العوز والهشاشة، والالتزام بقوانين السلامة الغذائية على مستوى كل سلاسل الإمداد بالغذاء والاستهلاك، والارتقاء بمستوى التوعية والإرشاد الغذائي على المستوى الإعلامي لتحسين العادات الغذائية والنشاط البدني، وإدماج نظم الإعلانات والملصقات الخاصة بالتغذية التي تدعم الخيارات الصحية في نقط البيع، تعزيز نظام الادخار الوطني بالنسبة إلى الحبوب، واعتماد نظام رقابي صارم وشفاف بخصوص المخزون الاستراتيجي من القمح، ووضع نظام فعال لمراقبة نقط البيع، والمطاعم الجماعية، وتعزيز أدوات وآليات المراقبة للاستخدام الرشيد لمضادات الميكروبات في الطب البيطري خصوصا لدى الحيوانات المنتجة للأغذية. السلامة الصحية أولا أوصى التقرير بسن قواعد تشريعية للاستخدام المناسب للمواد الكيماوية الزراعية لضمان سلامة الأغذية وجودتها، واعتماد نظام مراقبة شفاف وفعال لحماية المستهلكين من الدعاية الغذائية والاستهلاك غير السليم، وغير الصحي للأغذية. كما أوصى بتطوير سلسلة اللحوم،عبر تعزيز الوقاية من الأمراض الحيوانية، خصوصا لدى الأبقار والدواجن، وتعزيز قواعد السلامة الصحية لمنتجات اللحوم الحيوانية، على مستوى الإنتاج، والذبيحة، والتسويق، وتعزيز حضور مؤسسات الدولة على مستوى سافلة السلسلة لحماية صحة المواطنين، وإعادة تأهيل المجازر الجماعية للحد من الفوضى، التي يشكوها القطاع الحيوي، وتطوير وتحديث البنيات المخصصة للتبريد، وتخزين اللحوم داخل المجازر وفي الأماكن اللوجيستية الملائمة، وتحديد مجالات تدخل القطاعين العام والخاص في هذا المجال. وأكد التقرير ضرورة مراجعة الضوابط المتعلقة بمعالجة النفايات السائلة والصلبة لتفادي مشكل تصريف المياه العادمة الناتجة عن عمليات الذبح مباشرة في شبكة التطهير العمومي، وتوفير منظومة تتبع وتعقب الحيوانات تتضمن ضوابط صارمة تفرض الالتزام بآلية ترقيم الحيوانات، وتقوية منظومة المراقبة والزجر، للحد من ظاهرة الذبيحة السرية والمجازر غير المنظمة، والتي تشتغل خارج القانون. عصرنة أسواق الجملة يشكل إصلاح وتنظيم وتأهيل الأسواق العمومية، أحد العناصر التي تضمن الوفرة الغذائية والاستجابة لمتطلبات التنمية المحلية والجهوية، لذلك أوصى التقرير بإصلاح أسواق الجملة، بما يؤهلها لقواعد الشفافية والمنافسة، وسن نصوص قانونية تستجيب للمتطلبات الجديدة للإصلاح والمراقبة المرتكزة على المقاربة التشاركية، بما يضمن انخراط جميع المتدخلين في أسواق الجملة. ودعا إلى مراجعة نظام الوكلاء بما يسمح بتحسين مداخيل أسواق الجملة، واسترجاع الثقة بين الإدارة ومختلف المهنيين والفاعلين. وأوصى التقرير بتقوية الإجراءات التحفيزية لفائدة المنتجين بهدف تجميع الإنتاج الوطني بأسعار تفضيلية، ومراجعة نظام التسعير الجمركي لتمكين المستوردين من الاستفادة من فرص السوق العالمية وضمان التجديد المستمر للمخزون، وإعادة تأهيل البنية التحتية للتخزين لتوفير الظروف الملائمة للتخزين. كما أكد ضرورة اعتماد منظومة زجرية للحد من تدخل الوسطاء في الأسواق للحفاظ على توازنات السوق واستقرار الأسعار، وتنظيم الفلاحين الصغار والمتوسطين في التعاونيات الفلاحية، لتشجيع جمع وتسويق منتوجات الحبوب، والعمل على تأمين التزود من القمح الطري عبر اللجوء إلى اقتناء كميات كبيرة خلال الفترات التي تعرف انخفاضا في الأسعار في السوق الدولية، موازاة مع تطوير البنيات التحتية المينائية المعدة لاستيراد الحبوب وتحسين ظروف جمع المنتوج الوطني من القمح. تطوير سلسلة السكر من بين الإجراءات المقترحة، اتخاذ تدابير تساهم في الرفع من مردودية الزراعات السكرية، قصد تقليص التبعية للسوق الخارجية، عبر عقود برامج بين الدولة والمهنيين، في تناسق مع الأهداف الإستراتيجية لمخطط المغرب الأخضر، والتفكير في اقتناءات تروم تأمين التزود بمادة السكر خلال الفترات التي تعرف انخفاضا في الأسعار في السوق الدولية، بالموازاة مع اتخاذ إجراءات لرفع قدرات التخزين وتكوين المخزونات الاحتياطية. كما أوصت بالعمل على إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لمعضلة ارتفاع تكاليف المدخلات، خاصة الأسمدة التي تعرف أسعارها اتجاها تصاعديا في السوق الوطنية والدولية، والانخراط في دينامية التحول الرقمي عبر مواصلة تطوير وتحديث النظام المعلوماتي "التيسير" لتسهيل وتسريع المعاملات بين الوحدات الإنتاجية السكرية والفلاحين. دعم إنتاج الزيوت أظهـرت الأزمة الصحيـة المرتبطـة بوبـاء "كوفيـد- 19 " أهميـة التوفـر علـى إنتـاج محلـي مـن الحبـوب الزيتيـة، لتفـادي انعكاسـات الاضطرابات التـي عرفتهـا سلاسل الإمدادات الدوليـة، وكـذا التخفيـف مـن حـدة تقلبـات الأسعار فـي السـوق الدوليـة، وانعكاسـاتها علـى أسـعار المـواد الغذائيـة فـي السـوق الوطنيـة بصفة عامة وعلى زيت المائدة بصفة خاصة. ولتحقيق ذلك، أوصت المجموعة بتطويـر محاصيـل الحبـوب الزيتيـة المحليـة عـن طريـق رفـع مسـاحة الزراعـات الزيتيـة ودعمهـا، مع إعادة إدخال زراعة "الصوجا" في المساحات المسقية، وتشـجيع الأسر على استهلاك زيـت الزيتـون، للتقليـص جزئيـا مـن التبعيـة الناجمـة عـن استهلاك زيـت المائـدة، بالنظـر للإمكانيات التـي توفرهـا سلسـلة الزيتـون علـى مسـتوى الإنتاج الفلاحي والإنجازات التـي تحققـت خـلال السـنوات الأخيرة، وإعادة تأهيل البنية التحتية لتخزين الزيوت النباتية الخام، بهدف الرفع من إمكانات التخزين الوطنية، وتشـجيع الفاعليـن فـي سـوق زيـوت المائـدة علـى اللجـوء إلـى الآليات المتاحـة مـن أجـل تغطيـة المخاطـر المرتبطة بتقلبـات أسـعار المـواد الأولية فـي الســوق الدوليــة. تثمين الصيد البحري خلص تشخيص المجموعة إلى أن مخطط "أليوتيس" كان له أثر واضح على قطاع الصيد البحري، غير أنه تتخلله مجموعة من الأعطاب يتعين إصلاحها، بغية استدامة الموارد واستمرارية استغلالها من قبل الأجيال المستقبلية وضمان جودة مثلى للمنتجات من مرحلة التفريغ إلى مرحلة التسويق، وتثمين المنتجات قصد رفع تنافسيتها بالأسواق، وتنزيله وفق قواعد الحكامة، وفي إطار قانوني واضح واعتماد آليات مناسبة للتكوين والمراقبة. كما أكدت وضع إستراتيجية ناجعة قصد المراقبة، والوقوف عند مكامن الخلل والتدخل بقوة لمعالجته ووضع تصور في الموانئ وتشجيع الثروة السمكية. وأوصت بعقلنة المراقبة عبر تزويد البواخر بأجهزة المراقبة لتتبع أوقات الخروج والدخول وإستراتيجية لمتابعة الصناعات البحرية.

السيادة الغذائية… رهانات الاكتفاء الذاتي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

موظفون زوروا وثائق "الديوانة"

تزوير السيارات ... مسؤولون في قفص الاتهام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات