أفيـلال: زراعـات أنهكـت الفرشـة المائيـة
كاتبة الدولة السابقة تشرح لـ »الصباح» أسباب ندرة المياه وسبل معالجة الاختلالات
كشفت شرفات أفيلال، كاتبة الدولة السابقة في قطاع الماء، عن حقائق مهمة، تخص خارطة طريق السياسة المائية، وكيف السبيل لمعالجة الاختلالات، مؤكدة أنها حققت، في عهدها، نتائج «مشرفة» لفائدة القطاع نفسه. في ما يلي نص الحوار:
أجرى الحوار: عبد الله الكوزي
< أهم مدخل، تنويع مصادر التزود بالماء بجميع استعمالاته، أخذا بعين الاعتبار وجود المغرب في منطقة التقلبات المناخية، أضحت واقعا لا مفر منه.
وهنا سيكون من المستعجل رفع وتيرة الاستثمار في تقنية تحلية مياه البحر والاستفادة من المياه العادمة المعالجة، مع ملاحظة أن المغرب مازال يسجل تأخرا كبيرا جدا في هذا المجال، إذ يمكن إعطاء مؤشر أساسي، على سبيل المقارنة، أن نسبة المعالجة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وصلت إلى 90 في المائة، في حين لم نتجاوز بالكاد 10 في المائة.
المدخل الثاني، هو الاقتصاد في الماء وإعطاء العناية الكبرى لتأهيل شبكة التوزيع وشبكة النقل، التي ربما تحتاج إلى برنامج خاص بها يتم التعامل معه بجدية.
المدخل الثالث الأكثر أهمية، إعمال الحكامة الجيدة في تدبير قطاع الماء. إن الحكامة لا تعني فقط السلطة الحكومية المكلفة بتدبير الماء، لكن تمس أيضا، من يستهلك ومن ينتج ومن ينقل ومن يوزع، أي كل الفاعلين الأساسيين، لأنه قطاع مركب ومعقد ويتميز بتعدد المتدخلين، ليس فقط في المغرب بل كل دول العالم.
< التوحل هو ظاهرة طبيعية ليس المغرب الوحيد الذي يعانيها، بل جميع سدود العالم تعاني ظاهرة التوحل بدرجة متفاوتة ومتباينة على حساب الموقع الجغرافي والجيومورفولوجي لكل سد.
بطبيعة الحال نقوم بدراسة تصميم للسدود، ونأخذ بعين الاعتبار «الشطر الميت» كل سنة الذي يتم احتسابه بقياسات وعمليات رياضية معينة.
وأشير هنا إلى أن وجود مناطق أكثر عرضة للتوحل من مناطق أخرى، مثل سد عبد الكريم الخطابي بالحسيمة الذي فاقت درجة التوحل به 90 في المائة، وسد مشرع حمادي، الذي يعاني درجة متقدمة جدا من التوحل وسد الحسن الثاني، وبعض المناطق الأخرى التي قمنا فيها ببعض التجهيزات في ما يخص العتبات والتشجير التي تسمح بمكافحة انجراف التربة فيها بدرجة أقل.
الحلول المتاحة حاليا مع التقدم العلمي والتكنولوجي من أجل التخفيف من وطأة هذا التوحل، هي الإفراغات خصوصا أثناء فترة الحمولات التي نفتح قاع السد من أجل إخراج الوحل أو الطين. هناك تقنيات متطورة أخرى، لكن مكلفة ماليا، إذ قد تتجاوز كلفة التحلية، لاعتمادها على بواخر جرف، وأوعية عقارية شاسعة في محيط السدود.
< الحمد لله أن للبلاد ذاكرة. فما قام به حزب التقدم والاشتراكية أثناء تسييره قطاع الماء يعد مصدر فخر واعتزاز، لما قدمه في مجال النهوض بالبنيات التحتية المائية، سيما في المناطق التي تعرف جفافا هيكليا، مثل زاكورة وورزازات والرشيدية، التي كانت تئن تحت وطأة العطش. ويعود الفضل إلى فترتنا السابقة في تغيير عدد من المعطيات هناك، بشهادة الجميع، من أجل العدالة المجالية وتسريع الاستثمار في البنية التحتية المائية، وتوفير المشاريع الكفيلة بضمان التزويد بالماء الصالح للشرب، أو الحماية من الفيضانات.
< لا طبعا، المغرب بحكم موقعه الجغرافي، يتميز بمناخ جاف إلى شبه جاف، بمعنى أن التنمية لا يجب أن تتجاوز القدرات المائية المتاحة، كما ينبغي على القطاعات التي تعتمد على استهلاك الماء، أن تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتاحة في كل منطقة.
أعطي مثالا هنا، بمنطقة زاكورة ومنطقة الجنوب الشرقي على وجه الخصوص التي تعرف جفافا هيكليا، قد تكون زراعة البطيخ، أو بعض الزراعات مكنت من خلق رواج اقتصادي معين، لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب السكان الذين يعانون العطش.
لذلك كنت أقول إن تشجيع الاستثمار في هذه الزراعات المستهلكة للماء في مناطق تعرف ندرة حادة له، هو خطأ، ويمكن تعويضها بالنخيل والحناء وغيرها من الزراعات الأخرى، التي تتأقلم مع المناخ ولا تتطلب استعمالا كبيرا للمياه.
أنا لست ضد زراعة البطيخ أو غيرها، بل أقول إنه يجب تشجيع التنمية بشكل يأخذ بعين الاعتبار القدرات المائية والهيدروليكية.
< ربما هو ثاني تقرير تصدره هذه المؤسسة في الموضوع نفسه. نحن نتفق على أن سقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف تنهكك الموارد المائية. هناك مجهودات قامت بها جامعة الكولف، أو بعض المحطات السياحية، مثلا في مراكش جميع ملاعب الكولف تسقى بالمياه العادمة، الأمر نفسه، يحدث في ورزازات، وأضف إليها ملاعب غولف المناطق الشمالية.
هناك مجهودات، لكن تظل محدودة. مؤهلات متاحة لسقي المساحات الخضراء بصفة حصرية بإعادة استعمال المياه العادمة. «رب ضارة نافعة» كما نقول.
دورية وزارة الداخلية، التي صدرت خلال هذه السنة بسبب تداعيات الجفاف وندرة المياه، ذهبت في الاتجاه نفسه، ربما تكون إعادة تدوير المياه على الأقل، محطة أولى في سقي المساحات الخضراء وبعض المحطات السياحية، في أفق تعميمها على الصعيد الوطني.
محطة البيضاء
أطلقت صفقة الدراسة الخاصة بمشروع تحلية مياه البحر بالبيضاء في 2018، ووضعت برنامج إنجاز لا يتجاوز سنة، سيما أنني كنت حريصة على تتبع مكاتب الدراسات، وأحدد لها الآجال الدقيقة، لتسريع وتيرة الانتهاء من الدراسة.
لكن إلى حدود اليوم، وبعد مغادرتي الوزارة، لم تصدر الدراسة، وأتساءل هنا، هل كنت بعد 2018، مسؤولة عن تدبير قطاع الماء؟ أفرجت عن المخطط الوطني للماء وكنت في تنسيق مباشر مع الديوان الملكي، كما أن المشاريع التي تكلفت بها، حرصت على تنفيذها كلها دون استثناء.