fbpx
ملف عـــــــدالة

إثبات النسب: الخبـرة الجينيـة … الحسـم

المحامية الصغيري دعت إلى اعتبارها قاعدة لإثبات النسب إلى جانب الوسائل الشرعية

كان القضاء في السابق يتشدد في اعتماد الخبرة الجينية في قضايا إثبات النسب، رغم نتائجها الفعالة والقطعية، وقدمت مبررات عديدة منها أن الشريعة الإسلامية وضعت قواعد لحل هذه المسألة، منها “الولد للفراش” و”الإقرار” والشبهة” و”اللعان”، إلا أنه مع مرور السنوات، تمردت أحكام قضائية على هذا الجمود، وتملكت الجرأة لتنفتح على تقنية متطورة لتحديد النسب من خلال الخبرة الجينية أو البصمة الوراثية، التي تقدم نتائج قطعية لا تقبل التشكيك.
لقيت قرارات اعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب، إشادة كبيرة من قبل حقوقيين وجمعيات نسائية وأخرى تعنى بالطفولة، فبعد سنوات عانى فيها أطفال الأمرين، منهم من وجدوا أنفسهم ضحية تشرد، رغم الشبه الكبير بآبائهم الذين تنكروا لهم، لكن اليوم صارت نتائج الخبرة حاسمة وتلزم الجميع.
ترى لبنى الصغيري، محامية بهيأة البيضاء، أن إثبات النسب من أهم القضايا المطروحة في الوقت الراهن، لأنه ربما كانت لنا وسائل شرعية تنظمها الشريعة الإسلامية قبل القانون لإثبات النسب، وبحكم أننا مسلمون، بطبيعة الحال الأنساب تظل من القضايا الحساسة في مجتمعنا، إذ تتعلق بالإرث والاسم العائلي، سيما للأسر العريقة، التي جرت العادة أن تحرص بكل تشدد على نقاء أنسابها، وبالتالي، تؤكد المحامية، أن الشريعة الإسلامية، كانت حكيمة ونظمت هذه المسألة من خلال مجموعة من المقتضيات المضمنة في القرآن، منها الولد للفراش والشبهة والإقرار، حماية لاختلاط الأنساب والأعراض.
وأضافت الصغيري، أن مدونة الأسرة الحالية، كما السابقة، نظمت إثبات النسب في المواد 152 إلى 156، لكن الظرفية الراهنة فرضت معطى جديدا وقطعيا لتحديد النسب، نظرا للتطور العلمي والتكنولوجي، الذي شهدته المجتمعات العالمية، ولن يقف الأمر هنا عند الخبرة الجينية، بل امتد ليشمل البصمة الوراثية، لأنها تثبت بما هو قطعي وحاسم نفي النسب وليس إثباته، بناء على تحاليل خاصة وأبحاث علمية يشرف عليها خبراء في هذا المجال.
وقدمت المحامية توضيحا في هذه المسألة بالقول إنه خلال إجراء خبرة، قد تكون الفصيلة الدموية للابن المشكوك فيه مطابقة للأب، لكن هذا لا يعني ذلك قطعا أنه والده شرعا، لأن الفصيلة الدموية نفسها قد تكون لدى العديد من الناس، لكن عندما تكون الفصيلة الدموية للابن تختلف عن الأب، هنا نكون أمام دليل قاطع لنفي النسب.
والملاحظ، تضيف المحامية، أن مدونة الأسرة، فتحت الباب على مصراعيه لإثبات النسب لفائدة الفتاة المخطوبة، بحكم أن فترة الخطوبة، والتي يكون مسموحا فيها بالتواصل واللقاء بين الخطيبين، قد تنتهي بحدوث حمل، لهذا كان من الضروري اعتماد وسائل شرعية من قبيل “الولد للفراش” لإثبات النسب، مع العلم أن هذه القاعدة تطرح إشكالا كبيرا، لأن القول بها تفرض أن الابن هو ابن شرعي لزوجة نكحت بعقد شرعي، وليس المقصود به الفراش الذي مورست فيه العلاقة الجنسية، والتي قد تكون غير شرعية، وبالتالي فهذه القاعدة صارت وسيلة إثبات حتى في العلاقات غير الشرعية، في حين يجب حصرها فقط لإثبات النسب في علاقة الزواج الصحيح شكلا ومضمونا وشرعا.
وتواصل الصغيري حديثها، بأنه إلى جانب قاعدة “الولد للفراش” تعتمد المدونة في إثباب النسب على الإقرار، وهو بينة صادرة عن زوج يقر فيه صاحبها أنه أب الطفل المشكوك في نسبه، ويكون الإقرار مبنيا على شهادة عدلين، يؤكدان أنهما حضرا واقعة تحرير عقد الزواج، إلا أن العملية شابتها مشاكل حالت دون إبرامه، لكن توفرت شروط أخرى، من قبيل الإيجاب والقبول وتحديد المهر وغيرها من شروط الزواج. وأما بخصوص الشبهة، فتشدد المحامية، على أنه تم استبعادها في الظرفية الراهنة، إذ اعتمادها صار محدودا إلى أقصى حد، وهذا يعود إلى تطور المجتمع المغربي واعتماد وسائل متطورة بديلة في تحديد النسب.
وبالعودة إلى الخبرة الجينية والبصمة الوراثية، تؤكد المحامية لبنى الصغيري، أنهما تعدان من الوسائل الحالية التي صار القضاء يراهن عليها باستمرار لإثبات النسب، سيما في حال تمسك الأب بالإنكار، خاصة أنه كانت مجموعة من القضايا تخص نساء اعتقدن أنهن مرتبطات بعلاقة شرعية، والحال أن الطرف الآخر، وهو الزوج ينكر هذه العلاقة بشكل مطلق، وعجزت النسوة عن إثبات وجود عقد زواج.
وضربت المحامية مثلا في ذلك بقضية “خديجة” بالقنيطرة، التي توهمت أنها زوجة شخص ينتمي إلى إحدى مهن العدالة، إذ في إطار الاحترام والتوقير الذي خصصته له ولمهنته، اعتقدت أن الشخصين اللذين رافقا “زوجها” عدلان وأنهما فعلا حررا لها عقد زواج، سيما أنها لما كانت تطالب “زوجها” به، كان يؤكد لها أنه يتوفر على نسخة منه، إلى أن حملت بطفلة، فتنكر للعلاقة الزوجية، بعد أن كانت تعتقد جازمة أنها متزوجة على سنة الله ورسوله، إلا أنه في واقع الأمر، وقعت ضحية نصب محكم، مبرزة أنه لما عرض الملف على القضاء، وبعد جلسات ماراثونية واستعانة المحكمة بشهود أكدوا وجود العلاقة الزوجية، من قبيل مالك الشقة التي تكتريها الزوجة وتجار بالحي، صدر حكم بإجراء خبرة جينية للتأكد من نسب الطفلة.

وسيلة ثبوتية

شددت المحامية على أن الخبرة الجينية والبصمة الوراثية تظلان الوسيلة التي يجب اشتراطها بصريح العبارة في مدونة الأسرة، إذ تعدان من الطرق الأساسية لإثبات النسب اليوم وفي قادم الأيام، سيما في إطار المخاض الذي تعرفه القوانين بالمغرب، ومنها مدونة الأسرة، التي تعكف وزارة العدل على تضمينها مجموعة من النصوص القانونية، التي تساير العصر والظرفية الراهنة.

مصطفى لطفي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى