المهام الاستطلاعية … جعجعة بلا طحين
آلية برلمانية رقابية أنهكتها التوافقات السياسية فكان مصيرها الرفوف
توالت طلبات المهام الاستطلاعية المؤقتة خلال الولاية التشريعية الحالية، سواء من لدن فرق الأغلبية أو المعارضة، في مواضيع شتى ابتداء من تلك «المتعلقة بالمعابر الحدودية للوقوف على الاستعدادات الجارية لتنظيم عملية مرحبا 2022»، وانتهاء بـ»جاهزية مراكز الاصطياف والتخييم بالمغرب لسنة 2022». ولا شك في أن المتتبع للشأن البرلماني سيلاحظ أن الولاية السابقة شهدت غزارة في تشكيل عدد من المهمات الاستطلاعية، غير أنها لم ترفع جميعها إلى الجلسات العامة، ومنها التي اقتصر عرضها على اللجنة النيابية المعنية، في حين هناك مهمات استطلاعية لم تكمل عملها وأحيلت أوراقها إلى الرفوف، أمام هذا الوضع يمكن التساؤل عما إذا كانت هذه الآلية الرقابية ما زالت في حاجة إلى ضبط طريقة عملها؟ وهل استطاع البرلمان بغرفتيه عقلنة استعمالها ترشيدا للزمن التشريعي وللأموال التي تصرف عليها؟
خديجة عليموسى
لقد حدد النظام الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، ضوابط تشكيل هذه المهمة، والتي يكون مجال عملها مرتبطا بـ» شروط وظروف تطبيق نص تشريعي معين، أو موضوع يهم المجتمع، أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية».
هفوات وثغرات
رغم أن النظام الداخلي للبرلمان، بغرفتيه، وضع الإطار القانوني لهذه المهام وطريقة تشكيلها والآجال الزمنية المحددة لعملها، غير أن تنزيلها على مستوى الواقع كشف عن مجموعة من الهفوات المتعلقة بها، والتي أبانت عليها مجموعة من المحطات خلال مرحلة تشكيل المهمة، أو عند الانتهاء من التقارير المنجزة، لا سيما في ما يتعلق بالصراعات السياسية، التي تكون بين الأغلبية والمعارضة، ويكون لها الأثر على نتائج التقرير.
وفي هذا السياق، يؤكد عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ جامعي مختص في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ما يحد عمليا من أهمية هذه الآلية الرقابية يتمثل في أنه عادة ما تخضع هذه المهمة لتوافقات سياسية وفي هذه الحالات تكون نتائجها عادية وغير متميزة باستثناء البعض منها (المحروقات والسجون والأدوية).
وأضاف أدمينوـ في تصريح لـ»الصباح» ، أن «عددا من هذه المهمات تكون ضحية صراعات سياسية وهو ما يكون له الأثر على خلاصات ونتائج المهمة».
من جهته، اعتبر عبد السلام اللبار، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين، أن المهمة الاستطلاعية هي «عمل جيد ومهم ويكشف حقائق تكون غامضة لدى البرلمانيين»، غير أنه وصفها، في تصريح لـ»الصباح» بـ»جعجعة بدون طحين»، وتابع «نكثر الصياح والكلام، ولكننا لسنا من ذوي الاختصاص، نثير ملاحظات عدة، ومنا من البرلمانيين من يكون على إلمام ودراية، ومنا من يقف كشاهد عيان على الحالة، ولكن غالبا ما نقوم بهذه الاستطلاعات، ولا نعرف كنه الشيء ومصدره»، حسب تعبيره.
وبدوره أشار إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، في تصريح لـ»الصباح»، إلى أهمية المهمة الاستطلاعية التي اعتبرها «آلية جد مهمة» تدخل في صميم عمل البرلمان الذي يمارس الرقابة على عمل الحكومة من خلال مساءلتها وإثارة انتباهها إلى عدد من الملفات، مقدما مثالا على ذلك بالطلب الموجه من لدن فريقه بشأن تشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة حول أسواق الجملة، والذي قال إن «القيام بهذه المهمة، سيكشف لا محالة عن مجموعة من الاختلالات لا سيما المتعلقة بالوسطاء والتي تكون سببا في ارتفاع أسعار الخضر والفواكه».
آلية معزولة عن فلسفة الرقابة
خلال الولاية السابقة، واستنادا، إلى حصيلة الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، فإن أربعة تقارير فقط للمهمة الاستطلاعية وصل عملها إلى الجلسة العامة، بينما حوالي 18 مهمة توقف عملها في محطة من المحطات، وهو ما يحيل على عدم عقلنة هذه المهمة وعدم ترشيد الزمن المتعلق بها.
وفي هذا السياق، قال أدمينو، إن «النظام الداخلي لمجلس النواب وفر جميع الضمانات من أجل نجاح المهام الاستطلاعية، أي أن الإرادة السياسية متوفرة وهناك التزام للحكومة من أجل التعاون لإنجاح هذه المهام»، غير أن الذي ينبغي أن يكون، يضيف المتحدث ذاته هو « أن يتم تحديد الأولويات بالنسبة لمواضيع المهام الاستطلاعية وهذه من مسؤولية اللجنة ومكتب المجلس».
ويرى الأكاديمي الجامعي أنه يمكن أن يكون للمهام الاستطلاعية «دور كبير في تطبيق النصوص التشريعية، فأحيانا الحكومة تحيل في عدد من القوانين على النصوص التطبيقية وهو ما يعقد العملية التشريعية، وأن تأخر تلك النصوص يؤجل تطبيق القانون».
ويعتبر أدمينو أن «المهام الاستطلاعية يمكن أن تكون عاملا أساسيا في إثارة المسؤولية السياسية للحكومة في موضوع ما، ويمكنها أن تبرز تقصير الحكومة لدرجة قد تصل إلى ملتمس الرقابة»، مشيرا إلى أن « تقاريرها لا تحظى بالنقاش اللازم كما أن توصياتها لا تتم متابعة مآلها سواء من طرف الحكومة أو البرلمان من خلال أسئلة برلمانية مما يجعلها آلية معزولة عن فلسفة الرقابة «.
وحول ما إذا كانت هذه الآلية تتطلب تقوية في أداء مهمتها ومنح توصياتها ونتائجها قوة أكبر، قال اللبار «نحن لسنا دركيين بقدر ما نلاحظ ونقوم ما نراه مكشوفا وواضحا، وسيبقى ذوو الاختصاص أدرى منا»، ليتساءل «كيف للبرلماني أن يعرف في التدبير أو تسيير المالية إذا لم يسبق له القيام بذلك أو تسيير المالية؟»، وزاد بالقول « لا بد من الرجوع لذوي الاختصاص وإذا كانت لدينا ملاحظة صائبة ستؤخذ بعين الاعتبار لا محالة «.
بدوره يرى السنتيسي أنه «إذا أسفر تقرير المهمة الاستطلاعية عن خلاصات ونتائج وتوصيات مهمة وجدية، فإنها حتما ستجد آذانا صاغية لأن الذي يتلقاها هم مغاربة ولهم حس المواطنة قبل أن يكونوا مسؤولين، ولا يمكن لنا من موقعنا في المعارضة أن نقول عكس ذلك»، على حد تعبيره.
تقارير في الرفوف
لقد عرفت الولاية السابقة عددا من المشاكل المرتبطة بالمهام الاستطلاعية، ومنها تسريب نتائج المهمة الاستطلاعية الخاصة بصفقات «كورونا»، وهي المهمة التي لم يعرض تقريرها لا بلجنة المعني وهي لجنة القطاعات الاجتماعية، أو بالجلسة العامة، وهو ما يطرح جدوى تقارير تحول إلى الرفوف، خاصة أنها مكلفة من الناحية المادية.
ومن بين الأسباب المؤدية إلى هذا الوضع هو عدم احترام المدة الزمنية، وكذا تعدد المهمات لدى اللجنة الواحدة، والتي قد تصل إلى ثماني مهمات استطلاعية كما هو الشأن بالنسبة للجنة القطاعات الاجتماعية خلال الولاية السابقة، التي لم ترفع للجلسة العامة سوى تقرير واحد فقط، حسب ما ورد في حصيلة أشغال اللجان الدائمة بمجلس النواب والذي يتوفر «الصباح» على نسخة منه.
وفضلا عن تعدد المهمات ينضاف إشكال آخر يتمثل في إثقال اللجنة من حيث عدد أعضائها، إذ على الرغم من أن النظام الداخلي بمجلس النواب ينص على أن عدد أعضاء المهمة يتراوح ما بين 2 و13 إلا أنه دائما يصل العدد إلى 13 عضوا، ما يستتبع ذلك من كلفة مادية كبيرة، وهو وما يطرح إمكانية التفكير في تقليص العدد.
إن مثل هذه الإكراهات والمشاكل قد تدفع إلى التساؤل حول جدوى تقارير تصرف عليها ميزانية ضخمة من المال العام، ولا تؤدي هدفها وبالتالي تظل حبيسة الرفوف؟.
وفي هذا السياق يؤكد رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب أن «لا شيء يضيع، لأن هناك استمرارية للإدارة، وفي حالة وجود خروقات فإن هناك محاسبة ملزمة للجميع، لأننا في دولة الحق والقانون «.
أما السنتيسي، فيرى أن الأمور المرتبطة بترشيد عمل المهمة الاستطلاعية المؤقتة، تتم دراستها داخل لجنة مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب، والذي سيتم تعديله وفق توافق بين الأغلبية والمعارضة، مؤكدا على ضرورة حفظ حقوق الأقلية داخل البرلمان وذلك انسجاما مع روح الديمقراطية ومع التقيد بالتعليمات الملكية وخطبه السامية، والتي تم من خلالها التشديد على «تعزيز دور المعارضة البرلمانية كسلطة نافذة٬ مع تخويلها وسائل عمل جديدة» تمكنها من مشاركة أقوى وأكثر مسؤولية في العمل البرلماني
ولكي تؤدي هذه الآلية الرقابية دورها المنوط بها، فقد بات ملحا أن تتم مراجعة المقتضيات القانونية المنظمة لها، وذلك من خلال تقليص عدد أعضائها وضبط مواضيعها، وهذا لن يتأتى إلا عبر بوابة مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب ونظيره بمجلس المستشارين.
الدور الاستطلاعي للجان الدائمة
حدد النظام الداخلي لمجلس النواب في الفرع الرابع منه، الدور الاستطلاعي للجان الدائمة ، حيث نصت المادة 107، على أنه «يجوز للجن الدائمة أن تكلف، بناء على طلب من رئيسها بعد موافقة مكتب اللجنة أو رئيس فريق أو رئيس مجموعة نيابية أو ثلث أعضاء اللجنة، عضوين أو أكثر من أعضائها، بمهمة استطلاعية مؤقتة حول شروط وظروف تطبيق نص تشريعي معين، أو موضوع يهم المجتمع، أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب».
ونصت المادة 108 على أن عدد أعضاء المهمة ينبغي أن «لا يتجاوز عدد المكلفين بالمهمة ثلاثة عشر (13) عضوا وأن لايقل عن عضوين (02) اثنين.»
كما حدد النظام الداخلي أجل تقرير المهمة الاستطلاعية على مكتب المجلس بالموازاة مع إحالته على اللجنة المعنية، وذلك « داخل أجل لا يتعدى ستين يوما ابتداء من أول إجراء».
ومن جهته حدد الفرع الثالث للنظام الداخلي لمجلس المستشارين دور اللجان الدائمة، حيث نصت المادة 125 على أنه «يجوز للجان الدائمة، بناء على طلب من رئيسها بعد موافقة مكتب اللجنة أو رئيس فريق أو منسق مجموعة أو ثلث أعضاء اللجنة، أن تقوم بمهام استطلاعية مؤقتة حول واقع نشاط مرفق من المرافق العمومية التابعة لإدارات الدولة أو مؤسسة عمومية أو مقاولة عمومية أو أي شخص اعتباري من أشخاص القانون العام، على أن يكون المرفق العمومي موضوع المهمة الاستطلاعية مندرجا ضمن اختصاصات اللجنة الدائمة المعنية، وتعتبر المهام الاستطلاعية المذكورة مهام إخبارية ومؤقتة بطبيعتها، ويتعين الحصول على الموافقة المسبقة لمكتب المجلس والتنسيق مع الحكومة قبل الشروع في القيام بها».
وبخصوص عدد أعضاء المهمة الاستطلاعية، فإن النظام الداخلي لمجلس المستشارين، أعطى للجنة الدائمة المعنية تحديد العدد الأقصى لأعضاء المهمة بتشاور مع مكتب المجلس، ويراعي في ذلك طبيعة الموضوع، والمكان الذي ستجرى به، والمدة الزمنية المقترحة للإنجاز، والميزانية المتوقعة للمهمة، على أن تمثل جميع الفرق والمجموعات البرلمانية في المهام الاستطلاعية المؤقتة إذا كان عدد الأعضاء المكلفين بها يساوي عدد الفرق والمجموعات البرلمانية.
أما المدة الزمنية الأقصى لإنجاز المهام، فتم التنصيص على أنه لا يمكن أن « يزيد عن ثلاثين يوما خلال الدورات، وستين يوما في الفترات الفاصلة بين الدورات».
تقارير وصلت للجلسة العامة من أصل 29
خلال الولاية السابقة تم تقديم ما يقارب 29 طلبا للمهمات الاستطلاعية المؤقتة للجان الدائمة، تنوعت مواضيعها، حسب تقرير لمجلس النواب يهم عمال اللجان الدائمة، غير أن الحصيلة كانت تقديم أربعة تقارير فقط على مستوى الجلسة العامة بمجلس النواب، ويتعلق الأمر بالمهمة المتعلقة بزيارة بعض قنصليات المملكة المغربية بالخارج، والمهمة المتعلقة بتحديد أسعار البيع للعموم وحقيقة وشروط المنافسة بقطاع المحروقات بعد قرار تحرير الأسعار، والمهمة المتعلقة بالوقوف على وضعية كل من السجن المحلي عين السبع وسجن مول البركي آسفي وسجن تولال 1 بمكناس، وتقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول وضعية المركز الوطني والمركز الجهوي لتحاقن الدم بالرباط ومصالح تحاقن الدم بالمركز الاستشفائي الجامعي والمستشفى الجهوي بفاس.
ووفق حصيلة الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان خلال الولاية التشريعية العاشرة (2016ـ 2021)، فإن ثماني مهام استطلاعية مؤقتة تم إنجازها، ولم يتسن استكمال مسطرة دراسة تقاريرها وعرضها على الجلسة العامة، بينما 10 مهام استطلاعية ظلت قيد الإنجاز ولم يتسن تقديم ومناقشة تقاريرها على مستوى اللجان المعنية.
يذكر أن المهمة الاستطلاعية بالبرلمان انطلقت سنة 2004، وذلك بعدما تبين أنه أحيانا تتم مناقشة موضوع ما داخل اللجان الدائمة ولا يتم تقديم كافة الأجوبة، فتم التفكير فيها آلية للرقابة.
وقد كان لبعض المهام الاستطلاعية الأثر على السياسة العمومية، كما هو الشأن بالنسبة للمهمة الاستطلاعية المؤقتة حول «عمل مديرية الأدوية ووضعها المالي والإداري وعلاقتها بشركات صناعة الأدوية»، والتي كان من نتائجها تخفيض ثمن عدد من الأدوية والمستلزمات الطبية.