الإجراءات والمساطر التي هي من النظام العام جاءت لحماية الطرف الضعيف في منظومة الشغل. 2/1 بقلم: محمد القوص * إن العدالة الإجرائية هي سلوك مساطر قانونية شفافة وواضحة، تتحقق من خلالها المحاكمة العادلة وتدعم ثقة المتقاضين بهاته الإجراءات نصا وممارسة، سواء قبل مرحلة التقاضي أو أثناءها أو خلال مرحلة تنفيذ الأحكام القضائية، التي هي عنوان الحقيقة، متى كانت نهائية وحائزة لحجية وقوة الشيء المقضي به. ولا يقف الأمر عند حد سلوك هاته المساطر، بل ينبغي على الأطراف المعنية بها العلم أو الإعلام بمضمونها عن طريق تبليغها أو عن طريق تجسيدها وتطبيقها من قبل من أسند لهم المشرع هذا الاختصاص وبالتالي إدارة النزاع بشكل يضمن الحضورية والواجهية بين الأطراف تمكنهم من متابعة مساطر التقاضي وضمان حقهم في الدفاع وبسط أوجه دفوعهم ومناقشتها. يرتبط حق الشغل في هذا النطاق ارتباطا وثيقا بمفهوم العدالة الإجرائية ليس في بعده الفلسفي ولكن في بعده التشريعي والتطبيقي، وعلى اعتبار أن الحق في الشغل من مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتضمنه المواثيق الدولية والقوانين والدساتير المقارنة، كما أنه من شأن العدالة الإجرائية والمراقبة القضائية الاستباقية لمدى تطبيق نصوص القانون عودة التوازن في العلاقة بين الأجير ورب العمل وحماية الطرف الضعيف في هاته المعادلة، ومنح الفرصة للأجير للدفاع عن نفسه أثناء جلسة الاستماع، وأن لا ينفرد رب العمل باتخاذ القرار بشكل تعسفي دون الاستماع لدفوعات الأجير وفق المساطر المنصوص عليها. وفي سياق هذا الموضوع نستحضر في هذا الإطار تطبيقات مقتضيات المادة 62 من قانون رقم 99/65 بمثابة مدونة الشغل نموذجا لمضمون العدالة الإجرائية ودور المفوض القضائي في تحقيق هاته العدالة والتأصيل القانوني والفقهي لذلك وموقف العمل والاجتهاد القضائي منه، حيث جاء في القرار رقم 1/436 والصادر عن محكمة النقض بتاريخ 19/03/2019 ملف اجتماعي عدد2018/1/5/1048 "حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أن المشرع إن كان قد أوجب توفير فرصة الدفاع للأجير عن نفسه ضد ما نسب اليه من أخطاء جسيمة من خلال المادة 62 من مدونة الشغل فإنه كان حريصا على أن يكون محضر الاستماع داخل المقاولة، ولم يسمح بحضورها إلا للشخص الذي يؤازر الأجير شريطة أن يكون مندوبا للأجراء أو ممثلا نقابيا أو من ضمن أجراء المقاولة، مستبعدا تدخل أي أجنبي عن علاقة الشغل في انجاز هذه المسطرة. وقد تبين أن الطاعنة سمحت للمفوض القضائي بحضور جلسة الاستماع والتوقيع عليه وكأنه طرف في المسطرة وهو ما يعد تجاوزا لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل وأن المحكمة بعدم جوابها عن هذا الدفع تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا مما يعرضه للنقض". ومن خلال القراءة المتأنية لهذا القرار نطرح الإشكال التالي: < هل جاء هذا القرار مصادفا للصواب؟ < وهل منطوقه حقق العدالة الإجرائية؟ وللإجابة عن ذلك سنحاول ملامسة الحقيقة من خلال النقاط التالية: > المقاربة التشريعية والقضائية للإشكال. فبالرجوع لمقتضيات المادة 62 من قانون 99/65 بمثابة مدونة الشغل نجد أنها تنص على أنه "يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع اليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه رب العمل ارتكاب الأجير الفعل المنسوب إليه. يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة يوقعه الطرفان ويسلم نسخة منه الى الأجير. إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل "، كما أن المادة 63 من القانون نفسه تلزم رب العمل تسليم مقرر العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 أو مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ القرار. ومن خلال هاته المقتضيات الواردة في المواد 62-63 يمكن القول إن مسطرة الاستماع للأجير تمر عبر ثلاث مراحل أساسية. مرحلة استدعاء الأجير لجلسة الاستماع داخل أجل 8 أيام من التاريخ الذي يتبين فيه لرب العمل الفعل المنسوب للأجير، وهذا الاستدعاء يجب أن يتضمن طبيعة الفعل المرتكب وإشعار الأجير بحقه في الاستعانة بمن تم التنصيص عليهم في المادة 62 ومكان وساعة انعقاد جلسة الاستماع وبطبيعة الحال المكان الذي يزاول فيه الأجير عمله أو المركز الاجتماعي للشركة أو المقاولة. - مرحلة انعقاد جلسة الاستماع بالشكل السالف الذكر. - مرحلة تبليغ المقرر التأديبي داخل أجل 48 ساعة. فهاته الإجراءات والمساطر التي هي من النظام العام جاءت لحماية الطرف الضعيف في منظومة الشغل، وهو الأجير على اعتبار أيضا أن حق الشغل هو حق دستوري ينبغي تنزيله بالشكل السليم الذي يضمن الأمن الاجتماعي في إطار عدالة إجرائية وتحت الرقابة القضائية، وهذا ما جاء في قرار محكمة النقض رقم 2006 ملف عدد 1783/5/1/2010 والتزاما بمضمون المادة 7 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 158 لسنة 1982 المؤطرة لحالة انهاء عقد الشغل بمبادرة من رب العمل، والرقابة القضائية هي ذات طبيعة بعدية أي بعد عرض النزاع على الجهة القضائية المختصة، ومن ثم يثار التساؤل حول من يضمن صحة وسلامة هاته الإجراءات قبل مرحلة التقاضي، خصوصا أن المادة 62 تتضمن إجراءات في غاية الأهمية. ومنطقيا وجوابا عن التساؤل المطروح يبقى المفوض القضائي وبصفته هاته المؤهل مهنيا لضمان سلامة وشفافية تطبيق مقتضيات المادة 62 كعمل استباقي يجد تأصيله القانوني في المادة 15 من قانون 03/81 الذي يسمح للمفوض القضائي بالقيام بمعاينات موضوعية ومجردة، سواء بناء على أمر قضائي في إطار المادة 148 من ق م م أو بناء على طلب مباشر من قبل من له المصلحة والصفة (خصوصا أن المحضر المنجز من طرف المفوض القضائي يعتبر محررا رسميا وحجة على الوقائع التي يشهد بها ....) حسب ما أقره العمل القضائي في الحكم عدد 1717 الصادر عن المحكمة الابتدائية بفاس بتاريخ 03/05/2021 ملف مدني عدد 423/1303/2021، كما أن عدم احترام الإجراءات المنصوص عليها في المادة 62 يترتب عنه القول بوجود طرد تعسفي، وهو ما أشار إليه القرار الصادر عن محكمة النقض تحت عدد 2006 ملف رقم 1783/5/1/2010 المشار إليه سابقا. * مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس