الصحة “عيانة” في حكومتي “بيجيدي”

الوسيط يرصد تفاوتا مجاليا وضعفا في الميزانية وقلة الموارد البشرية وأزمة حكامة في التدبير أعد الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان تقريرا حول رصد وتقييم السياسة الصحية خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين اللتين قادهما حزب العدالة والتنمية، برئاسة كل من عبد الإله بنكيران، وسعد الدين العثماني. وحرص معدو التقرير على تشخيص وضعية الصحة في جميع المستويات، وتقديم توصيات للنهوض بالخدمة العمومية. إعداد: برحو بوزياني التزمت الحكومة (2012-2016)، بتجويد القطاع وتحسين الاستقبال وتوفير الخدمات الصحية اللازمة للعموم بشكل عادل يضمن الولوج المتكافئ إلى الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين ظروف وجودة الاستقبال بالمرافق الصحية . أما البرنامج الحكومي 2017-2021 ، فقد اختار التركيز على البنيات التحتية بشكل أكبر بالالتزام بـإطلاق برنامج وطني لتأهيل البنيات الاستشفائية والتجهيزات والمعدات والموارد الصحية مركزيا وترابيا، خاصة بالوسط القروي، وتقوية برنامج الصحة المتنقلة بالعالم القروي وتفعيل مقتضيات الخريطة الصحية. وبخصوص البنية التحتية الصحية، أكد التقرير أن ثماني جهات تتوفر على مستشفى واحد لكل جهة، في حين تتوفر جهتان على مستشفيين لكل جهة، وجهتان على ثلاثة مستشفيات، وهو ما يعكس تفاوتا مجاليا بين الجهات في عدد الوحدات الاستشفائية. تفاوت مجالي رغم التفاوت المجالي في البنيات الصحية الناتج عن التقسيم الإداري الجديد ، فإنه لم يتم العمل على تدارك ذلك، بجعل العرض الصحي على مستوى البنية التحتية يساير المتغيرات الإدارية التي يفرضها بالضرورة تغير في البنية الديمغرافية للجهات. ويبدو الخصاص واضحا في الجهات الكبرى، التي يرتفع عدد سكانها، إّذ تمثل ثلاث جهات ثلث سكان البلاد، بينما لا تتوفر سوى على ثلاثة مستشفيات جهوية، وباستثناء ثلاث جهات تتوفر فيها مستشفيات إقليمية أكثر من عدد أقاليمها، وجهة واحدة يعادل عدد أقاليمها عدد مستشفياتها، فإن باقي الجهات تسجل عجزا يتراوح بين واحد و اثنين، وهي أقاليم تنعدم فيها الوحدات الصحية المعنية، ويفرض فيها على المواطنين التوجه نحو الأقاليم أو الجهات المجاورة. كما لا تتوفر جهات المغرب بالوسط القروي، تحديدا، على عدد كاف من المؤسسات الصحية الأولية، عكس الوضعية القائمة بالوسط الحضري، إذ يبدو أن عدد الوحدات الصحية الأولية بالوسط القروي، على المستوى الكمي، لا يستجيب للمعيار الدولي وتكشف وضعية توزيع الأطباء بين الجهات عن سمتين بارزتين، هما التباين واللاعدالة المجالية، والتفاوت الكبير بين الجهات من حيث عدد السكان. ثلث الأطباء بين البيضاء والقنيطرة يتمركز أكثر من ثلث الأطباء في جهتي البيضاء سطات والرباط سلا القنيطرة، وبإضافة جهتي مراكش آسفي وفاس مكناس، تستحوذ أربع جهات بالمملكة على 7601 طبيب، أي بنسبة 67,86 ٪ من العدد الإجمالي. ويسجل على المستوى الحضري والقروي تفاوت يزيد عن الضعف، بكل من جهتي البيضاء سطات والرباط سلا القنيطرة، وقد يرتفع ليبلغ الضعفين في جهة العيون الساقية الحمراء. وتكشف التغطية الطبية وشبه الطبية بالنسبة لعدد السكان عن معدل وطني يصل إلى 3,18 أطباء لكل 10 آلاف شخص، وإلى 8,82 ممرضات وممرضة لكل 10آلاف شخص. أما على المستوى الترابي، فإن عددا من الجهات توجد تحت المعدل الوطني . نقص في البنيات يبدو النقص الحاصل في البنيات الصحية التي تقدم خدمات متخصصة واضحا، وحتى في حالة توفرها تخضع لتوزيع غير عادل، يكشف عن تمركزها بجهات محددة، ومتاخمة لبعضها مثل جهة طنجة تطوان الحسيمة، وهي الجهة الوحيدة التي تتوفر فيها جميع البنيات، والجهة الشرقية وجهة فاس مكناس. في حين، لا تتوفر الجهات الثلاث للمنطقة الجنوبية الشاسعة والمتاخمة لبعضها، سوى على وحدتين لتقويم العظام من مجموع أنواع المؤسسات الطبية الاجتماعية العمومية، كما لا تتوفر على وحدات متخصصة في الأمراض العقلية والنفسية وعلاج داء السرطان . ويصبح التفاوت المجالي في المؤسسات الصحية المتخصصة أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بتخصص علاج داء السرطان، إذ تستحوذ خمس جهات فقط على المراكز السبعة المتوفرة، بل إن أربعة منها تتوطن في جهتين فقط هما جهة طنجة تطوان الحسيمة وجهة فاس مكناس. وكشف مؤشر عدد الفحوصات لكل 10آلاف شخص عن جانب آخر من جوانب الضعف التي تسم الولوج إلى الخدمات العلاجية، عموما، وعلى المستوى الترابي، بشكل خاص، إذ لا يستفيد الفرد سنويا سوى مما يناهز 0,65 فحص طبي، و0,83 فحص شبه طبي. ضعف الاستعجالات يتسم عرض العلاجات الاستعجالية بالضعف، وهو أمر تؤكده وزارة الصحة نفسها، إذ سلمت بأن عرض العلاجات الطبية الاستعجالية يعاني نقاط ضعف كثيرة، منها النقص في الموارد البشرية في مختلف أصناف الخدمات الاستعجالية، وبأن العديد من وحدات المستعجلات الطبية للقرب التي تم إحداثها وتجهيزها بالمعدات الضرورية للتكفل بالحالات المستعجلة، لم يتم تشغيلها بسبب نقص في الموارد البشرية، وهو أمر يطول، أيضا، حسب وزارة الصحة، مصالح المستعجلات الاستشفائية، إذ تعاني هي الأخرى محدودية الموارد البشرية، إضافة إلى تقادم البنايات الصحية. ثغرات في الدواء رغم التقدم المنجز في مجال التشريع الدوائي المغربي، فإن وضعية الحصول على الدواء ما تزال تعرف مجموعة من النواقص والثغرات ذات الطبيعة القانونية والتنظيمية، تهم تعقد المساطر وتوزعها بين المتدخلين بشكل ينتج عنه تقلص العرض الدوائي لتقلص هامش المنافسة بين المهنيين، ما يؤثر على أسعار الدواء. وشهد الإنفاق الإجمالي على الأدوية والمنتجات الصيدلية سنويا تطورا ملحوظا؛ فبعدما لم يتجاوز 650 مليون درهم في 2002، وصل إلى 2 مليار درهم برسم ميزانية 2018، وارتفع إلى 2,5 برسم ميزانية 2020. وتم إرجاع هذا التطور إلى إدراج وتفعيل نظام التغطية الصحية الأساسية سنة 2006، وتعميم نظام المساعدة الطبية ابتداء من 2012. وحتى 2018، فإن العدد الإجمالي للمؤمنين، وصل إلى 24,4 مليون شخص، وهذا بإضافة المستفيدين من الأنظمة الأخرى في القطاع العام إلى المستفيدين في إطار نظامي التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (ما يناهز 10,1 ملايين شخص) والمساعدة الطبية (ما يناهز 12,8 مليون شخص). وبناء على المعطيات الرقمية فإن حوالي 31 ٪ من السكان لا يستفيدون من التأمين الصحي، وما يعنيه ذلك من معاناة هذه الفئة في الولوج إلى الأدوية. ميزانية ضعيفة رغم ما يلاحظ من تطور، فإن ميزانية الصحة لم تتجاوز ما يناهز 5,89 ٪، من الميزانية العامة، إذ لا يتعدى نصيب الفرد من إجمالي نفقات وزارة الصحة 561 درهما. كما لم تتجاوز النفقات الصحية من إجمالي نفقات الميزانية العامة للدولة 6,5 ٪، بينما المعدل المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية هو 10 ٪ على الأقل. وتعتبر نسبة الإنفاق الصحي الكارثي من بين مؤشرات النتائج، فهو يساعد على قياس مدى تأثير البرامج والتدخلات الحكومية على الوضع الصحي، وحجم هذه التدخلات ومستوى الحماية المالية؛ لارتباطه بدينامية التمويل العام للصحة، ونسبة كل من التدفقات المالية العمومية وتلك التي تتأتى من الأسر والأفراد من هذا التمويل، كما أنه يعكس الوجه الآخر لنسبة نصيب الفرد من النفقات العمومية في مجال الصحة، وكذلك نسبة نصيبه من الناتج الداخلي الخام لبلده. إنفاق دون المستوى يعتبر المغرب ضمن فئة الدول التي تفوق فيها مساهمة الأسر في إجمالي الإنفاق الصحي 40 ٪، حيث لا يتجاوز الإنفاق العمومي المخصص لقطاع الصحة 5,7 ٪ من الناتج الداخلي الخام، و لا تشكل الميزانية القطاعية للصحة سوى 5,89 ٪ من الميزانية العامة للدولة، ويتحدد نصيب الفرد من نفقات ميزانية الصحة حوالي 561 درهما في السنة، وهي المؤشرات التي تؤكد سقوط العديد من الأسر والأفراد في وضعية الإنفاق الكارثي على الصحة. وحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن التنظيم التدبيري للمنظومة الصحية ما يزال يتسم بمركزية القرار، سواء على المستوى الإستراتيجي، أو التدبير الإجرائي الترابي، فالمصالح المركزية تتولى مهام التسيير المالي وتدبير البنيات التحتية والموارد البشرية واقتناء التجهيزات والمعدات والأدوية، وهو ما لا ينسجم مع المقتضيات الإلزامية للميثاق الوطني المرجعي للاتمركز الإداري الذي حدد قواعد التنظيم الإداري للمصالح اللاممركزة للدولة، وقواعد توزيع الاختصاص بين الإدارات المركزية وهذه المصالح، كما أطر علاقة المصالح اللاممركزة للدولة على مستوى الجهة والعمالة والإقليم، بالمؤسسات العمومية. قصور في التدبير تم رصد غياب أي تقييم لجودة العلاجات والخدمات المقدمة في بعض المستشفيات. كما تم رصد نقائص على مستوى تتبع مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية، وعلى مستوى تتبع استعمال الأدوية، في مخالفة لمقتضيات النظام الداخلي للمستشفيات التي تنص على أن الصيدلية الاستشفائية تقوم بمراقبة الأدوية والأجهزة الطبية بالمستشفى، وتتبع مسار الأدوية والأجهزة الطبية وضمان الرقابة على حسن استعمالها وتتبع وتقييم الاستهلاك. كما يشكل تدبير الموارد البشرية أحد أوجه القصور العميقة التي تعتري المنظومة الصحية، وهي إشكالية تطول جانب العرض الصحي ومستوى الوفرة في الـتأطير الطبي وشبه الطبي، كما تطول جانب الحكامة في تدبير الموارد البشرية. توصيات خلص التقرير إلى اقتراح توصيات من أجل تدارك التفاوت المجالي، من خلال إعمال الخريطة الصحية وإعداد التصاميم الجهوية للعلاجات، انطلاقا من تقييم الطلب الصحي على أساس المعطيات الديمغرافية لكل مجال ترابي، والالتزام بالمعيار الوطني الذي يفترض وجود سكان لا يقل عددهم عن 200 ألف نسمة لإنشاء الوحدات الصحية الإقليمية، وتأهيل البنيات التحتية والتجهيزات الصحية القائمة، وتعزيز خدمات الصحة الأولية، وإنشاء مراكز صحية نموذجية لتطوير طب الأسرة، وتدارك الخصاص في البنيات التحتية الصحية الأولية بالوسط الحضري، في أفق الاقتراب من المعيار الدولي القاضي بتوفير مؤسسة صحية لكل 10 آلاف شخص. تدارك النقص أوصى المرصد باتخاذ التدابير اللازمة والمستعجلة لتدارك النقص الحاصل في الموارد البشرية الطبية وشبه الطبية على أساس معيار التغطية والكفاية بالنسبة للفرد بشكل يحاول الاقتراب من المعدل العالمي القاضي بتخصيص 1,57 طبيب و3,82 ممرضات وممرضين لكل 1000 شخص، مع تدارك التفاوت المسجل بشأن وضعية توزيع الأطباء والممرضات والممرضين بين المجالات الترابية، بما يحد من وضعية اللاعدالة المجالية، وتسريع وضع نظام لتدبير وضعية التفاوت المجالي في توزيع وانتشار مهنيي الصحة يقوم على التحفيز الإيجابي وعلى إجبارية الخدمة بالمناطق النائية. رفع الاستثمار كما طالب المرصد برفع مستوى الاستثمار في الصحة، وتمويل المنظومة الصحية من منظور أنها قطاع إنتاجي وليس قطاعا اجتماعيا، وتعبئة الاستثمارات وموارد تمويل الصحة باتجاه الانتقال من منظومة للصحة العلاجية إلى منظومة للصحة الوقائية والاستثمار الأمثل فيها، وزيادة الإنفاق العام على الصحة، وذلك بالرفع من ميزانية قطاع الصحة لتصل إلى 10٪ على الأقل من الميزانية العامة كما توصي بذلك المنظمة العالمية للصحة. مدونة الدواء دعا المرصد كذلك إلى إصدار مدونة للتشريع الدوائي تضم مختلف النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالدواء وبإمكانية الوصول إليه، وتشكل جزءا لا يتجزأ من مدونة عامة للصحة، وإرساء سياسة دوائية وطنية في إطار تصور شامل للسياسة الصحية، انطلاقا من رصد دقيق للحاجيات الدوائية والمشكلات ذات الصلة بمختلف المسالك المرتبطة بالدواء، وتعزيز سياسة الدولة في مجال الأدوية الجنيسة بوضع إطار قانوني مناسب، متجانس، وشامل لمختلف المقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالدواء الجنيس.

الصحة “عيانة” في حكومتي “بيجيدي”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التهاب كبدي غامض يهدد الأطفال

شراكة جماعية للتعاضد الصحي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات