انتهت الولاية الأولى من عمر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومرت أربعة أشهر على انطلاق الولاية الثانية، دون أن يكتب لعدد من القوانين المرتبطة به الخروج إلى حيز التطبيق. قوانين تتنقل بين رفوف الأمانة العامة للحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين، وقد تصل إلى المحكمة الدستورية لتعاد "الدورة" من جديد، ما يؤثر بشكل سلبي على استقلال السلطة القضائية، التي لا تتوقف القوانين الخاصة بها على القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والقانون الأساسي للقضاة. ما يعيق استقلال السلطة هو استمرار العمل بمناشير في غياب نصوص قانونية كما هو الشأن بالنسبة إلى تعيين قضاة التحقيق وقضاة الأحداث والتوثيق وتعيين رؤساء الأقسام، إذ يقوم المجلس بتعيينهم دون نص قانوني، معتمدا على مناشير لا ترقى إلى حجية القوانين، والشيء نفسه بالنسبة إلى عدد ومن الأمور التي مازالت عالقة، والتي تتطلب العمل بشكل جدي على إخراجها. خلال العشرية الأخيرة حطمت القوانين خاصة القانون الجنائي، والمسطرة الجنائية والتنظيم القضائي والمسطرة المدنية، أرقاما قياسية في التعديلات التي أدخلت عليها، سواء قبل دستور 2011، لما كان يومئذ عبد الواحد الراضي وزيرا للعدل، وتضمنت ساعتها 12 مشروعا، ليأتي بعده المرحوم محمد الطيب الناصري، الذي تمكن من إخراج النظام الأساسي لكتابة الضبط وقطع أشواطا مهمة في مشاريع القوانين التي كانت تتطلب تعديلات، غير أن كل ذلك ذهب إلى سلة المهملات خاصة بعد دستور 2011، وتعيين مصطفى الرميد في حكومة الاسلاميين، إذ أعيدت كل القوانين إلى نقطة الصفر، بعد أن أطلق ساعتها الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، خاصة أن نص الدستور على استقلال السلطة القضائية. حوار استمر أزيد من أربعة عشر شهرا وخرج بميثاق وطني رفعت توصياته إلى الملك الذي صادق عليها، وهي توصيات لا يعرف مصيرها، خاصة في شأن بعض المهن القضائية والنصوص التشريعية، التي وضع فيها الرميد بصمته، على غرار سابقيه، فكل وزير يضع قدميه في وزارة العدل، لا يؤمن بفكرة التراكم والمؤسسات. ورغم كل ما صرف من أموال باهظة على الحوار وخرجاته، إلا انها بقيت حبرا على ورق، في هدر فعلي للزمن ودون تحقيق أي تقدم ملموس بشأنها. وبعد عهد الرميد جاء محمد أوجار الذي سار على المنوال نفسه وفي إطار التعديل الحكومي حل محمد بنعبد القادر محله ، بتجربته في الإدارة والوظيفة العمومية، ودخل هو الآخر في التنافس في شأن تلك المشاريع وقدم مقترحاته، ولكن لا شيء منها خرج إلى الوجود. ومن غرائب الصدف أن عبد اللطيف وهبي وزير العدل الحالي، نهج أسلوب سلفه الرميد في الرجوع إلى نقطة الصفر في العديد من المشاريع التي سحبها من البرلمان، ليعيد النظر فيها كما هو الشأن بالنسبة إلى القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، والشيء نفسه بالنسبة إلى المسطرة المدنية التي أعلن اخيرا عن مسودة منها لا علاقة لها بالتي وضعها بنعبد القادر، ما يؤكد بالفعل أن الأزمة التي تعانيها لا تتعلق بالنصوص، بقدر ماهي أزمة عقليات لا تؤمن بالفكر التشاركي في العمل، والذي يدفع ثمن ذلك هو الوطن. كريمة مصلي