علاقة متوترة بالحكم المريني

الصوفية...الطبعة المغربية (الأخيرة) واجه المتصوفة والفقهاء بالمدن والبوادي مدنا المصطفى الرايس، الأستاذ الباحث في التاريخ، بنسخة من منجزه الجديد حول الإرهاصات الأولى لظهور النسخة المغربية من التصوف الديني، تختلف في خصائصها عن المشارب الأخرى التي ظهرت في الشرق وتطورت في الأندلس ما بعد الفتح الإسلامي. وقدم الباحث معطيات تنشر للمرة الأولى عن الصراعات السياسية والاجتماعية وحالة التخبط واللاأمن الروحي التي كان يعيش فيها المغاربة خلال حكم الدولة المريينية، وكيف شكل التصوف حالة من النجاة والانعتاق والأمل لفئات كبيرة من المجتمع. يوسف الساكت معلوم أن وصول المرينيين إلى الحكم يختلف في كثير من جوانبه عن وصول باقي العصبيات المغربية الكبرى إليه. وتتجلى مظاهر هذا الاختلاف في عدة مستويات، منها أن تقلدهم الحكم كان خارج دعوة خاصة بهم بالمفهوم الخلدوني للدعوة مقوما أساسيا لنجاح أي عصبية في الظفر بالحكم والاستمرار فيه. وظل المرينيون يشتكون معضلة بنيوية في ممارسة الحكم، هي معضلة الهوية التاريخية التي مثلت أحد هواجس الحكم المريني. ووجدت الدولة المرينية نفسها أمام قوتين دينيتين اجتماعيتين أساسيتين، كان لابد من أخذ كل منهما بعين الاعتبار، هناك الفقهاء بالمدن والبوادي من جهة، والمتصوفة من جهة ثانية. وكان على المرينيين أن يحاوروا كلا من الطرفين طبقا لمصالحهم الخاصة. بالنسبة إلى الفقهاء، فإن المرينيين استعانوا بهم في إقامة المدارس وترجمة سياستهم التعليمية الجديدة إلى واقع، ثم استطاعوا بفضل سياسة الرواتب أن يستميلوا هذه الفئة، فلم يكتفوا بأن يجعلوا منها أداة من أدوات التأطير والتكوين والتمركز، وإنما اختاروا لها أن تساندهم أحيانا في عمليات التوسع والإشعاع. وأكبر دليل على هذا الحملة المشهورة التي قادها أبو الحسن المريني في 748 هجرية ضد بلاد الحفصيين لم تكن مجرد حملة عسكرية وإنما كانت حملة دينية فقهية شارك فيها أشهر علماء المالكية بالمغربين الأوسط والأقصى. وأما المتصوفة فقد اتخذوا من الحكم المريني موقفا آخر يختلف عن موقف الفقهاء في الحكم نفسه، ذلك لأن الأمر يتعلق بقوم ذوي مواقف معروفة من الدولة ورجال الدولة. وهذه المواقف تتلخص في الانزواء أو الابتعاد والمقاطعة إلا عند الضرورة وفي بعض الظروف الاستثنائية كظروف الجهاد بالأندلس. وبالتالي توظيف وزنها الاجتماعي لقطع الطريق على القوى الصوفية المعارضة للحكم المريني قصد إضعاف نفوذها بشكل أو بآخر. وتكاد تشكل طريقة وصول السلطان أبي عنان إلى الحكم استثناء في تاريخ الدولة المرينية، إذ وسم الانقلاب على أبيه مجمل تفاصيل حكم الابن الذي وجد نفسه على مستوى الداخل في حاجة إلى ما يغلف حكمه بالمشروعية السياسية. ويمكن أن نضع في هذا الإطار رغبة السلطان الملحة في الاتصال بالمتصوف أحمد بن عاشر قصد الحصول على تزكية تضفي طابع المشروعية على حكم ظل فاقدا لها، سيما أن محاولة تقرب أبي عنان من متصوفة المدن وعلى رأسهم ابن عاشر كان نابعا من قناعته بحقيقة اكتساح رجال التصوف لنسيج المجتمع المغربي في البوادي والحواضر، رغم استمرار هذا السلطان في نهج استراتيجية دعم الشرفاء لكسبهم والحد من نفوذ المتصوفة . أما موقف ابن عاشر من الحكم المريني، فهو الموقف نفسه المحذر من مغبة الانغماس في تبعية رجال الدولة ومجاراتهم في أمورهم وتوجيه النصح لهم إن اقتدت الضرورة إلى ذلك. ولعل من المفيد أن نشير إلى رسالة النصح الجوابية التي بعث بها الولي الصالح أحمد بن عاشر إلى السلطان أبي عنان، منبها إياه إلى موقفه المبدئي بقوله: "فلتعلم أني قصدت بنصيحتي لك وجه الله العظيم خاصة فإنني لا أطمع في مخلوق أن يكسبه مالا ولا جاها لاكتفائي بمولاي جل جلاله وتقدست أسماؤه".

علاقة متوترة بالحكم المريني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محكمة مولاي التهامي

حل جيش التحرير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات