fbpx
بانوراما

مغاربة في جحيم “داعش” … يتـامى الـخـلافـة

مغاربة في جحيم “داعش” (الحلقة الأخيرة)

عائلات تناشد السلطات إعادة الأطفال الموجودين في بؤر التوتر
سقطت الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وظل مئات المغاربة عالقين تحت ركامها، الرجال في السجون، والأطفال والنساء في المخيمات. وقبل أشهر أكدت لجنة المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر، وجود 400 قاصر مغربي بمخيمات سوريا، 80 بالمائة منهم دون 12 سنة. وتجري في الكواليس دراسة كيفية إجلاء هذه الفئة التي تجرعت طعم المعاناة الحقيقية، بعد سقوط “داعش”.في هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية، تنقل “الصباح” الواقع المرير الذي يعانيه المغاربة العالقون في جحيم “داعش”، على لسان أسرهم بالمغرب، التي ذاقت من كأس المرارة بدورها، وتنتظر بشرى الإجلاء من الحكومة، مهما كانت العقوبات.

عصام الناصيري

يولد الكثير من الأطفال عبر العالم في المكان والزمان الخاطئين، ويتحملون وزر اختيارات من جاؤوا بهم إلى الحياة٬ التي يخوضون فيها مآسي بدرجات مختلفة، وعقوبات مجانية دون ارتكاب أي جرم. ولعل يتامى دولة الخلافة، الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم، في ساحة الحرب، أحد المحكوم عليهم بطفولة تعيسة٬ مطبوعة بمشاهد الموت والاحتضار، وبلون الدم ورائحة البارو، ورؤية العالم من نافذة المخيمات والسجون.
في أقل من أسبوع٬ ستجد طفلة ذات عام ونصف العام٬ ورضيع ذو ثلاثة أشهر٬ أنفسهم وسط بؤرة حرب٬ بعدما كانا يقضيان أوقاتا ممتعة، رفقة أسرة ممتدة، في إحدى المدن الفرنسية، وإذا كان من الصعب على الطفلين فهم التحول الجذر، الذي طرأ على حياته، فإن أبويهما كانا على علم بما سيحل بهما، في دولة الخلافة، لكن إيمانهما بمشروعها أعمى بصيرتهما، وتركا حياة الترف خلفهما.
ليلة موعد الرحيل، اجتمع “م”، وهو شاب في عقده الثالث، على طاولة العشاء، بمنزل أسرته في فرنسا، بحضور زوجته وطفليه، وهو بمثابة العشاء الأخير٬ قبل العودة للاستقرار بالمغرب، الأمر الذي نال استحسان والدته وأخته وباقي أفراد الأسر، غير أن الأمر برمته كان مجرد خدعة ألفها الزوجان، لتسهيل التحاقهما بساحة الحرب في سوريا، ليبدأ فصل جديد من حياتهما، عنوانه وطن غريب وقبر مجهول.
في بداية الأمر لم تصدق أسرة “م”، أنه أخذ رفقته زوجته وطفلين إلى ساحة الحرب، وكانت صدمتها كبيرة جدا، خاصة أن الزوجين تركا جميع أغراضهما في فرنسا، كما لو أنهما سيعودان في يوم ما. كانا يتواصلان مع الأسرة بين الفينة والأخرى، دون الخوض في تفاصيل حياة “داعش”.
تقول نادية وهي شقيقة “م” الصغرى، إن مسألة التحاقهما كانت كابوسا لا يصدق، إذ كيف لشخص مثل أخيها، يعيش في دولة تحترم الحقوق والحريات، ونال حظه من حياة الرخاء، أن يحمل فلذات كبده إلى وجهة مجهولة.
التحقت أسرة “م” بـ “داعش” في 2015، ولم يمر على وصولهما سوى سنة واحدة، حتى توفي الزوج في الحرب.
تقول نادية إن زوجة أخيها، اكتفت بإخبار الأسرة بنبأ الوفاة، ولم تخض في التفاصيل، ومنذ ذلك الحين قلت اتصالاتها ورسائلها، وكانت تطمئن أسرة زوجها على أحوال الأطفال، مرة كل ثلاثة أشهر أو أربعة.
في أواخر 2018، تقول نادية إن أخبار زوجة أخيها انقطعت، وكانت تستبعد فرضية وفاتها. وفي 2021 سيرد عليها اتصال يخبرها بوفاة زوجة أخيها، وأنها تركت ثلاثة أطفال، وسلمتهم إلى إحدى صديقاتها وأوصتها بهم. كان أمل نادية كبيرا لدرجة أنها لم تصدق ما جاء في الاتصال، وظلت تبحث، إلى أن التقت إحدى الصحفيات، التي كانت تتوفر على معطيات دقيقة عن الأطفال، الذين توفيت أمهم في 2019.
تقول نادية إنها علمت في ما بعد، أن صديقة زوجة أخيها، هربت الأطفال في طريق صحراوية، ومروا بأوقات عصيبة، قبل أن يلقى عليهم القبض، ويودعون في مخيم الهول، لكن الفتاة الصغيرة، التي تركتها الأم وعمرها لا يتجاوز 3 أشهر، كانت مريضة جدا، وتحتم على المرأة المكلفة بالأطفال أن تخرجهم من هناك، لإنقاذ الطفلة.
وأجرت أم الأطفال الجديدة، وبعض النساء مهربا لنقلهم إلى ادلب، وأخذن معهن الأطفال، لكنه غذر بهن وسلمهن للعسكر التابع لنظام بشار الأسد، ليجدن أنفسهن في السجن، وتحكي نادية أن النسوة تهافتن على الأطفال، وكل واحدة قالت هذا طفلي، خوفا عليهم من العسكر.
بعد شهر من السجن، تمكنت الطفلة المريضة من الحصول أخيرا على العلاج، وأطلق سراح الطفلين الآخرين، ووزع الثلاثة على خيريات متفرقة، ويوجدون حاليا في مكان آمن، ويدرسون ويحظون بحياة كريمة نسبيا.

إعادة الأطفال
تناشد نادية السلطات وكل من له يد في إعادة هؤلاء الأطفال، أن يسرعوا العملية، ويصلوا رحم الأسرة بالأطفال، لتعويضهم عن حياة سوريا، وما عاشوه فيها من أهوال، من قبيل رؤية أمهم تلفظ آخر أنفاسها أمام أعينهم.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.