fbpx
حوادث

عنف الملاعب… قنبلة موقوتة

واقعة مباراة الجيش والمغرب الفاسي عرت خطورة عوامل تفسد الفرجة وتهدد الأمن والنظام العامين

«الرياضة أخلاق أو لا تكون»، شعار يتم رفعه من قبل عدة أطراف تجمعها منظومة الرياضة ببلادنا، من لاعبين ومؤطرين ومسيرين ومشجعين وصحافيين وأمنيين واختصاصيين تربويين ونفسيين، باعتبارها ترويضا للنفس وترويحا عنها، لكن الواقع كشف أنها مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي فقط، يتم رفعها للتهرب من تحمل مسؤولية أحداث شغب هزت أحد الملاعب الرياضية خاصة في ما يتعلق بكرة القدم الرياضة الشعبية الأولى.

إنجاز: محمد بها

«واش غانباقاو ديما نهضرو على شغب الملاعب؟ «واش حنا ناقصين صداع باش نزيدو مشاكل مشجعي الكرة الذين لا علاقة لهم بالروح الرياضية؟”، “علاش تشجيع الفرق خرج على التنافس في الإبداع والروح الرياضية لوسيلة لاستعراض العضلات في التخريب والمس بالأمن والنظام العامين؟”، “هل شغب الملاعب سلوك مرضي يحتاج للعلاج النفسي والتأطير التربوي أم وسيلة لتنفيذ أفعال إجرامية لجانحين وذوي سوابق؟”… أسئلة حارقة تتردد في كل مرة تندلع فيها أحداث الفوضى والشغب في مبارياتنا الوطنية، في محاولة للبحث عن أجوبة شافية لوضع مخطط يقود للخلاص من ظاهرة مقلقة دون أن يجد لها الحل الجذري.

ظاهرة معقدة
في محاولة لتشخيص أحداث شغب الملاعب، يتأكد بما لا يدع مجالا للشك، أنها ظاهرة معقدة لتداخل عدة عوامل في انتشارها وسط مجتمعنا المغربي، فمن مسبباتها عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية، وقد تمتزج فيها جميعا ما تفرز جانحا خطيرا يهدد الأمن والنظام العامين، وبل تكون في بعض الأحيان، وليدة أسباب لحظية تتعلق بمناوشات صغيرة أو محاولة للاحتجاج على ضعف النتائج أو عدم تقبل النتيجة وفرحة الجمهور الخصم.
وإذا كانت الرياضة متنفسا لأفراد المجتمع فإن الممارسات التي ترافقها تقلق الأمن وتنزع النوم من جفونهم، كيف لا وهي يمكن أن تصبح قنبلة موقوتة تهدد البشر والحجر في كل وقت وحين، حينما تتحول التظاهرات الرياضية من فضاء للفرجة والمتعة إلى فضاء للخروج عن الضوابط القانونية، بتبني ممارسات تتجاوز المناوشات العادية إلى ارتكاب جرائم خطيرة تتنوع ما بين الضرب والجرح والتخريب وإتلاف ممتلكات الغير أو العامة، بل تصل إلى القتل في العديد من الحالات.
وتكفي العودة إلى عدد من أحداث الشغب التي عرفتها البطولة الوطنية، للوقوف على ممارسات غابت فيها الروح الرياضية لتتحول من تظاهرات رياضية إلى مأساة حقيقية، خلفت وراءها العديد من الضحايا، والخسائر المالية الجسيمة، كما هو الحال، لما يعرف بأحداث الخميس الأسود الذي شهدته مباراة الجيش الملكي والرجاء الرياضي بالبيضاء بعدما خلف الجمهور العسكري فوضى كبيرة وتخريب مروع بشوارع العاصمة الاقتصادية في 2013، وبعدها بسنوات الحرب التي دارت بين أنصار الرجاء فيما بينهم وكذا تعرض مشجع ودادي للقتل إثر مواجهة عنيفة بني أنصار الوداد والرجاء، ومقتل مشجع رجاوي على يد أحد أنصار الفريق العسكري بعد إصابته بحجر في الرأس خلال أحداث الشغب التي شهدتها مباراة الكلاسيكو التي أجريت بالرباط، وكذا الاقتتال بين أنصار الفريق الواحد كما حدث في مباراة تتويج الرجاء بلقب بطل شمال إفريقيا، بعد تحول الجهة المخصصة لجماهير الرجاء والمعروفة بـ»المكانة» إلى ساحة للاقتتال بين أبناء الدار، وهي الوقائع التي تجعل المرء وكبار الباحثين حائرين، كيف لا والأحداث اللا رياضية يتداخل فيها الفقر والبطالة والجهل والمخدرات والحقد الطبقي والمشاكل النفسية.

شغب مباراة الجيش و”الماص”
في الوقت الذي تنفس الجمهور الرياضي بمختلف أنحاء المغرب الصعداء، بعد قرار السلطات الحكومية فتح الملاعب الوطنية أمام الجماهير، أملا في الاستمتاع الكروي المفتقد على مدى عامين بسبب الطوارئ الصحية التي فرضتها التخوفات من عدوى فيروس كورونا القاتل، لم تكتمل الفرحة بعد أن تحول ملعب المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، الأحد الماضي، إلى مسرح لأحداث شغب تسبب فيها محسوبون على جماهير الجيش الملكي، بعد نهاية المباراة التي عرفت إقصاء العساكر من سدس عشر نهائي كأس العرش أمام المغرب الفاسي بهدفين لصفر.
لا يختلف اثنان على أن أحداث الشغب تورط فيها عدد من أنصار فريق الجيش الملكي بعد تقدم الفريق الزائر بهدفين دون رد، تحمل مشاهد وصور صادمة، وهو ما جعل الرأي العام الوطني يتوحد في الإدانة استنكارا للسلوكات التي تجاوزت الشغب العادي المتمثل في مناوشات طفيفة إلى أفعال إجرامية مرعبة، استباحت البنية التحتية للمعلمة الرياضية بالعاصمة الإدارية تجاوزت خسائرها مليار سنتيم وأحلت السرقة والضرب والجرح، بل هناك محاولات بعض المتورطين تعريض عدد من النسوة للاغتصاب بمن فيهن عاملة النظافة التي كان ذنبها الوحيد أنها كانت تؤدي وظيفتها.
ومن المخاطر التي تضمنتها أحداث شغب مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي، حينما تجرأ المتورطون المحسوبون على مشجعي الفريق العسكري، على الاعتداء على صفوف الأمن الوطني والقوات المساعدة واستباحت تهديد حياتهم بعدما استهانوا بالاحترام الواجب لهم وأمسوا بهيبة الدولة، وهي بلا شك أحداث مرعبة حبست أنفاس المتتبعين وأعادت النقاش حول ظاهرة شغب الملاعب إلى الواجهة ودقت ناقوس الخطر للبحث عن حلول واقعية وملموسة للحد من سلوكات لا رياضية لا تبشر بخير.

تسيب وفوضى
قال الدكتور محمد الهيني، محام بهيأة الرباط، إن ظاهرة شغب الملاعب التي عادت من بوابة مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي، تتجاوز الشغب إلى جرائم معاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي، لأن الشغب قد لا يكون فعلا مجرما فهو تجاوز بسيط لقواعد أخلاقيات الفعل الرياضي.وأوضح الهيني لـ”الصباح”، “لكن ما عايناه هو عنف مجرم وسلوكات لا علاقة لها بدولة الحق والقانون والمؤسسات والمواطنة الملتزمة، فهي انقلاب على قواعد المجتمع الديمقراطي المتحضر لأنها تشكل تسيبا وانحدارا خطير للقيم والأخلاق، تقتضي وقفة مجتمعية لجميع المتخصصين في مختلف المجالات من الفكر القانوني والاجتماعي إلى علم النفس والتربية، والأكيد أن المقاربة الزجرية تبقى هي أول المقاربات التي يتعين اعتمادها بجانب المقاربة الوقائية، فقلة التربية تواجه بالتربية وبتطبيق القانون وبأقصى العقوبات الممكنة حتى يتعظ من مازالت لديه مراهقات التسيب والفعل العنيف».

مبادئ متناقضة
ومن الحالات التي تؤكد تناقض مبادئ الالترات التي تركز على التشجيع وتأطير المشجعين والمنخرطين وتصويب سلوكيات الجمهور الحاضر والتفاعل مع مجريات الأحداث الوطنية والدولية، تقيد الفصائل المشجعة، بأعراف قوامها التعصب، حينما يتم الهجوم على مشجعي الفريق الخصم لسرقة شعارهم الذي يترتدونه سواء كان قميصا أو “كشكول» لإتلافه والتقاط صور رفقته وهو تحت الأقدام أو التبول عليه، أو عندما تتنقل عناصر الالترا إلى ملعب الفريق الخصم، وتقوم بمسيرة تمر في وسط مدينة الفريق المستضيف، وهو ما يصطلح عليه في عرفها ب»الكورطاج»، أي الموكب، وهو ما يثير حفيظة جماهير الفريق الخصم، باعتباره يشكل تحديا لها واستعراضا للعضلات. في ظل العقلية التي تقوم عليها، والتي تقدس الالترا على الفريق وتتعصب له.

القانون 09.09… انتكاسة تشريعية
رغم أن ترسانة القانون الجنائي تعززت بصدور القانون 09.09 إلا أن الظاهرة مازالت متواصلة بطريقة أكثر خطورة، وهو ما جعل عددا من المتتبعين يتساءلون حول ما إذا كان المشكل يكمن في عدم تفعيل مقتضياته أم أن الخلل أعمق، وهو ما يجيب عنه الدكتور محمد الهيني المحامي بهيأة الرباط، الذي قال إن المشكل الحقيقي يكمن في أن هذا القانون نفسه يشكل انتكاسة تشريعية لأنه جاء بعقوبات مخففة جدا.
وأضاف الهيني في حديث مع “الصباح”، “لهذا يفسر عدم التجاء النيابة العامة إليه في المطالبة الحالية بإجراء تحقيق إزاء المتهمين في الأحداث الإجرامية لخطورة بل وبشاعة الجرائم والاستهانة بالقانون وبدولة المؤسسات مما يحتم تفعيل القانون الجنائي وإصدار عقوبات مشددة ورادعة تعيد الاعتبار للأمن والنظام العامين».
وشدد المحامي الهيني على أن جميع المتابعين لهذه الإحداث يؤكدون أنها جاءت نشازا عما يعرفه المغرب من أمن وأمان الشيء الذي يقتضي رد الاعتبار لسيادة القانون وعدم الإفلات من العقاب وضمان حماية فعالة للسلامة الجسدية والمعنوية للمواطنين والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وكرامتهم، مشيرا إلى أنه يتعين دعم دور الجمعيات الرياضية في التأطير والتوجيه التربوي والرياضي والتأسيس لقواعد الروح الرياضية بما تقتضيه من نشر المحبة والسلم ونبذ التعصب والتطرف والكراهية وإذكاء التسامح والوئام.

عقوبات تصل إلى المؤبد
حول العقوبات التي تنتظر المتورطين في أحداث ملعب المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، كشف الدكتور محمد الهيني محام بهيأة الرباط، أن تكييف النيابة العامة لوقائع الجريمة الخطيرة التي أعقبت مباراة الجيش الملكي مع المغرب الفاسي إلى جنايات من حيث الأصل العام وليس مجرد جنح في العموم، وإحالتها على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط يعد تطبيقا سليما للقانون لصحة التكييفات التي هي الآن موضوع مطالبة بإجراء تحقيق.
وأوضح الدكتور الهيني، أن التكييفات تنقسم إلى جنايات من بينها : تكوين عصابة إجرامية حسب الفصلين 293 و294 من القانون الجنائي، وعقوبتها تبتدئ من 5 إلى 10 سنوات بالنسبة للمنضم للعصابة ومن 10 إلى 20 بالنسبة إلى المسيرين.
أما في ما يخص التخريب وتعييب شيء مخصص للمنفعة العامة، فالعقوبة المخصصة لها فتتراوح من 5 إلى 10 سنوات.
وفي ما يتعلق بمحاولة الاغتصاب، فحسب الفصلين 114و486 من القانون الجنائي، فإن العقوبة تبتدئ من 5 إلى 10 سنوات.
وبشأن السرقة الموصوفة، فإن الفصل 507 وما يليه من القانون الجنائي، جعل العقوبة المفروضة تبتدئ من خمس سنوات إلى السجن المؤبد بحسب الوضعيات والحالات الواردة فيها.
أما الجنحة الوحيدة فتتمثل في إهانة موظفين عموميين، فإن الفصل 263 وما يليه من القانون الجنائي، جعل العقوبة تتراوح ما بين شهر إلى خمس سنوات ما لم يكن الفعل يكتسي جناية.
وأوضح المحامي الهيني أن العقوبات الجنائية عقوبات مشددة تتلاءم وخطورة الوقائع الجرمية والفاعلين، ويمكن أن تصل حتى للسجن المؤبد، استهدف المشرع من خلالها تحقيق الردع العام والردع الخاص، بما يحفظ للقانون هيبته وللنظام العام لقواعده وللمؤسسات فاعليتها،ولذا تم استبعاد القانون 09_09 المتعلق بالعنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها لأنه قانون يتضمن عقوبات نسبيا مخففة أمام العقوبات الجنائية المشددة في القانون العام الذي هو القانون الجنائي.

الفرق بين الحدث والراشد
كشف المحامي محمد الهيني، أن الفصل 13 من القانون الجنائي، ينص على أنه تطبق على البالغين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة العقوبات والتدابير الوقائية المنصوص عليها في هذا القانون.
أما الأحداث الجانحون فتطبق في حقهم القواعد الخاصة المنصوص عليها في الكتاب الثالث من القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، مشيرا إلى أن هذا الإطار سمح بصفة استثنائية بإيداع الأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 سنة بالسجن، إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري أو استحال اتخاذ أي تدبير آخر غيره. وفي هذه الحالة حرص القانون على صون حرمة الحدث وعدم اختلاطه مع من قد يهدد سلوكه أو سلامته، وذلك بالاحتفاظ به في مكان أو جناح خاص معزول عن أماكن وضع الراشدين، وإبقائه منفردا بالليل حسب الإمكان (المادة 473).
وأوضح الهيني أنه إذا اقتضت الضرورة إصدار حكم بعقوبة سالبة للحرية على الحدث الجانح، فإن المحكمة تكون ملزمة بتعليل مقررها تعليلاً خاصاً. كما أن العقوبة المقررة للجريمة تخفض إلى النصف دون أن تزيد عن السجن من 10 سنوات إلى 15 سنة إذا كانت العقوبة المقررة هي الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة ثلاثين سنة (المادتان 482 و493).

استنكار فيسبوكيين
نظرا للوقع الذي خلفته أحداث شغب مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي بالمجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله، على نفوس المتتبعين لخطورة الجرائم التي ارتكبت فيها، تحولت الواقعة إلى قضية رأي عام.
ولأن “فيسبوك” برلمان شعبي يترافع فيه نشطاء العالم الافتراضي عن القضايا والأحداث الكبيرة، تحولت واقعة شغب ملعب الرباط إلى قضية تحت مجهر الفسيبوكيين الذين توحدوا في استنكار الأفعال الإجرامية المرتكبة وتسليط الضوء على الظاهرة الخطيرة التي تفسد الفرجة وتحولها إلى مأساة إنسانية. وفي هذا الصدد اختارت “الصباح” عددا من التدوينات التي حفل بها الفضاء الأزرق.
“اللي تيزرع الريح تيحصد العاصفة” هادشي من أسباب الجهل وضعف التعليم وقلة الوعي وضعف مراكز التربية والرياضة والتهذيب.
أين هي المراقبة؟ أين هو تطبيق القانون الذي يمنع القاصرين غير مرفوقين بأولياء أمورهم من ولوج الملعب ؟ كيبان ليا العشوائية والفوضى سباب من أسباب الشغب.
واش لهاد الدرجة أصبحنا نسترخض حياة بعضنا البعض. أليست الكرة لعبة للترويج عن النفس؟ المباراة للفرجة وليست حرب أهلية. أش هادشي ولينا عايشين فيه؟
نتمنى إنزال أقصى العقوبات بالمتورطين في واقعة مركب مولاي عبد الله بالرباط، من أجل تحقيق الردع حتى يكونوا درسا لمن يعتبر وحتى لا نرى تلك المشاهد التي تمس بهيبة الأمن وتمس بالنظام العام وممتلكات وحياة الغير.
أولا يجب محاكمة الآباء عن تقصيرهم في التربية والمدرسة لتراجع دورها في التربية ومحاربة الجهل والتنشئة الاجتماعية، من المتورطين قاصرين خاصهم مدرسة وأسرة وعيشة كريم قبل العقاب، لأن هؤلاء المتهمين هم ضحايا للفقر والهشاشة والجهل والحقد الطبقي ومشاكل نفسية قبل أن يكونوا مجرمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.