fbpx
خاص

ميزانية الدعم … القادم أسوأ

سيناريوهات تثبيت الأسعار في ظل الحرب الأوكرانية الروسية وتقلبات الأسعار

أعادت تقلبات الأسعار في الأسواق الدولية والزيادات التي عرفتها أثمنة عدد من المواد الأساسية، مثل النفط والزيت والدقيق وغيرها، الحديث عن الدعم وبرزت مطالب بإعادة تدخل الدولة في تحديد الأسعار أو تقليص وتيرة ارتفاعها بما يحفظ القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود والفئات التي تعيش وضعيات هشاشة. وينتظر أن تضطر الحكومة إلى إعادة جدولة اعتمادات إضافية في الميزانية المخصصة لدعم بعض المواد الأساسية، المتمثلة في غاز البوتان، والدقيق الوطني والسكر، إذ أن الارتفاع الملحوظ لسعر الغاز والحبوب والسكر، خلال بداية السنة الجارية، دفع الحكومة إلى استهلاك ثلث المبلغ الإجمالي المخصص
لهذا الغرض في ميزانية السنة الجارية. وينتظر أن ترتفع الكلفة أكثر، إذا استمرت الحرب الروسية الأوكرانية لمدة أطول، ما ستكون لها تداعيات على عدد من المواد، خاصة تلك المدعمة.
تقدم «الصباح» آليات الدعم التي تعتمدها الحكومة لتثبيت أسعار مواد غاز البوتان والسكر والدقيق الوطني.
عبد الواحد كنفاوي

الانسحاب التدريجي وتحرير الأسعار

يرجع إنشاء صندوق الموازنة (المقاصة) إلى عهد الحماية، إذ أنشأته السلطات الفرنسية، خلال 1941، من أجل تثبيت أسعار بعض المواد الأساسية، من خلال دعمها.
يهدف صندوق المقاصة، حسب القانون المنظم له، إلى المساهمة في تثبيت الأسعار، بالحد من الآثار التي تحدثها تقلبات أسعار المواد المدعومة على المستهلكين ويتدخل الصندوق اليوم لدعم منتوجين هما السكر وغاز البوتان، أما الدقيق من القمح الطري فيدعم عبر المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني. ولعب صندوق المقاصة دورا حقيقيا في معادلة الأسعار، إلى غاية 1973، على اعتبار أن الدعم كان ممولا بواسطة الموارد الخاصة لصندوق المقاصة المحصل عليها من الاقتطاعات على المواد البترولية. ووجد صندوق المقاصة نفسه أمام نقص في موارده، ابتداء من 1974، بسبب ارتفاع تكاليف إنتاج المواد التي تمت معادلة أسعارها، ونظرا لمختلف الاقتطاعات من قبل الخزينة العامة للمملكة، وخاصة إنشاء الضريبة على الاستهلاك الداخلي، ما جعله تابعا كليا أو جزئيا لميزانية الدولة.
وشرعت الحكومة تدريجيا، منذ 1980، في تحرير أثمنة بعض المواد التي كانت مدعمة آنذاك، مثل الحليب، والزبدة، والأسمدة، والزيوت الغذائية، وغازوال الصيد، والوقود. وأصبحت أنشطة صندوق المقاصة منحصرة في عمليات دعم السكر، وغاز البوطان والمواد البترولية.
وقررت السلطات العمومية إعادة إصلاح هذه القطاعات الأخيرة تدريجيا وذلك عن طريق تحريرها جزئيا وكذا تبسيط نظام منح الدعم الخاص بها، وذلك للوصول إلى تحرر كلي للأسعار. ولم يعد، حاليا، سوى ثلاث مواد تحظى بالدعم لتثبيت أسعارها، ويتعلق الأمر بغاز البوتان والسكر، المدعمين من قبل صندوق المقاصة والدقيق الوطني الذي يشرف على دعمه الصندوق الوطني المهني للحبوب والقطاني.

17 مليار درهم غير كافية

خصصت الحكومة في قانون المالية للسنة الجارية اعتمادات بقيمة إجمالية في حدود 17 مليارا و 20 مليون درهم، لدعم الاستهلاك والإجراءات المواكبة، تتوزع بين المبالغ المخصصة لتغطية نفقات المقاصة المتعلقة بدعم غاز البوتان والمواد الغذائية الأساسية في حدود 16 مليارا و 20 مليون درهم، ومليار درهم لتحمل آثار الإجراءات المواكبة عن طريق دعم قطاع النقل.
لكن التطورات الأخيرة على الساحة الدولية والحرب الروسية الأوكرانية، التي انطلقت أخيرا، أدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار المحروقات والمواد الأولية والغذائية، مثل الحبوب والسكر والحبوب الزيتية، ما كان له انعكاس مباشر على مستوى الأسعار في الأسواق الدولية. وارتفعت أسعار مجموعة من المواد، خلال السنة الماضية وبداية السنة الجارية، إذ سجلت، في مرحلة أولى، زيادات في أسعار بعض المواد الغذائية، مثل أصناف من الدقيق (السميدة)، التي سجلت أسعارها زيادة بدرهمين في الكيلوغرام، والزيت ومواد أخرى، تلتها زيادات في مواد أخرى في مواد البناء، مثل الحديد والإسمنت والزجاج، الذي ارتفع سعره من 70 درهما للمتر المربع إلى 135 درهما، وزيادة بنسبة 23 في المائة في الألمنيوم، و10 في المائة في سلع أخرى. وفاقم ارتفاع كلفة النقل البحري الزيادة في أسعار عدد من المواد المستوردة.

استنزاف

أدت الزيادة الملحوظة في سعر المحروقات في استنزاف أزيد من ثلث الميزانية المخصصة للدعم هذه السنة، إذ تجاوزت المبالغ التي تم إنفاقها لتثبيت أسعار المواد المدعمة الممثلة في غاز البوتان والدقيق الوطني والسكر، 5 ملايير درهم.
وارتفعت أسعار غاز البوتان إلى مستويات قياسية، مع بداية السنة الجارية، إذ قفزت إلى 854 دولارا للطن، ما بين يناير و منتصف فبراير الجاري، في حين لم تتجاوز، خلال 2020، 530 دولارا، حسب المعطيات التي أدلى بها فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية، ما يمثل زيادة تفوق 60 في المائة، علما أن سعر غاز البوتان ظل محددا، من 1990، في 3.33 دراهم للكيلوغرام، ما يجعل سعر قنينات الغاز من وزن ثلاثة كيلوغرامات في حدود 10 دراهم، وقنينة 12 كيلوغراما بسعر 40 درهما، ومع ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ في الأسواق الدولية، اضطرت الدولة إلى رفع المبلغ المخصص لتثبيت أسعار قنينات الغاز، ليصل ما يناهز 90 درهما، بالنسبة إلى قنينة 12 كيلوغراما، ما جعل الميزانية المخصصة لدعم هذه المادة ترتفع بشكل ملحوظ.
بالموازاة مع ذلك أثر النزاع بين روسيا وأوكرانيا، البلدين المنتجين والمصدرين للحبوب، على أسعار القمح، الذي ارتفع سعره بما يناهز 34 في المائة، مقارنة بين 2020 و 2021، إذ قفز السعر إلى 290 دولارا للقنطار، وواصل منحاه التصاعدي خلال السنة الجارية، ليستقر، حاليا، في حدود 315 دولارا للطن، واضطرت الحكومة إلى مضاعفة الاعتمادات المخصصة لهذا الغرض، التي لا تتجاوز في السنوات العادية مليارا 300 مليون درهم، ويرتقب أن تصل خلال هذه السنة إلى 3 ملايير و 844 مليون درهم، حسب تقديرات وزارة الاقتصاد والمالية.

الأسعار قبل الاستثمار

تشير كل المعطيات المتوفرة أن الحكومة ستكون مضطرة إلى تقليص ميزانية الاستثمار لمواجهة التكاليف الطارئة الناتجة عن التقلبات التي تعرفها الأسواق الدولية بسبب الأحداث التي تشهدها الساحة الدولية. وينتظر أن تؤجل الحكومة تنفيذ 15 في المائة من الميزانية المخصصة للاستثمار في الميزانية العامة لمواجة النفقات الطارئة، علما أنه في السنوات العادية تتم إعادة جدولة اعتمادات الاستثمار ونقلها من سنة إلى أخرى، علما أن الحكومة التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران سبق أن سلكت المنحى ذاته، عندما قررت، خلال 2013، بمقتضى مرسوم وقف تنفيذ 15 مليار من نفقات الاستثمار التي كانت مقررة في ميزانية تلك السنة. ويمكن أن يتكرر هذا السيناريو مع الحكومة الحالية، خاصة أن الظرفية صعبة، إذ إضافة إلى التوترات الجيوسياسية، فإن السنة الجارية تتسم، أيضا، بالجفاف، ما سيكون له الأثر الكبير على ميزانية الدولة.
ولا يوجد لدى الحكومة هوامش كبيرة، ما يرجح فرضية إعادة جدولة جزء من الاعتمادات التي كانت مخصصة للاستثمار لتغطية نفقات دعم المواد الأساسية، التي تعتبر أكثر أهمية، بالنظر إلى ما يمكن أن يمثله ارتفاع الأسعار من مخاطر على السلم الاجتماعي. وتتدارس الحكومة، حاليا، كل السيناريوهات المحتملة والتدابير التي يتعين اعتمادها للحفاظ على القدرة الشرائية للفئات ذات الدخل المتوسط والمحدود والتي تعيش في وضعية الهشاشة.
ويمكن تغطية تكاليف الدعم الإضافية باللجوء إلى اعتمادات الاستثمار، إذ إذا أضيفت 10 ملايير من اعتمادات الاستثمار إلى الميزانية المخصصة للدعم المحددة في 17 مليار در هم، فإن الموارد الإجمالية سترتفع إلى 27 مليار درهم، ما من شأنه أن يضمن بقاء الأسعار في مستوياتها الحالية، ما لم تتطور الأمور إلى الأسوأ. وأعلنت الحكومة أنها ستحرص على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وضمان استقرار الأسعار في مستوياتها، لكنها لم تكشف عن طريقة تمويل تثبيت أسعار بعض المواد، خاصة تلك المدعمة.

10 ملايير إضافية

ينتظر، إذا حافظت الأسعار على مستواها الحالي، أن يتم استنزاف الاعتمادات المخصصة لدعم المواد الأساسية قبل منتصف السنة الجارية، ما يفرض تعبئة مبالغ إضافية لتفادي ارتفاع أسعار المواد المدعمة، علما أن استمرار التوترات على الصعيد الدولي، خاصة النزاع الروسي الأوكراني، وانعكاساته على التجارة الدولية، فإن أسعار المحروقات والحبوب ستعرف زيادات غير مسبوقة، ما سيرفع كلفة تثبيت أسعار المواد المعنية بالدعم.
وسيتطلب الأمر تعبئة ما لا يقل عن 10 ملايير درهم، على الأقل، للحفاظ على الأسعار في مستوياتها الحالية، علما أنها عرفت زيادات، وصلت إلى 34 في المائة بالنسبة إلى بعض المواد، مثل الحبوب. ويمكن أن ترتفع الكلفة إذا تطورت الأمور إلى الأسوأ، ما سيفرض رفع الميزانية المخصصة للدعم.
ولا تتوفر الحكومة الحالية على الموارد المالية الكافية لمواصلة دعم المواد المعنية بالزيادة، خاصة تلك المدعمة، إذ مع استمرار الأسعار في منحاها التصاعدي، ستكون الحكومة مضطرة إلى إعادة جدولة الاعتمادات المتاحة حاليا.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.