المغاربة وثقافة الحب

سطوة الموروث تجعل التعبير عن المشاعر نوعا من التمييع أو المراهقة المتأخرة تورية لغريب (*) الحب هو من أهم المواضيع التي تناولها علم النفس باعتباره قيمة إنسانية تنطوي على العديد من القيم السامية والنبيلة كالاحترام والعطاء، وهو ليس مرتبطا بأشخاص فقط، بحيث نحب الأماكن والأوطان أو الحيوان... يأتي التعبير عن هذه العاطفة النبيلة، باعتباره مكونا أساسيا للعلاقات الاجتماعية في بعدها الإنساني. هذا التعبير عن الحب لا يمكن الخوض فيه بعيدا عن عامل البيئة الاجتماعية والثقافية للفرد، ففي المجتمع المغربي، ورغم القرب الجغرافي من أوربا، وأثره على الكثير من سلوكاتنا وأنماط تفكيرنا، إلا أننا ما زلنا نعيش سطوة الموروث الثقافي، الذي يختزل العلاقة بين الجنسين في سطوة العقلية الذكورية، والتي ترى في التعبير عن مشاعر الحب، ضربا من ضروب التمييع أو المراهقة المتأخرة، وهو ارتباط ضمني بالمخيلة الجنسية، فالمراهقة كمرحلة عمرية تحدد مظاهر النضج الجسمي والعاطفي وبداية الشباب، خلالها تبدأ أولى التجارب الجنسية للشاب المراهق، غالبا مع إحدى المومسات، وليس في إطار علاقة عاطفية، مما يرسخ لديه أن الجنس فعل لا أخلاقي تعبيرا وممارسة... حتى في إطار منظومة الزواج، يظل التعبير عن الحب باعتباره عاطفة، مرتبطا بالصورة النمطية الأولى التي كان جزءا منها، وبالتالي فالتفكير في الارتباط، ورغم الانجذاب للجنس الآخر، تحديدا الفتاة أو المرأة التي يود الارتباط بها، فإنه يفصل قطعيا ولاشعوريا بين التجربة الجنسية، والارتباط المقدس مسقطا من حسابه، أن المرأة لها أيضا هذا الحق، الذي هو الحق في تقاسم المشاعر قبل السرير . هذا بالنسبة إلى الرجل، أما بالنسبة إلى المرأة، فإن الأمر أشد صعوبة، لأن إكراهات العرف ونظرة الآخر لها والخوف من التأويلات والأحكام المسبقة... كلها عوامل تعيق التعبير عن مشاعرها، بل قد تكون لذلك آثار عكسية من قبيل اتهامها بأنها جريئة أو ليست متخلقة. الأمر هنا لا يرتبط بمستوى ثقافي بعينه، بقدر ما يرتبط بمستوى اجتماعي معين، إذ نجد أن فئات المجتمع الراقي، تميل للتعبير عن مشاعرها بكل سهولة، باستعمال لغات أجنبية كاللغة الفرنسية، الإنجليزية والإسبانية، وهنا تدخل رمزية اللغة في دلالتها على عاطفة نبيلة وكونية، وهذا ما يدفعنا لطرح السؤال: لماذا لا يعبر المغاربة عن عواطفهم؟ وحتى وإن فعلوا، فلماذا لا يوظفون الدارجة المغربية؟ هل لقصورها عن إيصال المعنى المراد إيصاله للجنس الآخر، أم بسبب تجاذب الهوية الفردية بين ما نحن عليه وما كنا نأمل أن نكون عليه؟ أم أن مجرد البوح بما يخالج مشاعرنا، يكفي للشعور بالاكتفاء العاطفي وبالاتساق والتوازن النفسي بين سلوكاتنا ومعتقداتنا، أيا كانت اللغة التي نستعملها؟ وبالعودة للمستوى الثقافي، فإن الغالبية ممن لديهم مستوى ثقافي متوسط أو عال، فإن التعبير عن مشاعرهم، يبقى رهين جدران غرف النوم، حيث لا وجود لطرف آخر يستهجن عبارات لم يعتد سماعها. المثقف المغربي هو الآخر لازال حبيس الذاكرة الشعبية، التي تمنعه من قول كلمة حب أمام طرف ثالث، حتى لا تضيع "هيبته" وينعت بأنه ضحية سحر أو شعوذة زوجته، فيلجأ للإبداع نوعا من التنفيس عن مشاعره، بطريقة غير مباشرة، وغير موجهة لشريكته، كتابة أو رسما...إلخ، وأما بخصوص الفئة الشعبية السائدة، فإن التعبير عن مشاعر الحب، ينحصر في الإيحاء بالفعل، كتقديم هدية، لكن بطريقة تخلو من الرومانسية، وكأنها مجرد واجب يفعله طرف ما في العلاقة. ونتيجة لهذا التكتم عن الإفصاح، ومشاركة الآخر هذه العاطفة النبيلة، فإن العلاقات الزوجية تدخل في سرداب الروتينية القاتلة، فتقتصر الأحاديث بين الزوجين على التفاصيل اليومية الرتيبة، ومتطلبات الأطفال والإكراهات الاقتصادية... مما يؤثر سلبا على نفسية الأزواج، الذين سرعان ما يفقدون شعلة الارتباط النبيل، وبالتالي تغدو علاقة الزواج مؤسسة مختزلة، في تلبية المتطلبات البيولوجية من مسكن ومأكل ومشرب وتلبية الرغبات الجنسية... هذه الرتابة التي تطبع المعيش النفسي، سترخي بظلالها حتما على التكوين النفسي للأطفال، الذين يفتقرون لسماع عبارات التقدير والود والحب بين آبائهم وأمهاتهم، مما يعمق ذلك الاحتياج الأساسي، لبيئة تحقق لهم الإشباع العاطفي، هذا إلى جانب أن المرأة وبسبب تكوينها، فهي كائن عاطفي نهم للاهتمام، هذا النهم الذي لا يكفي اختزاله في توفير الماديات من قبل الزوج، بصفته معيل الأسرة. كما أن الزوج بدوره في حاجة لتلقي عبارات الحب والتقدير من زوجته، وهو ما يحقق لديه نوعا من التقدير الذاتي المستحق، يهون عليه صعوبة التحديات التي يواجهها كل يوم لتأمين الاستقرار والحماية لعائلته. إنها غاية الشعور بالاكتفاء والتقدير من الآخر، وبالتالي تحقيق التوافق النفسي لطرفي العلاقة. إن التعبير عن المشاعر بمثابة رسالة حب، تضمن الإحساس بالاستقرار العاطفي، وبذلك يتحقق التوازن النفسي، الذي يعطي معنى للعلاقات داخل المنظومة الاجتماعية، فرب لمسة حانية، أو كلمة مرهفة تزيل تعب النفس، في زمن التحديات الكبيرة. (*) (كاتبة وشاعرة)

المغاربة وثقافة الحب

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تبخر مشروع "الباشلور"

آسفي والكوكب ينهيان أزمة النجاري

مقالات ذات صلة