الملاح… “خربات” تطل على مشروع أبي رقراق

مساكن مدمرة تجثم على أنفاس ساكنيها وتضرب لهم كل مرة موعدا مع الموت غير بعيد عن ضفة أبي رقراق، سحر العاصمة المنشود بما يحمل من مشاريع تسارع وكالة تهيئة أبي رقراق لإتمامها، دور آيلة للسقوط في كل لحظة وحين، أزقة ودروب ضيقة تفصل بنايات تتجاوز كل منها ثلاثة طوابق، تؤوي عشرات العائلات التي بعد المعركة التي تخوضها يوميا بحثا عن لقمة عيش صارت مطالبة بخوض معركة أخرى، مواجهة الموت في حي يوحي بأن دبابات الحرب عصفت به ، وأحالت قنابل العساكر عشرات المنازل حطاما، وحفرت أخاديد في أخرى مالت على بعضها البعض، مهددة ساكنيها بقبض أرواحهم متى دقت ساعة الختم. حي الملاح الذي هجره اليهود، ولم تظل به سوى ثلاث عائلات، صار يجثم على أنفاس ساكنيه وتحول إلى مقبرة مع وقف التنفيذ. «هادي فالأصل ماشي مزبلة، وإنما دار رابت ومشاليها السقف، ودابا ولات عامرا بالزبل حاشاك، راه ماكاينش الضالة هادشي كلو غير الزبل"، يقول حسن، الذي أكد أنه قبل بضع سنوات كان يقيم بالمنزل المجاور للبيت – المزبلة، قبل أن تسمح له ظروفه المادية ب"الفرار" من مقبرة الأحياء، كما يحلو لبعض سكان حي الملاح بقلب العاصمة الرباط. فيما ترثي ماري، يهودية آثرت الاستمرار في العيش بحي أجدادها الحال الذي أضحى عليه الحي، قبل أن تستدرك "دابا راه سويا مزيان، بدات تنقا الدنيا"، مضيفة "عياو يطليو ويزوقو، ولكن ماكايخليوش...les gens ma petite .. هوما عياو ما يقادو.. هادشي للي كاين"، في إشارة إلى فترة ازدهار الحي قبل أن يتحول إلى "خربة" كبرىـ ثنبعت من أزقتها روائح كريهة، كيف لا وكل ركن من زقاق أو درب صار مرتعا للقطط والجرذان التي تقتات على الفضلات، وصارت بدورها تؤثث المشهد العام للحي، بل بنسبة مهمة من السكان أيضا تتعايش مع الأسر، وتقيم بالدور المنهارة، "والله مانقدو نحلو الباب في الليل، فهاد البلاصة للي كاتشفو كانلقاو الطوبات كايتجاراو"، تقول إمراة اربعينية تقيم بسطح أحد المنازل، الذي يحاول الصمود رغم تشققات جدرانه، مضيفة وهي تشير إلى مزهريات وأعشاب منزلية "هنا كانلقاوهم شي مرات مخبعين.. والله عيينا من هاد الحالة". خطر الانهيار يزداد مع أولى قطرات الغيث انهيارات وخوف ودور آيلة للسقوط، على هذه الإيقاعات يعيش سكان هذا الحي، يقضون أيامهم ولياليهم بين الخوف والترقب، الذي يتضاعف كلما تهاطلت قطرات الغيث، يوجهون أكفهم لخالقهم يشكون حالهم، لا مطلب لهم سوى أن يقيهم من خطر الموت بين حطام منزل هوى على رؤوسهم، سكان يخشون انهيار علب إسمنتية أكثر مما يخشون على أرواحهم، "لا يهم إن متنا، على الأقل اليوم لنا سقف يؤوينا"، يقول حميد، الذي لا يبالي لسقف مشقوق لا يقيه وعائلته لا قر الشتاء ولا حر الصيف، يسرب المياه شتاء وأشعة الشمس الحارقة صيفا.المأساة التي يعيشها سكان حي الملاح، ببناياتها المتلاشية، تزداد حدة، وتتفاقم كلما انهار سقف منزل، أو تهاوى منزل كله بمجرد أن تشرق شمس شتاء دافئة تكون بمثابة الضربة القاضية لمنزل ارتوى بمياه الأمطار، فيصبح الموت أقرب إلى كل السكان، ويصير الخوف ظل كل فرد يلازمه ويصل ذروته مع حلول الليل ويحل الرعب ضيفا ثقيلا في كل ليلة، "لا نستطيع النوم بالليل وكلنا ينتظر انبعاث ضوء الصباح"، تقول الحاجة كنزة التي تقطن هي وابنها وشقيقتها بغرفة واحدة ببيت تتقاسمه هي وعائلة أخرى، تفصل بينها ملاءة رقيقة تسمح للطرفين بعرض مستلزمات الطبخ، مؤكدة "منين تتكون الشتا الخوف ديالنا تيكبر بزاف، الله يحفظ وخلاص"، فيما تضيف جارتها "حنا عارفين بأننا مغامرين براسنا، ولكن هدشي للعطا الله، ما عندنا لا يد قصيرة ولا طويلة، موهبين اعمارنا في يد الله". وضع يكاد يكون مشتركا مع العديد من سكان الحي الذين نخرت عظامهم برودة المنازل، وأصابتهم مختلف أنواع الحساسية وأمراض الصدر والتنفس جراء روائح "الغمولية" التي عوضت الاوكسيجين النقي، الذي لا يفصلهم عنه سوى سور يحيط بالحي من جهة ضفة أبي رقراق. الفقر سيد الموقف بعد أن تضرر البيت الذي يقطن فيه ابراهيم جراء انهيار المنزل المحاذي له، وجد نفسه مشردا هو وعائلته، بلا مأوى، وبين خيارين أحلاهما مر، الخروج إلى الشارع أو الاستمرار بالعيش خمستهم في غرفة واحدة، بعدما انهار المطبخ وغرفة أخرى، يضربون في كل مرة موعدا مع الموت "فين غادي نمشيو إيلا خرجنا؟ الله غالب"، تؤكد نعيمة، زوجة ابراهيم والأم لثلاثة أبناء أصغرهم طفلة لا يتجاوز عمرها السنة، تضيف "ماعندنا فين نمشيو، الراجل ماخدامش ومريض، وأنا كانخدم في الميناج نهار كاينا الخدمة وسيمانا ماكايناش".تؤكد زوجة ابراهيم أنهم لا يؤدون سومة الكراء التي كانت تقدر بـ 500 درهم منذ سنوات لا تذكر بالضبط عددها، بعد أن حكمت المحكمة بذلك، لأن صاحب البيت عليه أن يصلح المنزل المنهار، "المخزن للي خلانا ساكنين هنا، وقال لينا ما تخلصوش الكرا حتى يصلح الدار"، فيما يرد زوجها الذي لازم الفراش، منذ أربعة أشهر، كان أصيب بالسل، وانقطع عن شرب الدواء، رغم مجانيته وتوفره بالمستوصفات العمومية، كمن يستعجل الرحيل إلى دار البقاء، بالكاد يستطيع الكلام بصوت مبحوح لا حول له على رفعه، مرتديا جلبابا باليا لا يقيه قساوة البرد، ولا يخفي عظامه التي تكاد تخرج عن جلده، يأخذ نفسا عميقا ويقول "هذي 45 سنة، ونحن عايشين فهاد الدار للي كاتشوفو، مول الدار داعا معانا، عيا مايجري لكن المحكمة ماعطاتلو والو".وحدهم المحسنون من حاول بعث الأمل في عائلة ابراهيم، ووعدوا بإصلاح غرفة ثانية، فيما لا أمل في المطبخ الذي هوت أرضيته، "الحمد لله المحسنين باشروا الإصلاح في هذه الغرفة، في انتظار أن ننتقل إليها قريبا"، تقول زوجة ابراهيم التي تتوق إلى نقل أطفالها إلى غرفة أخرى، لا يهم أن تكون أكثر أمانا بقدر ما أن تحول من انتقال عدوى السل إلى اطفالها، "دابا راه كانباتو بخمسة بينا فهاداك البيت للي كاتشوفو، ما عندي ماندير الراجل كايموت والله يستر غير هاد الولد الصغير بعدا ما يتعاداش". في انتظار الموت رغم خطر الانهيار، ورغم شبح الموت الذي يخيم على كافة منازل حي الملاح، ويعمق مآسيهم ومعاناتهم التي لا يبدو لهم بصيص أمل في زوالها، يرفض السكان أن يبرحوا منازلهم، حتى لو سقطت فوق رؤوسهم، "ماغاديش نخرجو يريبو هاد الديومر أو لا لا، حنا ما خارجينش"، يقول عجوز بعصبية مضيفا "فين بغيتونا نمشيو، دابا راحنا كاريين وكانخلصو الما والضو، شنو المشكل"، يشرح جاره أنهم إن غادروا المنازل كما يطلب منهم أصحابها بذريعة أنهم غير قادرين على الإصلاح، لن يتمكنوا من كراء منزل بأحد احياء الرباط، حتى الشعبية منها "راه هادي ربعين عام وأنا كاري، ودابا كانخلص 150 درهم، هانا مشيت، فين غادي نلقا الكرا بهاد الثمن"، يصمت برهة ثم يعود ليقول "دابا ما كانخلصو والو بقرار من المحكمة، ولكن راني جامع لمول الدار كراتو فوقاش ما بغاها أنا موجود.. واش كاين شي حد كايشوف هاد الشقات، وساكن حدا دار رايبة، وأخرى نصها مشا وباغي يبقا ساكن هنا كون كان عندو البديل، راه هادشي للي عطا الله". إصرار السكان وعزمهم الاستمرار بالسكن بمنازل تفتقر إلى أبسط شروط السلامة والأمن حقيقة حتمية، "عايشين هنا هادي سنوات، مع جدودنا وواليدينا ودابا ولادنا، منين كاطيح الشتا، مكنعسوش، لأن السقوفا كتقطر، كانباتو نحولو الفراش من قنت لقنت"، تقول إحدى ساكنات الحي، التي تقر "حياتنا حارة، الموت ديما معنا فكل وقت، ولكن شنو غادي نديرو، ما عندنا فين نمشيو؟، حنا دابا ولفنا، بيت ولا دار تطيح، هادشي عندنا عادي". تحكي المرأة كيف أنه قبل ثلاث سنوات لقي جار لها حتفه، بعد أن انهار المنزل الذي يقطن به "حنا دابا في حكم الميتين". حي بأكمله ينتظر الترميم يتداول السكان أرقاما مخيفة عن ميزانيات رصدت في الأصل لحل مشاكل السكن التي يعيشونها وتخفيف معاناتهم بإصلاح "الخربات" التي هم مضطرون إلى العيش فيها، أو ترميم جزء منها على الأقل، أرقام تباينت من 300 مليون إلى مليار، يؤكد السكان أنهم لم يروا منها شيئا، باستثناء ما عرفه شارع القناصل، الذي لم يلق استحسانهم "بل هو فشل ذريع وضحك على الذقون" يقول أحد السكان.كل الخبرات والدراسات المنجزة أقرت بوجود عشرات المنازل التي تستلزم التدخل الآني، فيما يلقي سكان الحي اللوم كل اللوم، على وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، التي سبق أن وعدت السكان بإيجاد حل مناسب، بعد أن أسندت إليها مهمة تسيير شؤون الملاح، ليجد السكان أنفسهم في جمود تام، جعلهم يتساءلون عن الأهداف الحقيقية للوكالة، وما إن كان غياب الترميمات والإصلاحات اللازمة أمرا مقصودا لتعويض الملاح بمشاريع أخرى.

الملاح… “خربات” تطل على مشروع أبي رقراق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القادري : التصـوف أقوى حصانة ضـد الإرهاب

"لغز الماضي" غدا على "إم بي سي 4"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات