لماذا لا يعتبر عبد الإله بنكيران هزيمته النكراء في الانتخابات، عقابا من الله، ويرضى بالقدر، خيره وشره، بدل الاستمرار في الثرثرة، بكل ما أوتي من ملكات خارقة لقول الشيء ونقيضه في الوقت نفسه؟ فكما يروج الأمين العام للعدالة والتنمية بأن «كورونا» عقاب من الله لعباده، جراء معاصيهم في الأرض (مثلها مثل الزلازل والفيضانات والحرائق والبراكين)، فينبغي أن «يقتنع» أيضا أن ما وقع في شتنبر الماضي، هو غضب إلهي على حزب ظلم الناس في الدنيا وجار عليهم، وكذب عليهم، وباع لهم الوهم لعشر سنوات كاملة. فلا يمكن أن نؤمن بقانون الكون في الطبيعة المادية فقط، ونستثني جوانب الحياة الأخرى. فما يسري على الكوارث، في مفهوم الشيخ بنكيران، يسري كذلك على السياسة والاقتصاد والمجتمع، وكلها من خلق البشر، والبشر من خلق الله. ويمكننا الاستمرار، إلى ما لا نهاية، في إعطاء الأمثلة ضمن هذا الحجاج العبثي، وندرج تفاصيل أخرى، قد تجر علينا غضب أمين عام لحزب سياسي، مازال مصرا على الاتجار في البضائع المغشوشة بأنواعها، واستعمال الخرافة طريقا للعودة إلى السياسة، بدل إنجاز تقييم موضوعي لما حدث في 8 شتنبر الماضي. ففي احتمائه بمعجم «الماورائيات»، يمارس بنكيران لعبة «التقية» لإخفاء ما يجول في خاطره من «قناعات»، أي عوض أن يقول بصريح العبارة إن الدولة تدخلت في الانتخابات، يفضل الكتابة بالحبر السري، واللجوء إلى الكلام المشفر، الذي يفهم من ظاهره أن الرجل مسؤول سياسي ولا ينطق عن الهوى، وباطنه تقطير السم على الجميع، وزرع الفتنة. فإلى حد الآن، لم يقتنع حزب بنكيران أن ما وقع في انتخابات 2021، هو تحصيل حاصل، ونتيجة طبيعية للتدبير الحكومي السيء، وربط إجرائي بين المسؤولية والمحاسبة. وإلى اليوم، وقد مرت أكثر من ثلاثة أشهر على الهزيمة، لم يصدر الحزب وثيقة مراجعة واحدة، يجيب فيها عن سؤال محوري: لماذا وصل الحزب إلى ما وصل إليه في السنوات الأخيرة وكانت انتخابات شتنبر حلقته النهائية؟ إن مسلسل التدهور لم يبدأ في 2021، بل انطلق منذ وصل الحزب الإسلامي إلى قناعة أساسية، أنه لا يمكن العيش خارج «دسم» المناصب والبذلات وربطات العنق الموقعة من دور الموضة العالمية، والسيارات الفارهة والتعويضات، التي لم تكن تخطر على بال، والسفريات في الذات و»المدلكات»، وغيرها كثير من متاع الدنيا. لقد وقع للعدالة والتنمية ما وقع للمسلمين في معركة أحد، حين نزل المقاتلون والرماة إلى ساحة الوغى، يجمعون الغنائم التي تركها جيش قريش خلفهم، فما كان من القائد خالد بن الوليد إلا أن التف بقواته من خلف الجبل، ووضع جيش المسلمين وسط كماشة، منزلا بهم شر هزيمة، وقيل إن القتال وصل إلى خيمة الرسول (ص). فمن هزم «بيجيدي» في الانتخابات السابقة، ليس التجمع الوطني للأحرار، أو الدولة وأجهزتها، كما تدعي أصوات واسعة فيه، بل اللهط وراء «الغنائم» والامتيازات التي أنست الحزب نفسه ووظائفه وماهية وجوده في المشهد برمته. هذه هي قصة العدالة والتنمية بكل اختصار. والباقي كله تفاصيل لا قيمة لها. واش فهمتوني!