بعض الفقهاء يحجرون على الناس ويمنعونهم من الاحتفال ومد جسور التعايش تغيرت الأحوال وتبدل الزمن، وما زال بعض فقهاء الإسلام يتدخلون في تفاصيل حياة الناس، ويشرعون لهم الأيام والمناسبات الواجب الاحتفال بها، ويحذرونهم من التشبه بغير المؤمنين، وكأنهم دنس يخشى أن يلوث إيمان المسلمين. وأصبح المسلمون في بلدان العالم الإسلامي، في حرج من أمرهم، بسبب رغبتهم في الاحتفال بأعياد مثل ميلاد المسيح وغيرها من الأعياد والمناسبات، غير أن الفقهاء يقفون حجر عثرة أمامهم، ولا يسمحون لهم بالفرحة والبهجة، ومشاركة الغير في أعيادهم وأفراحهم، وهذا الأمر ليس غريبا على الفقهاء، الذين يحرمون كل ما هو جميل، سواء تعلق الأمر بالموسيقى أو الشعر أو الفنون بشكل عام، ويحرمون الاختلاط، رغم أن أفعالهم في السر تناقض خطابهم، ويبقى المؤمنون الذين يصدقون هذه الخطابات ضحايا، تسرق منهم الفرحة بغير حق. ويقوم تحريم الاحتفال بأعياد المسيحيين أو اليهود وغيرهم من المؤمنين، على بعض الأحاديث المتواترة، وبعض المبادئ العامة في الإسلام التي تقبل التأويل على جميع المستويات، من قبيل عدم التشبه بالنصارى، أو عن الموقف من باقي المؤمنين، واعتبارهم كفارا أعرضوا عن رسالة الإسلام، رغم أن بعضهم لم يسمع يوما بهذا الدين، أو ولد في مجتمع يدين بدين آخر، لكنه يصبح في نظر المسلمين كافرا معرضا ناكرا للرسالة، رغم أنه لا يد له في ما هو عليه من دين وثقافة. وكان مقبولا في وقت من الأوقات التسامح مع عدم الاحتفال بعيد ولادة المسيح، لكن اليوم لم يعد هذا الأمر مقبولا، لأن المسلمين يعيشون في كنف المسيحيين، سواء تعلق الأمر باستهلاك ثقافتهم وصناعتهم، أو العيش في بلدانهم طلبا للعمل والحرية والكرامة، أو العمل بتقويمهم، إذ يصبح عدم الاحتفال بهذا العيد، نوعا من النفاق وهروبا من الواقع، وإنكار الحقيقة. ويستعد شباب المسلمين على رأس كل سنة، لوضع خطط جديدة للعام المقبل، ويستشرف فيها خيرا بأن تحقق له السعادة والنجاح والتألق كل في مجاله، ومع ذلك يخبره الفقيه بأن هذا التقويم لا يمت بصلة للمسلم، وأنه من البدعة الاحتفال بنهاية السنة، رغم أن هذا الشاب لا دخل له في هذه الحسابات الفارغة، ولم يعرف عن المسيحيين إلا أنهم أشخاص يعيشون في بلدان محترمة، ونموذج يحتدى في الحرية والكرامة والتقدم التكنولوجي، غير أن الفقيه الذي فشل في لعب دور القدوة الحقيقية، يكسر هذه النماذج أمام الشباب، ويعتبر المسيحيين كفارا لا يجب التشبه بهم. ولا يحق للمسلمين اليوم، الذين يرون في أنفسهم جنود الله في الأرض، ومتشبثون بنصرة الإسلام، أن يتدخلوا في حياة شباب لا علاقة لهم بهذا الصراع الفارغ بين الأديان، ويريدون أن يعيشوا في سلم مع جميع الشعوب، ومن أراد ألا يحتفل بعيد أو مناسبة معينة، فهذا شأنه، لكن من المرفوض استغلال بعض المنابر والفضاءات العمومية، أو السلطة المعنوية من أجل التأثير على الأجيال الجديدة، ودفعها غصبا للاستمرار في حرب خاسرة، لم تعد قائمة في يومنا هذا. عصام الناصيري