المسرح الكبير… تحفة فنية

رباطيون ينتظرون افتتاحه وتقديم عروض تليق به بعد سنوات من الأشغال على إحدى ضفتي أبي رقراق، شيد المسرح الكبير. بمعايير عالمية، يحق للرباطيين وللمغاربة بصفة عامة الافتخار به. صمم وأنجز وفق برنامج محدد ومسطر، لتكون النتيجة في مستوى الانتظارات والتطلعات، إذ بعد سنوات من الأشغال المستمرة، صار جاهزا لافتتاحه ولاستقبال عشاق المسرح والفن. فبشكله الهندسي المميز، والذي يشبه سفينة على ضفة النهر، يشد انتباه كل من مر بالقرب منه، ويجعل الكثيرين يطرحون سؤال، متى ستفتح أبوابه في وجه العموم، واكتشاف تفاصيله عن قرب، ودخول قاعات العروض؟ البداية كان من المهم، لإنجاز المسرح الكبير الخاص بالرباط، والذي سيكون بمحاذاة المعلمتين التاريخيتين ضريح محمد الخامس وصومعة حسان، التفكير في تصميم مميز وخاص، يشد الانتباه، إلى أن وقع الاختيار على أصعب التصاميم العمرانية على المستوى العالمي، تطلب تشييده تقنيات عالية جدا. ففي الوقت الذي أعلن فيه، قبل سنوات، عن تشييد مسرح على ضفة أبي رقراق، لم يتصور الكثيرون أن هذا المسرح سيكون بالشكل الذي عليه اليوم، وأن فريق العمل سيحرص على الاعتماد على أحدث التقنيات من أجل إنجازه وسيكون في المستوى المطلوب. فقد أشرفت على تصميم المسرح الكبير، والذي يعد أكبر مسرح في إفريقيا والعالم العربي، المهندسة المعمارية العراقية الشهيرة، زها حديد، والتي قبل أن تغادر إلى دار البقاء، تركت تحفة فنية بمعنى الكلمة، جمعت فيها بين التراث المعماري المغربي وأحدث التطورات الفنية في هذا المجال. فخلال 2014 بدأت الخطوات الأولى لتشييد المسرح، ومنذ ذلك التاريخ، يترقب الكثيرون الشكل النهائي الذي ستكون عليه هذه المنشأة الثقافية الفنية، والتي ستكون فخر المغاربة بصفة عامة، سيما أن المشرفين على المسرح، كشفوا بعض تفاصيله، وتحدثوا عما يميز هذا المسرح، وكيف سيكون بعد انتهاء الأشغال. المسرح في أرقام من بين التفاصيل التي قدمها المشرفون على المسرح، الذي يعتبر جزءا من البرنامج المندمج للتنمية الحضرية للرباط 2014 و2018 "الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية"، الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس في 12 ماي 2014، في عدد من الخرجات الإعلامية، أن مساحته تبلغ 47 ألف متر مربع، تشكل منها 27 ألف متر مساحة المنشآت، بينما خصص 20 ألف متر للمساحات الخضراء. وتصل سعة القاعة الرئيسية للعروض 2000 مقعد، إضافة إلى فضاء مسرحي خارجي يمكنه استيعاب 7000 متفرج. ويتضمن المسرح الكبير، الذي قدرت ميزانيته الإجمالية بـ1677 مليون درهم، أيضا مرفقا للتمارين المسرحية وقاعة إضافية تتسع لأكثر من 500 متفرج، إلى جانب فضاءات الترفيه الموازية من مقاه ومطاعم، علما أنه تم تجهيز فضاءات العرض بأحدث التقنيات السمعية والبصرية التي تتلاءم مع المعايير الدولية للقاعات العالمية الاحترافية، سيما ما يتعلق بالصوت وخطوط الرؤية. وجاء تشييد المسرح الكبير بالرباط في إطار توفير البنيات التحتية الكافية لممارسة العمل المسرحي في ظروف ملائمة، وذلك بإحداث مسرح في كل إقليم يستجيب للمواصفات المهنية الحديثة، إذ يسمح ذلك باضطلاع البنيات بدورها التربوي والتثقيفي والتنموي داخل المجتمع، إلى جانب تعزيز مساهمة قطاع الثقافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب. انتظارات يترقب الكثير من الرباطيين الافتتاح الرسمي لأكبر مسرح في افريقيا، والشيء ذاته بالنسبة إلى المسرحيين والفنانين بصفة عامة، إذ قال عبد الكبير الركاكنة، رئيس الاتحاد المغربي لمهن الدراما، ومخرج وممثل مسرحي، إن المسرح الكبير سيصير وجهة مجموعة كبيرة من المثقفين والفنانين، ليس من المغاربة والعرب فقط، إنما أيضا من العالميين. وأوضح الركاكنة في حديث مع "الصباح"، أن خطوة الملك محمد السادس وإصراره على تشييد المسرح الكبير، فخر للمغاربة، مشيرا إلى أن تنفيذ فكرة انشاء هذا المسرح والسهر على ذلك بعزيمة قوية، خطوة مهمة في طريق تطوير الثقافة في المغرب، سيما في ظل الموقع الذي شيد عليه، والدور الذي سيلعبه عند افتتاحه، في إنعاش الثقافة والفن في المغرب وخارجه. معلمة في خدمة الثقافة يهدف المسرح، الذي سيشكل فضاء ثقافيا متعدد الوظائف، وقادرا على استيعاب مختلف العروض المسرحية وعروض الأوبرا، ويضم تقنيات تتطابق مع آخر ما وصلت إليه المعايير الدولية في الدقة والجودة في تقديم العروض، إلى تمكين مدينة الرباط من أن تكون قطبا مخصصا للتنشيط الفني والترفيه واحتضان التظاهرات الفنية الوطنية والدولية الكبرى وتحفيز بروز المواهب، سيما في أوساط الشباب. كما يعكس هذا المشروع تجسيدا عمليا لمضامين الدستور الذي بوأ الثقافة مكانة متميزة، من خلال تأكيده على التزام المملكة بتوسيع وتنويع علاقات الصداقة والمبادلات الإنسانية والثقافية مع كل بلدان العالم، وتنصيصه على دعم السلطات العمومية، بالوسائل الملائمة، لتنمية الإبداع الثقافي والفني، وتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الثقافية. ويتمثل الهدف الأصيل لهذه التجربة، في توفير البنيات التحتية الكافية لممارسة العمل المسرحي في ظروف ملائمة، ويعزز بالتالي مساهمة قطاع الثقافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة. وينسجم إحداث المسرح الكبير للرباط، الذي يشكل إحدى البنيات التحتية والمكونات الثقافية الهامة لمشروع "وصال بو رقراق"، مع الرؤية الإرادية للمملكة التي تحرص، بتوجيهات وتتبع من جلالة الملك، على ملاءمة الممارسات الجيدة مع تصور التنمية البشرية المستدامة، وترجمة هذا التوجه في شكل مشاريع عمرانية ومشاريع بنيات تحتية، في أفق تحويل المغرب إلى نموذج على المستوى الجهوي والدولي. إيمان رضيف

المشترك المنسي

العرفان... مدينة تتنفس علما

مقالات ذات صلة