زمور والرئاسيات الفرنسية

المرشح اليميني المثير للجدل يقدم الإسلام والهجرة على أنهما سبب كل المشاكل د.عبد الله بوصوف (*) أعلن إريك زمور ترشحه للانتخابات الفرنسية، وهو الإعلان الذي كان منتظرا منذ شهور من الطبقة السياسية الفرنسية. إعلان إريك زمور لم يأت مختلفا عن خطابه المعتاد، والذي بلغ 1.3 مليون مشاهد في ظرف ثماني ساعات. لم يقدم إريك زمور مشروعا مجتمعيا يجيب عن انتظارات وقلق الشعب الفرنسي وإنما اكتفى بتقديم الإسلام والهجرة على أنهما سبب كل مشاكل المجتمع الفرنسي. استعرض إريك زمور كل الكليشيهات المألوفة في أدبيات اليمين المتطرف، لكن بلغة مباشرة يوجه بها صك الاتهام للهجرة والإسلام دون أي تحفظ أو مواربة. في إعلانه الموجه للفرنسيين في عشر دقائق عبر تقنية الفيديو، ركز زمور، بالصور، على أحداث تظهر إحراق السيارات وأطفال مهاجرين بالمدارس وعمالا مهاجرين، بالإضافة إلى صور الحجاب والصلاة وانهيار المباني، ليحذر الفرنسيين من إمكانية استيلاء الأجانب على بلادهم، متسلحا بنظرية التعويض (théorie de remplacement)، التي أطلقها بعض المثقفين المحسوبين على اليمين المتطرف وبعض المتعصبين من اليمين الكاثوليكي. استعمال الهجرة مشجبا تعلق عليه جميع مشاكل المجتمع الفرنسي، ليس بالأمر الجديد، لكن إعلان إريك زمور اليوم ترشحه جعله يصل إلى نقطة اللاعودة في مأسسة العنصرية والتعصب والكراهية في الفضاء السياسي الفرنسي. إريك زمور الذي هاجم الأجانب بكل ما أوتي من قوة بلاغية ومعرفة تاريخية، أظهر مدى جهله بالدور الكبير، الذي لعبته الهجرة في بناء فرنسا اليوم. فأصبح واجبا تذكيره ببعض من هذه الأدوار، أولها، دور المحررين، فالأجانب هم من ساهموا في تحرير فرنسا والفرنسيين من ربق الاحتلال النازي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقبل ذلك في 1870 في معركة "فورت" بالألزاس ضد الألمان. ثانيها، دور البناة، إذ أن الأجانب هم من ساهموا في إعادة بناء فرنسا بعد أن دمرت في الحرب العالمية الثانية، وهم من اشتغلوا في إعادة إعمارها. ثالثا، الأجانب هم من ساهموا في إعادة الحياة للاقتصاد الفرنسي (معامل السيارات برونو وسيتروين والمناجم والأشغال العمومية ومختلف القطاعات الإنتاجية). رابعا، الأجانب هم من ساهموا في الإشعاع الثقافي الفرنسي عبر العالم بتبني اللغة الفرنسية في إطار الفرنكوفونية، من خلال إغناء الثقافة الفرنسية بالتراث العالمي. وتكفي الإشارة إلى الأعداد الكبيرة من المثقفين الذين حصلوا على جائزة "الغونكور" الفرنسية (الطاهر بنجلون وليلى السليماني وفؤاد العروي باعتبارهم مغاربة). خامسا، الأجانب هم من ساهموا في الإشعاع الرياضي لفرنسا، فالفريق الوطني الفرنسي الذي حصل على كأس العالم الأخيرة يتكون من 90 في المائة من ذوي الأصول الأجنبية (وقبله نذكر جيل زيدان عميد الفريق الوطني الذي حصل على كأس العالم لأول مرة في 1998). ما ذكرناه، يؤكد أن فرنسا ومستقبلها سيكون بالهجرة أو لا يكون، لأن فرنسا اليوم تعيش في العالم ومع العالم. إذ نجد اليوم أكثر من 3.5 ملايين فرنسي يعيشون عبر العالم في إطار الهجرة الاقتصادية، وتعتبر فرنسا من بين الدول الأولى في العالم المستفيدة من تحويلات المهاجرين. جهل إريك زمور لا يؤهله للحديث عن فرنسا ومستقبلها، هو الذي يتحدر من أصول جزائرية، إذ وصلت عائلته إلى فرنسا بعد 1954، أي عشر سنوات بعد أن سالت دماء عشرات الآلاف من الأجانب، من أجل تحرير فرنسا، التي ما زالت مقابرها شاهدة على ذلك، حتى أصبح عدد من مات فداء لفرنسا، الحاملون لاسم محمد، يفوق عدد من مات من الفرنسيين الحاملين لاسم مارتان. نهيب بالمجتمع الفرنسي، الذي تشبع بفلسفة الأنوار، والصانع للثورة الفرنسية المبنية على ثلاثية المساواة والعدالة والأخوة، أن يسترجع روح الثورة الفرنسية من مختطفيها من العنصريين وحفار القبور والشعبويين أمثال إريك زمور ومن هم على شاكلته. (*) أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج

زمور والرئاسيات الفرنسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أولامين يعرض بالصويرة

حميش يهاجم رؤساء مجالس وطنية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات