التلميذ والمعلم… “المش مع الفار”

تلاميذ نفروا من الدراسة ومنهم من توقف عنها بسبب الخوف من المعاملة السيئة للأساتذة نشأت الأجيال السابقة من المغاربة على احترام وتقدير المعلم ودوره المقدس في التربية والتعليم، قبل أن تتأثر هذه العلاقة، على مر الزمن، بالعديد من العوامل والمسببات التي حولت العلاقة بينهما إلى علاقة "المش مع الفار"، مثلما يقول مثلنا الدارج، وهي العلاقة التي وصلت، أحيانا كثيرة، إلى ردهات المحاكم، وتحولت من مجرد ملاسنات إلى جناية يعاقب عليها القانون. لقد كان المعلمون يحظون بالتبجيل من قبل تلاميذهم وأولياء أمورهم، الذين كانوا يعتبرون المعلم شريكا في عملية تربية الأبناء، وهو ما تدل عليه العبارة التي كان يتداولها الطرفان ذات زمن مضى، بشأنهم، "نتا تذبح وانا نسلخ"، قبل أن تتغير الأحوال، وتتغير معها وضعية المعلم، من شخص محترم إلى "مبهدل" بسبب ضيق ذات اليد ومشاكل الحياة، وهو ما أثر بشكل كبير على أدائه لواجبه المهني المقدس، وعلى علاقته بتلاميذه، الذين أصبحوا "ضحايا" يصب عليهم غضبه وهمومه، بشكل يومي، فيبادلونه المعاملة السيئة نفسها، التي تصل إلى درجة الضرب والجرح، بل والقتل أيضا. لقد تسبب معلمون كثر، في كره التلاميذ للمدرسة و"ما جا منها". وهناك منهم من توقف تماما عن الدراسة بسبب خوفه من معلم ونفوره من حصته. في الملف التالي، نستعرض العديد من القصص والحكايات عن العلاقة بين المعلم والتلميذ، ونحاول النبش في الأسباب التي جعلتها متوترة بعد أن كانت مقدسة. ن ف استفزازات نفرت تلاميذ من الدراسة حكايات تعنيف تحولت إلى حرب نفسية دفعت مراهقين إلى الهدر المدرسي لتفادي التحول إلى مجرمين «إذا أسندت الأمور إلى غيرها فانتظر الساعة"، حديث للرسول صلى الله عليه وسلم، يمكن إسقاطه على حالة بعض المعلمين الذين نسوا دورهم الحقيقي في التربية والتنشئة والتعليم لينجروا في لحظة ضعف إنساني للانتقام من تلاميذ في عمر أبنائهم، بعدما عطلوا ضميرهم وحسهم الإنساني، الذي لم تنفع معه دروس الوعظ والإرشاد والمواطنة، التي يلقنونها لرجال ونساء الغد. هي حالات معزولة لكن وقعها كان أشد على مستقبل تلاميذ لا ذنب لهم سوى أنهم ضحايا حظ عاثر جعلهم يدرسون لدى معلمين تسببوا لهم في كره المادة المتخصصين فيها وكذا في الدراسة بشكل عام، ما تطور إلى مناوشات واستفزازات متبادلة وافتقاد للاحترام الواجب بين الطرفين، لينتهي الصراع بقرار الانسحاب من المعركة ومغادرة مقاعد الدراسة، خوفا من تداعيات خطيرة يمكن أن تنتهي بدخول عالم الإجرام من بابه الواسع. لكمات وركل ورفس من بين الحالات التي وجدت نفسها ضحية لعداء بين التلميذ والمعلم نتيجة استفزازات، من قبل من يفترض فيه الإصلاح، مراد (اسم مستعار) تلميذ وجد نفسه مضطرا إلى الاعتداء على مدرسه، إذ انهال عليه داخل الفصل الدراسي باللكمات والركل والرفس. وكشف التلميذ، وهو يستعيد شريط ذكرياته، التي لن يمحوها الزمن بسبب تداعياتها على مستقبله الدراسي، أنه قام بتعنيف أستاذه بعدما نفد صبره من استفزازاته المتكررة، المتمثلة في إمطاره بوابل من السب والقذف ومسه في شرف عائلته بسبه لوالدته ونعتها بأقبح الأوصاف، وهو ما تسبب له في الاعتقال قبل الإفراج عنه بعد تنازل الأستاذ، الذي رغم تعرضه للاعتداء إلا أنه أحس بالذنب تجاه مراهق لا ذنب له سوى أنه ضحية قبل أن يكون جانيا. ورغم التنازل الذي قدمه الأستاذ لفائدة تلميذه بعد تدخل ذوي النيات الحسنة وإحساسه المتأخر بوخز الضمير تجاه واحد من القاصرين، الذين في عمر ابنه، إلا أن مراد البالغ ساعتها 16 سنة، قرر ترك مقاعد الدراسة وتوديعه الإعدادية التي يدرس بها، رغم صعوبة القرار ومعارضة أسرته، بعدما شدد على أنه لن يعود إلى فضاء يمكن أن يحوله في لحظة غضب وإحساس ب"الحكرة» إلى مجرم. وأوضح المتحدث نفسه، أنه استطاع إقناع أسرته بترك الدراسة واستبدالها ب"صنعة" الأليمنيوم التي أهلته ليتحول من متعلم إلى معلم يشق طريقه بثبات نحو النجاح. وعلق مراد على حكايته بالقول "هناك نماذج لحالات عديدة تعرضت لاستفزازات أساتذة حتى فضلت الهدر المدرسي، رغم صعوبته، مضيفا " كاينين شي أساتذة ما شفنا منهم غير الخير والإحسان وكاين اللي كيعاون التلاميذ ديالوا المعوزين ماديا ومعنويا باش انجحوا فقرايتهم، ولكن كاينين فئات أخرى الله اسمح ليها كرهات التلميذ فالدراسة واللي إجي منها". احتقار واستفزاز وليست قصة مراد هي الوحيدة، بل هناك قصص معاشة لتلاميذ، وجدوا أنفسهم كسالى، بعدما قرروا التمرد بطريقتهم الخاصة على سلوكات غير سوية لأساتذة ومعلمين، تركوا واجبهم المهني وغلبوا عواطفهم ومشاكلهم على المصلحة الفضلى للتلميذ. ومن السلوكات التي جعلت محمد يكره مادة الفلسفة، فشل أستاذه في كيفية تصحيح أخطائه، التي يرتكبها رفقة باقي أقرانه أثناء إنجاز التمارين، أو أثناء محاولته شرح الدرس. ويحكي محمد الذي رغم تمكنه من النجاة من الهدر المدرسي ومتابعته دراسته إلى أن صار موظفا بشركة للمعلوميات، إلا أنه مازال متأثرا على الصعيد النفسي من احتقار أستاذه له واستفزازه، بجعله مثارا للسخرية كلما حاول فهم مسألة معقدة أثناء شرح الدرس. «حتى واحد ماتزاد معلم ولكن شي أساتذة الله يسامح ليهم نساو الدور ديالهم وعقدوا التلميذ من المادة والقراية كاملة حيت ماواعينش وخاصهم إعادة التكوين براسهم»...هي عبارة جاءت على لسان محمد وهو يحكي بنبرة غاضبة، رغم مرور خمس سنوات على الواقعة، التي تعرض لها خلال مستوى "الباكالوريا»، مشيرا إلى أنه أصيب بالإحباط في البداية، قبل أن يستدرك الوضع بعد نصح عائلته وزملائه، الذين نصحوه بعدم الاكتراث والتركيز على الامتحانات خشية عليه من تضييع مستقبله الذي يوجد في مرحلة دقيقة. ساحة للاقتتال وإذا كان محمد من التلاميذ الذين استطاعوا تحمل الضغط وتفادي تداعيات حصص التعذيب النفسي المسلطة عليهم، من قبل أساتذة يتلذذون بتعذيب تلاميذهم في محاولة لفرض الذات وتخويف كل من يفكر في المعارضة أو مناقشة أساليب التدريس، فإن هناك من الفئات التي لم تصمد طويلا وانتهى بها المطاف إلى الهدر المدرسي. فاتن واحدة من التلميذات اللواتي غادرن الفصل الدراسي وفضلن اللجوء إلى البيت خيارا للسلم، في انتظار فارس الأحلام لانتشالها من واقع الظلم والإحباط، بعدما ضاق صدرها من استفزازات أستاذتها في مادة الاجتماعيات وهي في مرحلة الثانوي، التي كانت علاقتهما جد متوترة لأسباب لا علاقة لها بالدراسة وإنما لسوء تفاهم ومحاولة لفرض كيفية ارتداء اللباس، التي تحولت إلى مشكل شخصي أثر على علاقة الأستاذة بتلميذتها. وساهم إصرار الأستاذة على فرض عقوبات في حق فاتن، وعرضها على المجلس التأديبي للمؤسسة، بتهمة الإهانة وعدم الاحترام، (ساهم) في دفع التلميذة إلى مغادرة المؤسسة التعليمية ومقاطعة الدراسة، رغم محاولات الصلح التي أجريت لتفادي ضياع مستقبل تلميذة تعاني في الأصل مشاكل عائلية بسبب طلاق والديها، ليتم إسدال الستار على ظاهرة أصبحت مستفحلة في المؤسسات التعليمية، التي تحولت من فضاء للتربية والتعليم إلى ساحة للاقتتال بين الأستاذ والتلميذ. محمد بها

التلميذ والمعلم… “المش مع الفار”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المومني… ملاكم هاو بقفازات الخيانة

الأمراني: علاقة ندية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات