معاداة “التطور”… عزلة المنكرين

تعارض النظرية مع السردية الإسلامية حول الفقهاء إلى مصارعي طواحين الهواء تجاوزت المجتمعات الغربية هراء معاداة نظرية التطور، وابتليت به في الآونة الأخيرة، المجتمعات الإسلامية، التي لا يتوفر جل فقهائها على أي تكوين علمي، يؤهلهم للإفتاء في مسائل علمية مخبرية دقيقة، كما هو الأمر بالنسبة إلى التطور والانتخاب الطبيعي، وحكاية بداية الحياة على كوكب الأرض. وأصبحت معاداة نظرية التطور، وتسفيهها ومحاولة إظهارها بصورة مشوهة، "موضة" فقهاء القرن الواحد والعشرين، في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، عكس فقهاء القرن الماضي، الذين لزموا حدودهم، وابتعدوا عن مجال العلوم الدقيقة، الذي لا تربطهم به أي صلة، وركزوا في العلوم الدينية التي درسوها، ووظفوها في شرح الدين للمؤمنين. وأما فقهاء اليوم، الذين أصبحوا محاصرين بأسئلة الأجيال الجديدة، التي أضحت أكثر إلحاحا، وتريد معرفة حقيقة حكاية الكون وأصل الحياة على كوكب الأرض، فواجهوا العلوم بنوع من الرفض، الذي يصل أحيانا إلى العداء والإنكار، وبما أن نظرية التطور، تشكل لبنة مهمة في فهم تاريخ الحياة وتطور الأحياء، فإن الفقهاء ركزوا جهودهم على محاربتها، لأنها تنسف السردية الإسلامية، في ما يتعلق بفهم المؤمن لتاريخ الحياة والأحياء. وبما أن الفقهاء استشعروا خطر نظرية التطور، على سلطتهم في تفسير الأسئلة الوجودية الكبرى، من قبيل أصل الإنسان وتاريخه، والهدف من وجوده، ومآله بعد الموت، فإنهم اختاروا سبيل التضليل والإنكار وتشويه هذه النظرية، التي غيرت منحى العلوم الدقيقة، ووجهت علم الأحياء والبيولوجيا وعلم الحفريات وغيرها من العلوم المرتبطة بها. ويدور مسلسل معاداة العلوم عموما، ونظرية التطور خصوصا، على السلطة المعنوية، التي فقدها ويفقدها الفقهاء ورجال الدين عبر العالم، إذ أن العلوم الحديثة، قلصت مجال تدخل الفقهاء في حياة الناس، وحصرت مهمتهم في شرح العبادات والطقوس الدينية، بينما سلبت منهم سلطة الإفتاء في أمور الدولة، وتحليل الظواهر والكوارث. وتقدم المرجعيات الدينية تفسيرات تقليدية وبسيطة، لا تسمو إلى مستوى الفهم الذي وصلت إليه العلوم الحديثة، بل إنها تعاكس الحقيقة العلمية، وتنطلق من مبادئ لاهوتية، لا علاقة لها بالتجربة والملاحظة والاستنتاج، عكس النظريات العلمية، لكن الفقهاء يقبلون بتفسيرات الكتب المقدسة البسيطة، وينكرون فهم العلوم لأصل الحياة وتطورها، لأهداف واضحة، ترمي إلى الحفاظ على السلطة المعنوية والتوجيهية للمجتمعات. وفهم رجال الدين في الديانتين المسيحية واليهودية الدرس قبل قرون وعقود طويلة، إذ قاموا بنقد ذاتي حقيقي، وابتعدوا عن مجال العلوم الحديثة، وحاولوا أن يبعدوا الدين من حلبة الصراع مع العلم، بعد انتصار العلم في عصر الثورة العلمية والتكنولوجية، لكن فقهاء الإسلام مصرون على إقحام الإسلام في هذه الحرب، التي يتضرر منها الدين أولا، لأنه لا يستطيع مجاراة العلم، ولأنه ثابت لا يتغير عكس العلم، الذي يقدم كل يوم تحديثات جديدة، أما الفقهاء فيكررون الفكرة نفسها، التي لا تستطيع إقناع الفقهاء أنفسهم، وما بالك بالعلماء ومن يدورون في فلكهم. واستورد فقهاء القرن الواحد والعشرين في البلدان الإسلامية، بعض الأدلة المسكوكة التي لا تملك أي قيمة علمية، والتي كان يجادل بها بعض المؤمنين بنظرية الخلق في أمريكا وبعض دول أوربا، والتي استخدمت في القرن الماضي من أجل محاربة نظرية التطور، كما هو الأمر بالنسبة إلى المؤمنين بنظرية الأرض المسطحة، والذين ينظر إليهم في دولهم بنوع من الشفقة، وأصبحوا فئة معزولة، تنتظم في جمعيات لا صيت لها. وهناك من المعادين لنظرية التطور بالبلدان الإسلامية اليوم، يشتغلون في ميدان التدريس، ويدرسون للتلميذ نظرية التطور في المدارس الحكومية، كما هو الأمر في المغرب، والتي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال البيولوجيا، لأنها عماد هذا العلم، لكنه بعد نهاية الدرس، يخبرون التلميذ أنهم لا يؤمنون بما يدرسون، لكنهم مجبرون، وهذا الأمر يعمق الهوة بين التلاميذ والعلوم، ويعقد اندماجهم في الفهم المعاصر للحياة وأصلها وتاريخها. عصام الناصيري

معاداة “التطور”… عزلة المنكرين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نظرية التطور... تاريخ ومجادلات

العقرة: نظرية تعارض القرآن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات