التشكيك في التلقيح… شجرة تخفي غابة

صراع على قبعة العالم وتأطير المجتمع في أوقات الأزمات وجدت الكثير من الدول نفسها أمام تحد صعب، يتعلق بعزوف مواطنيها عن أخذ جرعات التلقيح، الأمر الذي يهدد الأمن الصحي لهذه الدول، ويضيع على الحكومات والدول فرصا كبيرة للاستثمار، وأخر العودة إلى الحياة الطبيعية، وشل النشاط التجاري في قطاعات مختلفة، بسبب انتشار خطاب المؤامرة والتشكيك، الذي سيطر على عقول فئات عريضة من المواطنين، من ثقافات وأديان وأعراق مختلفة، وجعلها تتمرد على القرارات السيادية لحكوماتها. وبما أن جل الدول في شمال إفريقيا والعالم الإسلامي، نالت نصيبها من هذه الحرب النفسية والاقتصادية، بسبب خطاب التشكيك، فإنها وقفت عاجزة أمام رأي يرفض الانخراط في جبهة مكافحة فيروس كورونا، ولم تجد بعد طريقة مناسبة من أجل حل هذه الإشكالية، خاصة أن أساليب التحسيس والتوعية لم تنفع مع المتمردين، كما أن الفرض بالقوة يتناقض مع منظومة الحقوق والحريات، والقيم الديمقراطية القائمة على مبدأ الحرية، رغم أن هذا المبدأ يتحول إلى عدو للإنسانية في الأزمات، وحينما يتعلق الأمر بتهديد مشترك، يضع السيادة الصحية على المحك. وساهم المتدينون المتطرفون في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وحتى في الدول المسيحية، في إذكاء خطاب المؤامرة والتشكيك، نتيجة عجز هذه الفئة عن تقديم حلول عملية لشعوب الدول الحديثة، بسبب نكرانهم للعلم والتشبث بالنصوص الدينية ومسألة القضاء والقدر، التي لم يعد لها مجال في المجتمع العلمي والتقني، الذي يؤمن بالعلم المجرد، والتجربة العلمية داخل المختبر، ويستبعد كل التفسيرات الميتافيزيفية للظواهر. ولن يكون هذا التحول الجذري في التعاطي مع أزمات العصر سهلا، إذ أن المحسوبين على التيار اللاهوتي وأتباعهم، لن يفرطوا في سلطتهم وحظوتهم، التي استفادوا منها لقرون كثيرة، على أن تطور شكل الدولة والمجتمع، وضعهم على الهامش، ولم تعد الحاجة إليهم، بل إن الدول تتعامل معهم باعتبارهم عبئا يصعب التخلص منه، لأنهم يسيطرون على فئات كبيرة من المجتمع، ما يدفعها أحيانا لتقديم تنازلات وترضيات، قصد الحفاظ على السلم الاجتماعي. ورغم أن التيارات الدينية المتطرفة، تستعمل أدوات العصر الحديث، في حربها ضد التيار العلمي والتقني، إلا أنها ترفض التنازل عن سلطتها، وتحاول إقحام نفسها، رغم أنها فاقدة لأي نوع من الإضافة، وتكتفي بالضغط والمناورة، حفاظ على ما تبقى من قلاع سلطتها الرمزية. ويبدو أن الوقت قد حان من أجل الحسم في الصراع الخفي- الظاهر، بين العلم والميتافيزيقا، الذي استمر لقرون طويلة، خاصة أن حياة الإنسان أصبحت مهددة، وتتربص بها أخطار مختلفة، أبرزها فيروس كورنا، الذي فاجأ الجميع، ووجد الدول لم تحسم بعد في الجهة، الكفيلة بتأطير المجتمع، والحديث معه بخطاب موحد، إذ خرج علماء الجامعات والمختبرات لتأطير الناس ونصحهم، وخرج الفقهاء والمتدينون من جهة أخرى يعطون تأويلات مغايرة، من قبيل قرب الساعة وعذاب السماء للبشر، لأنهم ابتعدوا عن الدين. ويجب أن تتوفر للدول الجرأة، من أجل إنقاذ المواطنين، الذين مات جزء كبير منهم، بسبب تضليل المتطرفين، ودفعهم نحو رفض التلقيح واعتباره مؤامرة، ورفض الالتزامات بالإجراءات الاحترازية، وهو ما أصبح يسائل مبدأ حرية التعبير، خاصة حينما تصبح شبحا يهدد حياة البشر، ويمكن للدول أن تستغل الفرصة من أجل حسم النقاش، في مسألة من هو العالم، هل مدير المختبر، أم حافظ متن السلف، إذا كانت لها فعلا نية تريد خيرا بالإنسان، الذي لا يمكن أن يتأتى إلا بالإيمان بالعلم المجرد والبعد عن التأويلات اللاهوتية، وحصرها في ما هو شخصي طقوسي. عصام الناصيري

التشكيك في التلقيح… شجرة تخفي غابة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفقه الإسلامي متأخر عن المجتمعات

الفيزازي: الطب بعيد عن الفقه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات