الـدين اخـتطـف من النـساء

ناشيد: الذكور جعلوا من تأويله مشروعا للهيمنة ونحن نسير بخطى متعثرة في مجال المرأة قال سعيد ناشيد، الكاتب والباحث في التراث الإسلامي، إن سبب ضعف مشاركة النساء في تدبير الشأن العام، راجع إلى عوامل تاريخية ومجتمعية، مكنت الذكور من السيطرة على التأويل والفهم الديني، وجعلوا منه مشروعا للهيمنة والسيطرة على النساء. وأضاف صاحب كتاب التداوي بالفلسفة، أننا نسير بخطى متعثرة في مجال المرأة، غير أن تعيين أول رئيسة حكومة في تونس، وترؤس نساء لمدن وجهات بالمغرب، مؤشران دالان على تحولات كبيرة، ستؤدي إلى مراجعة المرجعية الدينية نفسها. > هل توجد في الإسلام آثار لمفهوم تدبير الشأن العام؟ > تدبير الشأن العام مفهوم حديث على المجتمعات الإسلامية، سواء في ما يتعلق بالمستوى الأول (التدبير)، لأن الحديث عن التدبير في الحقل السياسي، يدل على وجود ثقافة توافقية، لكن في العصور الماضية، كان الطابع السائد هو ثقافة الغلبة، إذ لم نكن نتحدث عن التوافقات. وأما الشأن العام، فهو أيضا مفهوم حديث، ومرتبط بمصطلحات أخرى، من قبيل الفضاء العمومي، والنقاش العمومي، لكن في الثقافة السياسية القديمة، كانت هناك فقط رعية تتلقى الأوامر، ويجب أن تطيع، إذ كان مفهوم الطاعة أساسيا في علاقة الحاكم بالرعية. > هل يحق للمرأة دينيا أن تدير الشؤون العامة للمسلمين؟ > طبعا هذا السؤال مركب، وليس من السهل الإجابة عنه، إذ يحتمل الإجابة بنعم ولا، حسب مفهومنا للدين وماذا نقصد به، فإذا كنا نقصد تراث الفقهاء وما يسمى الشريعة، فنصل إلى نتيجة أن المرأة ليس من حقها المشاركة في تدبير الشأن العام. وأما إذا انطلقنا من معنى آخر للدين، والاعتماد على العقيدة بدل الشريعة، واعتبار أن الأصل هو الخطاب القرآني، وليس المتن الحديثي والصحابي والتابعي، فيمكن أن نصل إلى جواب، مفاده أن للمرأة الحق في التدبير والمشاركة فيه، ودليل هذا، أن صورة المرأة في الخطاب القرآني، من خلال شخصية بلقيس، نجد أنها حاكمة وحكيمة، وقادرة على تدبير شؤون قومها بكفاءة عالية، لكن بالمقابل هناك أقوال كثيرة في المتن الحديثي، من قبيل (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، أو (المرأة ناقصة عقل ودين) وغيرها، ومن هنا نكتشف أن نظرتنا ومنطلقاتنا إلى الدين هي التي تحدد النتيجة. > برأيك لماذا لم تتمكن المرأة في المجتمعات الإسلامية من حقها في تدبير الشأن العام بشكل متساو مع الرجل؟ > أولا يجب أن نعترف بحقيقة تاريخية، مفادها أن المرأة في عموم المجتمعات البشرية، لم تشرع في انتزاع حقوقها إلا في مطلع القرن العشرين تقريبا، لكن يمكن القول إن مجتمعاتنا تسير بخطى متعثرة، مقارنة مع مجتمعات أخرى، من قبيل بعض الدول الإفريقية، حتى لا نقارن أنفسنا بالدول الأكثر حداثة.نحن متعثرون كثيرا في مجال المرأة، إلى درجة أن موضوع المرأة أساسي ومركزي للعقل المتطرف، فكلما تحدث هذا العقل إلا وركز اهتمامه على المرأة، فعند الحديث عن الفساد ينظر العقل مباشرة إلى لباس المرأة. ونتذكر أن أول خطاب للثوار بعد سقوط القذافي في ليبيا، الذي قالوا فيه إنهم سيعودون إلى نظام تعدد الزوجات، الأمر نفسه بالنسبة إلى الغنوشي في تونس، الذي كانت خطاباته الأولى مركزة حول المرأة، ويقترح بدل المساواة أن تكون المرأة مكملة للرجل، ويتكبد عناء كبيرا في تقليص هامش حقوق المرأة، وهذا الأمر يحتاج صراحة إلى دراسة نفسية موسعة. هل يفهم من حديثك أن هناك جذورا في الإسلام لظاهرة استفراد الرجال بالحكم في مجتمعات اليوم؟ يجب أن نعترف بوجود ثقل فقهي تراثي خطير، ويمكن أن نضرب مثالا في هذا الباب، فالهوية الدينية نفسها مرتبطة بالنسب الذكوري، فالأب المسلم والأم غير المسلمة، يكون طفلهما بالضرورة مسلما، وإذا اختار دينا آخر فهو مرتد، بل هو مسلم منذ الحمل، يعني أن الهوية الدينية مرتبطة بالنسب الذكوري، وهو ما يؤكد الطابع الذكوري المفرط للفقه. ويمكن أن نسرد مثالا آخر، وهو مفهوم العورة، والتي تعني في اللغة الثغر الذي ينفذ منه العدو، وكأن المرأة هو الثغر الذي يتسرب منه العداء، لذا وجب أن نغلقه ونحرص عليه، لهذا يبقى هذا العقل الذكوري صعبا جدا، والتحرر منه عمل شاق في النهاية، لكن هناك بوادر ومؤشرات عكس هذا الفهم، من قبيل تعيين رئيسة حكومة في تونس، وترؤس نساء جهات ومدن مغربية كبرى، وهو ما يؤكد أننا مقبلون على تحولات كبيرة، ستكون لها آثار في مراجعة المرجعية الدينية نفسها. مشروع هيمنة > أشرت في متن حديثك إلى أقوال وأحاديث تنتقص من المرأة، في اعتقادك هل نحن أمام معتقد ذكوري أم يتعلق الأمر باختطاف الرجال لحقوق وأدوار النساء؟ > طبعا هذه الأقوال والأحاديث مردود عليها بالمنطق الديني نفسه، لأن معظم الأحاديث المنسوبة إلى الرسول روتها زوجته عائشة، وهي امرأة، إذن فكيف نأخذ أكثر من نصف ديننا عن امرأة ناقصة عقل ودين؟، فعلا هذا نوع من الاختطاف الذكوري لحقوق النساء، من أجل الهيمنة، ولا ننسى أن كل تأويل لأي تراث هو مشروع هيمنة، وهذا الأمر هو ما حدث. ودليل وجود اختطاف ذكوري للدين، هو صورة المرأة في الخطاب القرآني، التي تختلف كليا عما هو موجود في التراث، إضافة إلى علاقة الرسول بخديجة، التي كانت زوجته، ليس فقط الأولى، بل الوحيدة إلى حين وفاتها، وكذا طبيعة العلاقة بينهما التي لم يكن فيها أي قدر من النزعة الذكورية أو الهيمنة، إضافة إلى المسجد في عهد الرسول وطريقة اصطفاف النساء داخله، وعدم وجود معازل خاصة بالنساء، الأمر نفسه بالنسبة إلى الحجاب وغيره.

الـدين اخـتطـف من النـساء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اقتناء الكتب... رحلة نحو الجحيم

"الزطاطة" تطيح بـ11 جانحا بفاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات