مسرح الجديدة… ذاكرة بالصور والملصقات

كتاب يستعيد تاريخ المعلمة التي حملت اسم الراحل عفيفي تزامنا مع مائوية تدشينها صدر أخيرا كتاب جماعي بعنوان "الحقبة الجميلة للمسرح البلدي لمازاغان / الجديدة (1946-1954)" من توقيع الحاج عبد المجيد نجدي والمصطفى خيار ومولاي أحمد الصديقي، وتقديم المسرحي والإعلامي السابق باقر لمسفر. الكتاب عبارة عن سفر بالوثائق والصور والملصقات في ذاكرة هذه المعلمة الفنية، التي صارت تحمل اسم "مسرح عفيفي"، تزامنا مع الذكرى المائوية لتشييده، ويميط هذا الإصدار اللثام عن جانب غير معروف من تاريخ هذا المعلمة والذي ظل محفوظا في الأرشيف وفي أذهان ووجدان من حضروا تلك العروض ومعظمهم رحل وأخذ معه تلك الذكريات إلى القبر دون أثر. في هذا الخاص تستعيد معكم "الصباح" محطات من ذاكرة هذا المكان. إعداد: عزيز المجدوب من يصدق أن تلك البناية الشامخة التي تتوسط الجديدة، منذ حوالي قرن من الزمان، ضمت بين جدرانها عروضا فنية لأبرز نجوم العالم، خلال النصف الأول من القرن العشرين. إنه المسرح البلدي للمدينة، الذي بفضله وطأت قدما إديث بياف أرض دكالة، وصدح سليم الهلالي بآهاته التي تختزل كل التراث الغنائي المتوسطي، وتحرك على ركحه يوسف وهبي عميد المسرح العربي وأمينة رزق والعديد من نجوم الشاشة الفضية الذين قدموا عروضهم أمام جمهور هذه المعلمة التاريخية، خلال فترتها الذهبية والجميلة التي حرص واضعو كتاب "الحقبة الجميلة للمسرح البلدي مازاغان/ الجديدة" على توثيقها وتخليد أبرز لحظاتها. واختار واضعو الكتاب ومعدوه وهم الحاج عبد المجيد نجدي والمصطفى خيار ومولاي أحمد الصديقي، التركيز على الفترة ما بين 1946 و1954، مرحلة أساسية في إبراز توهج وتألق تلك البناية في تنشيط الحركة الثقافية والفنية بحاضرة "مازغان". وتميزت تلك المرحلة بإشراف الفرنسي هنري دوغي، على إدارة المسرح البلدي للجديدة، بتكليف من بلدية مازاغان، تحت إشراف إدارة الحماية الفرنسية، ولحسن الحظ أن الرجل وبعد أن أدار باقتدار ذلك المرفق الثقافي والفني، ظل محتفظا بالأرشيف والوثائق والملصقات وقصاصات الجرائد والمجلات التي ظلت شاهد على تلك المرحلة، ووثقت مختلف الأنشطة والشخصيات الفنية والأدبية التي تعاقبت على ركح هذا الفضاء. وحاول المسرحي باقر لمسفر، في تقديمه، للكتاب التركيز على تلك المرحلة، معتبرا أن هذه الحقبة الجميلة هي جزء من الذاكرة الجديدية التي يجب توثيقها والاضطلاع عليها. ولأن ذاكرة الشعوب هي ثقافتها التي ستغربل على مر السنين٬ ليبقى الأجدر منها دررا للأجيال القادمة ويضمحل ما هو عاد وثابت. ولأن المسرح، حسب المدير المساعد السابق للمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، هو ذلك الفن الذي يتوهج تحت الأضواء، ولأنه يمكن أن يكون سفيرا فوق العادة لقضايانا المختلفة اجتماعية اقتصادية وسياسية وعلمية، ولأنه يفرض احتراما لهويتنا الجديدية الأصيلة والمتفتحة على بقية الحضارات والثقافات في أرجاء العالم كافة، فانه إذا لم يتم إحياؤه والاحتفاء به وتحصينه ضد الطفيليات فإنه سرعان ما يغيب ويزيغ عن هدفه الأسمى. في البدء قاعة حفلات يتضمن الكتاب إشارات إلى الإرهاصات الأولى التي تمخض عنها ميلاد هذه المعلمة الفنية بالجديدة التي شيدت في شتنبر 1920 بساحة "ليوطي" التي كانت تشكل المركز الإداري والحيوي للمدينة، أو هكذا اختارت إدارة الحماية تصميمها على هذا النحو، ضمن مجمع معماري يضم المسرح وبناية البريد ومجلس المدينة وبنك الدولة. وأشرف "إميل ديرو" رئيس المصالح البلدية بمازاغان، على وضع حجر الأساس لتلك المعلمة بحضور مجموعة من الأسماء التي تمثل إدارة الحماية الفرنسية، إضافة إلى باشا المدينة، آنذاك، علال بن ابراهيم بن ديو القاسمي، وشخصيات مدنية وعسكرية، فضلا عن أعيان قبائل دكالة. في البدء كانت الفكرة قائمة على تشييد قاعة حفلات على مساحة 900 متر مربع تسع 1500 شخص، لتتحول إلى مسرح ل600 كرسي، وتم تكليف المهندس الفرنسي بوضع تصميم للبناية، لتنتهي الأشغال بها في أكتوبر 1923 تحت اسم "القاعة البلدية للحفلات". وابتداء من 1930 وخلال فترة تولي روبير مورو مسؤولية رئاسة المصالح البلدية لمازاغان، تحولت البناية من قاعة للحفلات إلى مسرح يسع 658 مقعدا، وبني فيها 11 مخدعا على الطريقة الإيطالية، وكواليس ومرافق أخرى. وحسب الوثائق المدرجة في الكتاب فإن أول عرض مسرحي تم تقديمه على خشبة المسرح البلدي، في حلته الأولى التي كانت عبارة عن قاعة حفلات، مسرحية "المريض الوهمي" وهي آخر أعمال الأديب الفرنسي موليير، التي كتبها على فراش الموت في 1673. وقدمت تلك الرائعة الفنية بالجديدة يوم 10 دجنبر 1925 وهي عبارة عن كوميديا تتخللها لوحات راقصة، من ثلاثة فصول، أخرجها ويلي دروبنسكي، بمشاركة فرقة فنية فرنسية ومرافقة 40 موسيقيا استقدموا من قبل الجمعية الفنية لمازاغان التي كان يرأسها لويس ريب. هنري دوغي... نقطة التحول ظل تسيير البناية يتأرجح بين البلدية والجمعية الفنية لمازاغان إلى حدود نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات، حين تم تكليف الفرنسي هنري دوغي مديرا أول لمسرح مازاغان. تم استقدام دوغي من ضيعته التي استقر بها قبل سنوات بمنطقة "البير الجديد"، وكانت حينها تحمل اسم "سان أوبير"، فطلب من مسؤولي المصالح البلدية، مهلة للتجريب، قبل أن يلتحق بصفة عرضية. وضع هنري دوغي مخططا فنيا دقيقا مهد له بإعطاء دروس في الموسيقى والرقص الكلاسيكي، كما اقترح برمجة عروض فنية على طريقة مسرح الشارع أو ما كان يعرف ب"الفودفيل"، ولوحات أخرى عبارة عن كوميديا ودراما وأوبرا، إضافة إلى عروض خارج البناية بفضاءات مختلفة بالمدينة، مثل الشاطئ وقاعة الرياضات والحي البرتغالي وكذلك المناطق المجاورة. وتكون الطاقم الذي اشتغل مع هنري دوغي من 24 فردا بينهم عمال ومراقبون وعناصر أمن ومطافئ وشطاب، كان يتم استنفارهم وتجنيدهم مع كل عرض فني بالمسرح. وبالموازاة مع دروس الموسيقى والرقص التي استهل بها دوغي نشاطه الفني بالبناية تحت إشرافه وتنفيذ أساتذة مختصين، اقترح هنري على المسرحي الفرنسي أندري فوازان في 1952 إحداث محترف ومركز للأبحاث الدرامية مثل الذي أحدثه في الرباط والدار البيضاء، مطلع الخمسينات، سيكون بمثابة مشتل للممثلين وأهل المسرح. ظلت مرحلة هنري دوغي رغم أنها لم تتعد سنوات قليلة، من أزهى الحقب التي مر منها المسرح البلدي للجديدة، وأغزرها من حيث العروض الفنية والأسماء التي استقبلها، وقدمها للجمهور، إذ تضم قائمة الأعمال التي عرضت على خشبته عشرات العروض في مختلف المجالات الفنية من مسرح وسينما ورقص، ومن دول مختلفة منها فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وبولونيا ومصر وتونس والجزائر وغيرها. كما ساهمت تلك المعلمة في تقريب الثقافة الفرنسية من الجمهور الجديدي، إضافة إلى جعله ينفتح على ثقافات العالم من خلال العروض الأخرى لفنانين من جنسيات مختلفة، بل إن البلدي للجديدة، شرع في منافسة مع نظيره بالدار البيضاء الذي كان تحت إشراف مديره روجي سيليريي، فوجد دوغي في مواجهة غير مباشرة أفضت إلى إنهاء عقده، ليقرر توقيف تجربته ومغادرة المغرب بشكل نهائي في 1954، ليظل ريببرتوار الفترة التي أدار فيها المسرح شاهدا على ثراء وغنى حقبته. وظلت بناية المسرح البلدي للجديدة وفية للعروض المسرحية على الطريقة الإيطالية، إلى حدود نهاية الستينات، ومطلع السبعينات حين تولى الفنان الراحل محمد سعيد عفيفي إدارته، وخلال تلك المرحلة أنتج وأشرف أعمالا مسرحية مهمة من قبيل "السوانح" و"التكعكيعة" مع الفنانين محمد بنبراهيم ومحمد الدرهم ومحمد شهرمان، وظلت بصمة عفيفي حاضرة في تلك المعلمة إلى حين حملها اسمه في 2012 بقرار ملكي. نجوم مروا من هنا تضم قائمة الأعمال التي احتضنها المسرح البلدي للجديدة عشرات العروض المسرحية والفنية، إذ تشير الوثائق المتوفرة حسب المواسم ابتداء من 1946 أعمالا من قبيل مسرحية "جلسة مغلقة" وهي من تأليف الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وافتتح بها ذلك الموسم المسرحي بإخراج رايموند رولو، إضافة إلى مسرحيات لراسين وموليير وشكسبير ومارسيل بانيول وجان جيني وبول كلوديل وعرض مغربي بعنوان "الملك الشاعر: المعتمد بن عباد" من تأليف وإخراج إدريس لمسفر، وما لا يعد ولا يحصى من العروض التي كانت تقدم بشكل منتظم ووفق برنامج مكثف. ومن بين الأسماء التي مرت من هناك المخرج روبير فيرناي ورايموند ميلي (يناير 1947) والممثل الفرنسي لويس جوفي في مارس من السنة نفسها، والمسرحي جان كوكتو (يونيو 1948) والمخرج الفرنسي جاك سيفيراك (أبريل ونوبنر 1948) والموسيقار الإيطالي آرتورو توسكانيني (يوليوز 1949) والممثلة الأمريكية إيلينور ستيبير (غشت 1949) والفرقة الأمريكية "دارك ليديز" (أبريل 1950) والمغني الكوبي أنطونيو ماشان (نونبر 1950)، والنجم المغاربي سليم الهلالي (يوليوز 1951) وعازف البيانو البولوني ستانيزلاس نيدزلسكي (نونبر 1951) والمصريان يوسف وهبي وأمينة رزق (دجنبر 1951 ثم يناير 1952)، إضافة إلى الفنان سامي المغربي الذي أحيى حفلين في نونبر 1951 وأبريل 1952، والنجمة الفرنسية إديث بياف في ماي 1953، وعروض أخرى لجان فيلار وجيرارد فيليب وغيرهم.

مسرح الجديدة… ذاكرة بالصور والملصقات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نــصــيـــحــة: تجنب السهر

تجفيف منابع "المازوط" بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات