الطبقة الوسطى… مفهوم هلامي

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وضع معالم لتحديدها وآليات لتوسيع قاعدتها لا يوجد تعريف موحد لمفهوم الطبقة المتوسطة، إذ هناك من يحددها بناء على الدخل، في حين يذهب آخرون إلى وضع معايير متعلقة بنمط العيش والاحتياجات، ويعتبر البعض الآخر أن الطبقة الوسطى هي التي توجد بين الطبقات الفقيرة والغنية. واعتمدت المندوبية السامية للتخطيط في تحديدها للطبقات الوسطى بالمغرب على مقاربتين، تعتمد الأولى على الانتماء عن طريق التقييم الذاتي، التي تعكس نظرة السكان أنفسهم لوضعهم الاجتماعي، في حين تستند المقاربة الثانية إلى المعايير الموضوعية للدخل ومستوى المعيشة. وخلصت المندوبية إلى أن الطبقات المتوسطة، نشكل 55.8 % من المجتمع، وفق المقاربة الأولى، و 53 في المائة من إجمالي السكان، بإدراجها ضمن هذه الفئات الأشخاص الذين يتراوح دخلهم بين 2800 درهم و6736 درهما. وأثارت المقاربة المعتمدة من قبل المندوبية انتقادات واسعة، إذ يرى منتقدوها أن دخل الطبقة الوسطى يجب أن يحدد بناء على احتياجاتها الخاصة. وكشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن خلاصات دراسة أنجزها حول الموضوع بناء على إحالة من رئيس مجلس المستشارين، تستعرض صعوبة تحديد دقيق للطبقة الوسطى وتقدم سبل تعزيز مكتسباتها وتوسيع قاعدتها. تقدم «الصباح» أبرز ما جاء في الدراسة ومختلف التوصيات الصادرة عن المجلس من أجل المساهمة في توسيع قاعدة هذه الشريحة من المجتمع. عبد الواحد كنفاوي طبقة وسطى تعاني الهشاشة اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن المقاربة المعتمدة، من قبل المندوبية السامية للتخطيط تظل محدودة، إذ أن التعريف يغلب عليه الطابع الإحصائي، ما يجعل هذه المقاربة لا تأخذ بعين الاعتبار الخصائص الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالطبقة الوسطى. بالموازاة مع ذلك، فإن اعتماد نطاق موسع لعتبتي التصنيف ضمن الطبقة الوسطى يضخم حجمها ويؤدي إلى تصنيف طبقة تتسم بتباينات كبرى بين المستويات المعيشية للأسر التي تتكون منها، ما يجعل بلورة سياسات عمومية ملائمة قائمة على الاستهداف عملية معقدة وصعبة، بالنظر إلى أنه لم يتم رسم معالمها بناء على خصائص مشتركة. وأوضحت الدراسة أن الانشغالات المعبر عنها خلال بحث للمندوبية السامية للتخطيط حول انشغالات الطبقة الوسطى، أن الأسر المحسوبة على هذه الفئات المتوسطة، تعاني الهشاشة، إذ أن 86 في المائة من الأسر المتوسطة صرحت أن غلاء المعيشة وتقلب الحياة لا يزالان يشكلان انشغالها الرئيسي، ما يمثل مؤشرا على الهشاشة التي تسم الوضع الاجتماعي لهذه الفئات الاجتماعية المحسوبة على الطبقة الوسطى، التي يتعين أن يسمح لها وضعها المادي بالمساهمة بفعالية في النمو والتنمية. كما تنصب الانشغالات الرئيسية لـ 75 في المائة من الأسر المنتمية للطبقة الوسطى في المغرب على الوضعية الصحية والتكاليف المرتبطة بالعلاجات الطبية، فيما تهم انشغالات 70 في المائة من هذه الأسر بطالة الشباب ونقص الموارد المالية. تـعـريـف جـديـد اعتبر معدو الدراسة إلى أن الدخل أو مستوى الاستهلاك لا يسمحان لوحدهما بتحديد معالم طبقة اجتماعية، تتميز بقدرتها على أن تكون بمثابة ركيزة للاستقرار الاجتماعي والسياسي، ومحرك للتقدم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. لذا، ينبغي ألا يكون انشغالها منصبا فقط على توفير الاحتياجات الأساسية، بل ينبغي أن تكون الفئة الحاملة، أكثر من غيرها، لقيم الديمقراطية والمساواة والحداثة والكفاءة والاستحقاق. وتوصي دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بأن يرتكز تعريف الطبقات الوسطى على رصد الشرائح الاجتماعية التي تعيش ظروفا سوسيو-اقتصادية مُرْضِية، تتسم بديناميتها ويتولد عن نشاطها تحقيق التقدم والتنمية لفائدة جميع مكونات المجتمع. لذلك، يجب اعتماد تحليل محلي معمق، متعدد الأبعاد وديناميكي، على أن يتم تعزيزه بدراسة مقارنة تسلط الضوء على تجربة الدول المتقدمة، وتضعها في سياقها التاريخي. ويتعين، في انتظار ذلك، اعتماد مقاربة تقوم على اعتبار أن الفئات ذات الظروف المعيشية "المتوسطة"، هي التي ليست ذات مستوى عال جدا ولا منخفض للغاية، والتي تعد مواتية أكثر لإحداث دينامية إيجابية من التقدم والتنمية في البلاد، وهي الفئة التي تضم رأسمالا بشريا مؤهلا وذا كفاءة، أي بدءا من الأطر الوسطى في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، وكذا المهندسين والأطباء والمدرسين والعاملين المؤهلين تأهيلا عاليا، والأطر ذات الكفاءة المشتغلة في خدمة المجتمع على مستوى الوظيفة العمومية. وأشار تقرير المجلس إلى أن عددا من الباحثين قسموا هذه الطبقة إلى أربع فئات، مع وضع عتبات على أساس مؤشرات تهم السلوك والدخل والاستهلاك. واعتمد هؤلاء الباحثون فرضيات اقتصادية وسوسيولوجية قوية لتحديد ما إذا كانت أسرة أو فرد ما ينتميان إلى الطبقة الوسطى، من قبيل القدرة على توفير الاحتياجات الذاتية الكفيلة بتحقيق الرفاه وليس الاكتفاء بالضرورات الأساسية، إضافة إلى القدرة على الارتقاء الاجتماعي. وعمد الباحثون، بداية، إلى وضع حد أدنى لدخل الطبقة الوسطى على أساس العتبة المعتمدة من قبل الحكومة، ويتعلق الأمر بمؤشر مأخوذ من برامج السكن الموجهة إلى الطبقة الوسطى وهو وارد بشكل صريح في وثائق قطاع الإسكان، ويبلغ 8880 درهم شهريا، وتم تعديل هذا الحد الأدنى على أساس سبعة أوجه إنفاق اعتيادية للطبقة الوسطى تتمثل في السكن، والتنقل، والتغذية، والاستهلاك غير الغذائي، والصحة والتعليم، والترفيه والادخار. ووضع الباحثون، وفق هذه المقاربة، عتبة دنيا للدخل في حدود 11 ألفا و 110 دراهم في الشهر. وقسم الباحثون، بعد ذلك، الطبقة الوسطى إلى أربع فئات متمايزة، مع مراعاة عدم التجانس الكبير، الذي يسم مكونات هذه الطبقة الاجتماعية، إذ قسموا النفقات، وفق سيناريوهات ديموغرافية ومجتمعية قريبة إلى واقع الحال. ويتراوح دخل الفئة الأولى ما بين 11100 درهم و 14450، والثانية بين 14451 و 16650، والثالثة بين 16651 درهما و 20 ألفا، والرابعة بين 20001 درهم و 25 ألفا. واعتبرت دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن أهم معيار لتحديد انتماء شخص أو مجموعة ما إلى الطبقة الوسطى يتمثل في مدى مساهمة الفرد أو الأسرة أو الفئة المعنية في التقدم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية للبلاد ومدى سعيهما لتحسين ظروف عيشهما. آلية الارتقاء الاجتماعي وأبرز معدو الدراسة أن توسيع هذه الطبقات الاجتماعية الوسطى يمر عبر تحسين مستوى معيشتها وظروف عملها، من خلال سياسات عمومية تسمح للشرائح الفقيرة من السكان بالارتقاء نحو الطبقات الوسطى.ويجب أن تهدف هذه السياسات العمومية إلى إعادة إرساء آلية دائمة للارتقاء الاجتماعي لتمكين الأفراد الموجودين في أدنى السُّلَّمِ الاجتماعي من الحركية والاستمرار في الارتقاء وتحسين أوضاعهم. وأكد معدو الدراسة ضعف التدابير التي تستهدف الطبقة الوسطى بحصر المعنى، وذلك رغم مختلف التدابير التي تم اعتمادها لمحاولة إرساء منظومة جبائية عصرية ومنسجمة وناجعة ومنصفة. الولوج إلى مستويات معيشية أعلى يتطلب توسيع الطبقة الوسطى ، حسب دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تحفيز حركية اجتماعية صاعدة، هدفها القضاء على الفقر وتمكين السكان ذوي الدخل المنخفض والذين يعانون الهشاشة من الولوج إلى مستويات معيشية أعلى من عتبة الفقر، وذلك من أجل بلوغ درجة من الأمن الاقتصادي، أي التمكن من تغطية نفقات المعيشة واقتناء السلع الاستهلاكية المستدامة والاستثمار في الأنشطة الإنتاجية والادخار للمستقبل. وتظل إحدى الرافعات الرئيسية لمكافحة الفقر هي إدماج القطاع غير المنظم، علما أن العمل في الأنشطة غير المنظمة غالبًا ما يتسم بالاشتغال في أماكن عمل صغيرة أو غير نظامية وظروف شغل محفوفة بالمخاطر وتنعدم فيها شروط الصحة، وكذا بضعف المهارات وتدني الإنتاجية، وتحقيق مداخيل ضعيفة أو غير منتظمة، وساعات عمل طويلة، وعدم الولوج إلى المعلومة والأسواق والتمويلات والتكوين والوسائل التكنولوجية. الـنـهوض بالـطـبـقـة الـوسـطى أوصى المجلس الاقتصادي والبيئي، من أجل النهوض بالطبقة الوسطى، بوضع برامج للبحث حول الطبقة الوسطى، من أجل تحسين المعارف حول الفئات الاجتماعية التي تساهم بشكل أكثر في النمو والتنمية، وإثراء وتحديث المنظومة الوطنية للإحصاء، بما يتيح تحسين وتتبع الأجور في القطاع الخاص والدخل غير الأجري، وتطوير مؤشرات حول القدرة الشرائية وظروف المعيشة والممتلكات، وتطوير مؤشرات حول القدرة الشرائية وظروف المعيشة والممتلكات، ونشر الإحصائيات السكانية على نطاق واسع. كما طالب المجلس بضرورة التسريع ببلورة أو مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتنفيذ مشروع إصلاح الإدارة العمومية المتمثل في الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2021 - 2018 ، التي ترتكز على أربعة تحولات هيكلية تتضمن تدابير هامة لتطوير مهن الوظيفة العمومية، لا سيما التحول الذي يهم التدبير بالكفاءات من خلال مراجعة الإطار المرجعي للوظائف والكفاءات والتدبير التوقعي المرتبط بها، وتطوير منظومة الولوج إلى الوظائف العمومية وتحسين الحماية الاجتماعية للموظف، وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا والمتوسطة. وشدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على ضرورة تعميم وتطوير التعليم الأولي، بوصفه عاملا أساسيا في تكافؤ الفرص، والعمل على ملاءمة المقررات التعليمية لحاجيات البلاد، والحرص على ملاءمة المضامين التعليمية، خاصة بالنسبة إلى التعليم العالي والتكوين المهني، مع التحولات التي يمليها التقدم التكنولوجي ومع المستجدات المتعلقة بظهور مهن وطرق عمل جديدة. في السياق ذاته طالب المجلس بتقوية وتعزيز مسارات أخرى للارتقاء الاجتماعي، سيما من خلال الرياضة والثقافة، ووضع وتعزيز تدابير للنهوض بولوج المرأة إلى سوق الشغل وتشجيع المبادرة المقاولاتية النسائية، وتقوية تمثيليتها في الأجهزة التقريرية للمقاولات، مع مراعاة دورها الاجتماعي. كما يتعين، من أجل توسيع قاعدة الطبقة الوسطى تنفيذ سياسة فلاحية ملائمة لصغار الفلاحين والفلاحين المتوسطين لتمكينهم من تحسين ظروف تنظيم وإنتاج وتوزيع منتوجاتهم الفلاحية، من خلال وضع تحفيزات لتشجيع الانتظام في إطار تعاونيات أو غيرها من أشكال التجميع الأكثر مرونة. واقترح المجلس عددا من الإجراءات التي يتعين اعتمادها من أجل تنمية الطبقة الوسطى.

الطبقة الوسطى… مفهوم هلامي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

هذه أسباب رفض "حزب الشعب الملكي"

فاجعتان في يوم واحد بالبيضاء

مقالات ذات صلة