فاس تسترجع جذورها الأندلسية

صوت اللبنانية عبير يبعث الروح في بلوط البطحاء من مختلف بقاع العالم، قدموا إلى فاس المحروسة حاملين رسائل السلام والروحانية، لتقديم عروض في المواقع التاريخية للمدينة، من خلال برمجة غنية، لم تستثن رياضات بقلب المدينة العتيقة المحتاجة إلى الكشف واكتشاف ليلها الساحر والمغري ونفائسها المعمارية والتاريخية، موازاة مع حفلات المواقع المألوفة التي تواصل لليوم الثالث. حلق جمهور متحف البطحاء، عصر أول أمس (الاثنين)، بعيدا في سماء ريبرتوار غنائي ديني بامتياز، سافرت عبره الفنانة اللبنانية عبير نعمة، في عوالم إبداعية خالها البعض فيروزية المنبع والمصدر، لكن اتضح أنها «ماركة مسجلة» لصوت رصين وصدوح ومؤثر في النفوس ونافذ إلى الأعماق والأفئدة، قبل المسامع والآذان. لم يحتج هذا الصوت المشبع بإيمان شخصي، إلى استئذان مسبق أو مفعول سحري، كي يجعل مئات الأشخاص ممن حضروا هذا الحفل الرائع قبل يوم من سهرتها المشتركة مع الفنان علي علوي بساحة أبي الجنود، يهيمون في سفر روحاني تناسوا فيه ذواتهم، وهم يحلقون على أجنحة تجربة فنية متميزة. مشاهد عديدة تؤكد تأثير هذه الفنانة، فيمن حضروا لهذا المكان البادخ الذي شيده المولى الحسن ووسعه المولى عبد العزيز، قبل أن يتحول إلى متحف بعدما كانت تقام فيه الاجتماعات الملكية خلال إقامة السلطان فيه، بينها انبطاح حسناوات أجنبيات، أرضا في انصهار تام مع ترانيم موسيقية نافذة، كما لو كن يخضعن إلى حصة «يوغا». صحفية شقراء تسير بين الكراسي حافية القدمين، بحثا عن صورة نادرة لفنانة بعثت الحياة في جذور وجذوع شجرة البلوط الموغلة في القدم والشاهدة على صفحات ناصعة من تاريخ هذا المهرجان.. لم تأبه للنظرات المتلصصة أو تعليقات الفضوليين، كما ذاك السفر الروحاني الذي اختاره مسن غير بعيد عن موقع تحركها. «مساء الخير للجميع. لي كبير الشرف أن أكون بينكم في هذا المكان الجميل بفاس الحالمة. وأتمنى لكم أمسية جميلة».. عبارات قالتها الفنانة عبير نعمة قبل أن تبرع في أداء ريبرتوارها الديني المتشعب ذي الأصول المارونية والبيزنطية والسريانية، بشكل بعث الروح والحياة في المكان وجذور التقاليد الأرمينية العريقة. تقاسيم على آلة القانون كسرت هدوء مكان مؤثث بشكل لا يخلو من إبداع، بعدما عج بالزوار من مختلف الجنسيات في جلسة حميمية وروحانية على إيقاع كؤوس الشاي المنعنع، قبل أن ينساب صوتها الصافي اللطيف بشكل بدت فيه كما لو تحلق فوق الزمن وقد هامت بأذهان الجمهور بعيدا عن المشاغل الفكرية اليومية. في هذه السهرة، أمتعت الجمهور بنماذج من ربرتوارها الذي تستقيه من التقاليد المسيحية الشرقية والعربية المتنوعة، محاولة ترجمة ما تحمله في دواخلها من موروث صوتي غريغوري وأرثوذوكسي، وهي التي تنتعش بذاكرة الشرق الأوسط التوراتي، وغناؤها يجمع بين الماضي والحاضر وينهل من الشعائر العريقة والتأملية. وتحولت في لحظة انتشاء وانصهار، كما لو كانت فيروزا ثانية، ما لم تنكره في تصريحات صحافية، مؤكدة اعتزازها بتجربة فيروز والإخوة الرحباني ووديع الصافي، مؤكدة أنها تجسد العاطفة القديمة في الأغاني السريانية، وفي اللغة الأرمينية العتيقة التي تحاول إحياءها والبحث فيها وهي الباحثة الجامعية في هذا المجال.وتؤكد الفنانة والباحثة الموسيقية عبير نعمة، ذات الإلمام الواسع والمعمق بعلم الموسيقى، أنها تسعى باستمرار إلى اكتشاف غنى التقاليد العالمية، دون أن تفرط في تقاليدها، معلنة قرب خوضها تجارب غناء أغان فارسية وأرمينية في مهرجانات، لأن "الموسيقى لا تحتاج إلى جواز سفر للتحليق بين الدول والأمصار". وأبدت اعتزازها بإحياء اللغة الآرامية والبحث في ألوان موسيقية آرامية كلدانية أشورية وبمختلف اللهجات، ما تحاول إبرازه في برنامج "موسيقى الشعوب" الذي تبدعه على قناة الميادين التلفزيونية، التي قالت إنها ستصور عدة حلقات منه بالمغرب خاصة ما يتعلق بالموسيقى الأمازيغية وبعض الألوان التراثية بالمغربية.وأشارت إلى قرب إنجاز عمل مشترك مع الفنان المغربي رشيد غنام، وإنجاز بحث في الموسيقى الإثنية في العالم العربي، مؤكدة أن اهتمامها بألوان الموسيقى التقليدية سيتواصل، خاصة بعض الأغاني التي يجهل من كتبها أو لحنها، وتلك المرتبطة بنصوص مقدسة وقديمة ومن الإنجيل وعن كبار رجال الكنيسة وألحان تقليدية. سفر روحاني في قصور وليل فاس العتيقةقبل دورتين سابقتين، انفتح مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، على رياضات ودور الضيافة في المدينة العتيقة، بعدما اقتصرت الحفلات سابقا على فضاءات معينة. وخصص ثلاثة أيام من عمره، لتنظيم أنشطة برياضات في قلب النسيج العتيق، في خطوة تروم إتاحة الفرصة لجمهوره الواسع لاكتشاف ما تزخر به من مآثر ونفائس عمرانية ومعمارية وتاريخية وحضارية. دار عديل، ودار المقري ودار البطحاء، فضاءات جديدة تحتضن منذ ليلة أول أمس وإلى اليوم (الأربعاء)، حفلات ليلية بنفحة وألوان فنية عالمية، متيحة للزوار اكتشاف ليل المدينة القديمة، وانضافت إلى ساحة بوجلود التي طلقت "حلقياتها" مؤقتا، ودار التازي الغارقة في صوفيتها وحفلات الطرق الحسانية والحبيبية والدرقاوية والتهامية والعجيبية والوزانية واحمادشة. الحكيم الديني شيام ساندار غوسفامي، أول من افتتح ليلة أول أمس حفلات دار عديل قصر والي فاس على عهد المولى حفيظ قبل تحوله إلى معهد الموسيقى التقليدية الموروثة عن أندلس القرون الوسطى. وكشف هذا المغني البنغالي الذي تتلمذ على يد الفيلسوف الديني جادوناث شاكرابورثي والشيخ الروحي مادان موهان تهاكور، عن موهبة قوية في أداء الراغا. وفي سفر موسيقي واندماجي، يتوخاه منظمو مثل هذه الحفلات، أدى هذا الحكيم الديني ابن منطقة كامارتهوبا هارا الذي درس فن الكورانا غهارنا، ببراعة أغاني "الخيال" المنمقة والبشوشة، الرائجة حاليا في الهند الشمالية والمتسمة بالعمق، مصاحبا بآلة السارانجي أو الكمان الأوسط، الكلاسيكية الهندوستانية التي تعود إلى القرن السادس عشر. أما في دار المقري، فدقت الطبول إيذانا بليلة استحضرت تقاليد بيلي من جزر المارتيتنيك في انتظار الآتي من حفلات مستحضرة لتقاليد متلونة بألوان ثقافات متعددة. وأتاح قرع الطبل الذي "ليس مجرد آلة تعبر عن الشعائر الإفريقية الراسخة في الذاكرة"، بهذا الرياض الواقع على مرتفع بحي وادي الصوافين، فرصة للإيذان بتناول الكلمة والتعبير ولو غنائيا. إعداد: حميد الأبيض (فاس)

فاس تسترجع جذورها الأندلسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تهريب مريضة من ابن سينا إلى مصحة خاصة

650 سجينا يجتازون الباكلوريا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات