تهريب مريضة من ابن سينا إلى مصحة خاصة

طبيب يخرج من قاعة العمليات والدماء على يديه ليقنع أسرة الضحية بقبول استئصال رحمها لم تنجح كل محاولات إدارات المستشفيات في القضاء على ظاهرة السماسرة، فهذه استعانت بكاميرات، وتلك شحذت انتباه حراس الأمن الخاص، لالتقاط أي أفعال تشي بوجود سمسار يتاجر في صحة المواطنين بتهريبهم إلى مصحات خاصة. وأخرى وضعت ملفات بعض موظفيها على مكاتب القضاء بعد تورطهم في علاقات مع سماسرة. هي، كلها محاولات آلت إلى الفشل، لتمكن هؤلاء السماسرة من نسج علاقات تجارية وطيدة مع مصحات خاصة وأطباء بالقطاع العمومي. حكاية الشابة حليمة الغزواني، تلقي ببقعة ضوء صغيرة على الظلمة التي تنشرها هذه الشبكات في محيط المستشفيات العمومية. «أحسست بألم في رحمي فلجأت إلى عيادة طبيب مختص في أمراض النساء والتوليد، ليخبرني بعد خضوعي إلى تحاليل وفحص بالأشعة أني أعاني وجود ورم غير خبيث في الرحم»، تقول حليمة المطلقة والمقبلة على فتح صفحة زواج جديد. حدد الطبيب سعر العملية الجراحية، «كان ذلك أكبر من قدراتي المالية، لذلك سارعت إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، على أمل أن أخضع إلى العملية نفسها بالمجان أو بثمن أقل». عند باب المستشفى وقفت حليمة حائرة، قبل أن يتقدم منها شخص وينتشلها من بحر ترددها، «بدا كأنه يعرف كل شيء عن المستشفى. بدأ يحدثني عن الأطباء كل واحد باسمه، قبل أن يستسفرني عن نوع المرض الذي أعانيه, وبعد أن استمع إلى قصتي اتخذ صورة فاعل خير، ونصحني بعدم اللجوء إلى الإجراءات الإدارية».بما يشبه السذاجة صدقت حليمة السمسار الذي يترصد ضحاياه عند مداخل المؤسسة الاستشفائية، ويستغل ترددهم وحيرتهم ليهربهم إلى مصحات خاصة. «قال لي يجب أن تدقي مباشرة باب الطبيب فلان، إنه معروف بخبرته العالية، وتقصده المريضات من كل جهة»، ولتكتمل خطة السمسار طالبها باستعطاف الطبيب نفسه، والقبول بأي شرط يمليه عليها لتستفيد من «خبراته العالية». «بالفعل صدقته وتكونت لدي ثقة عمياء بالطبيب قبل أن أراه، لأدق مكتبه مباشرة، ووضعت بين يديه ملفي الطبي ليخبرني أن الطبيب الذي كنت أعالج لديه سبق أن أخطأ في حق مريضة أخرى، وأنه هو من تدخل لإصلاح هذا الخطأ الطبي وأنقذ المريضة، ولم أشك في روايته أبدا، قبل أن يخبرني أنه يستحيل عليه تحديد موعد لإجراء عملية جراحية لي داخل مستشفى ابن سينا».لم يكتف الطبيب بالطعن في سمعة زملائه، كما روت المريضة، بل إنه حاول أن يبعدها عن المستشفى العمومي بتأكيد أن قاعات العمليات به غير صالحة، وأن العدوى تنتقل من مريض إلى آخر، كما أن خطر إصابتها بالتهابات مرتفع جدا نتيجة انتشار الأوساخ فيه، وذلك تمهيدا لتهريبها إلى مصحة خاصة، «ولأقتنع أكثر أنه يستحيل عليه إجراء عملية لي في مستشفى عمومي، قال إنه لا يتحكم في برمجة العمليات، وأن الإدارة هي من يفعل ذلك ولن يستطيع ضمان إن كان هو من سيشرف على عمليتي في حال إصراري على إجرائها في ابن سينا».اقتنعت المريضة بضرورة إجراء عمليتها في مصحة خاصة، رغم أن الطبيب حدد سعرا أكبر من ذاك الذي حدده طبيبها المعالج الأول، «اضطررت إلى تدبر المبلغ المالي وفي اعتقادي أن لا ثمن للصحة، خاصة مع انتشار أخبار الأخطاء الطبية، لذلك اعتقدت أني اخترت أكثر الأطباء كفاءة». نجحت خطة السمسار والطبيب في تهريب المريضة إلى مصحة خاصة، لتنتقل إليها رفقة إحدى قريباتها، «حاولت أمي البقاء معي لكني منعتها اعتقادا مني أني بين أياد أمينة، إلا أنه ما أن دخلت إلى قاعات العمليات حتى تساءلت عن سبب عدم استفادتي من فحص بالأشعة كما وعدني الطبيب بذلك، خاصة أني دفعت ثمن ذلك، لكني كتمت تساؤلاتي وأنا مطمئنة إلى الطبيب».وكادت خطوة غير محسوبة للطبيب نفسه أن تودي بحياة المريضة، إذ تركها على سرير العملية الجراحية بعد الشروع فيها، وخرج لمحاولة إقناع أسرتها عبر الهاتف بضرورة استئصال الرحم لاستحالة إزالة ورم ملتصق بجداره، قبل أن تنقلب هذه المحاولة إلى ملاسنات واحتجاجات داخل المصحة، بعد تنقل أقاربها لمعرفة الأسباب التي جعلت عملية بسيطة معقدة تتطلب توقيعات إضافية.وقالت المريضة التي لجأت إلى القضاء لإنصافها، إن الطبيب لم يخبرها بتفاصيل العملية التي أجرتها في مارس الماضي، قبل الشروع فيها، وأنه بعد تخديرها والشروع في العملية تركها على السرير، وخرج ويداه مضرجتان بدمائها ليطالب قريبتها بالتوقيع على وثائق قبول إزالة رحمها، قبل أن تطالبه بالاتصال بوالدتها وشقيقتها، ليدخل في ملاسنات مع الأقارب، خاصة بعد رفضهم وإصرارهم على أن الضحية خضعت إلى عدة تحاليل وصور إشعاعية، ولم يسبق أن أخبرها أي من الأطباء الذين كانت تتابع علاجها على أياديهم بأن إزالة الورم مشروطة باستئصال الرحم، بمن فيهم هو نفسه.وحسب الضحية فإن الطبيب خاطر بحياتها وقضى وقتا طويلا في الخارج قبل أن يعود ليرتق الفتحة التي أحدثها في جسمها، دون أن يكمل العملية بدعوى أنه استحال عليه إجراؤها دون موافقة الأسرة على استئصال الرحم. وقضت المريضة أربعة أيام في المصحة نتيجة مضاعفات نتجت عن عملية لم تكتمل، لتصاب باكتئاب حاد ألزمها متابعة علاج لدى طبيب نفساني، خاصة أنه زاد في إصراره على أنها لن تستطيع العيش بكامل أنوثتها مع وجود الورم، كما أنه لن تتمكن من إزالته إلا بإزالة الرحم.وزادت الضحية، وهي مطلقة وأم لطفل، ومقبلة على الزواج، أن أشقاءها بحثوا عن الشخص الذي قادها إلى الطبيب نفسه، ليكتشفوا أن الأمر يتعلق بسمسار يقضي أوقاته بمحيط مستشفى ابن سينا بالرباط، وينصب فخاخا لمرضى بنصحهم بعدم اتخاذ الإجراءات الإدارية الضرورية للخضوع إلى فحص عند الطبيب الذي تحدده الإدارة، بل يوهمهم أنه يمكنه التدخل لهم عند من يصفهم بأكثر الأطباء كفاءة، وأن عليهم القيام بما يمليه عليهم هؤلاء الأطباء مهما كان الثمن. كما اكتشفت أسرة الضحية أن السمسار أقنعها بدق باب طبيب معين، هذا الأخير أوهمها أنه يستحيل عليه إجراء عملية جراحية لها في مستشفى ابن سينا.وحسب الضحية فإنها ما أن استفاقت من التخدير حتى أخبرها الطبيب أنه لم يكمل العملية بعد احتجاجات أسرتها، وأنه استحال عليه إجراؤها دون استئصال رحمها، لتصاب بصدمة نفسية، وتدخل في حالة اكتئاب.ولم تسترجع المريضة ثقتها بنفسها إلا بعد أن خضعت إلى عملية أخرى لدى طبيب آخر، بعد شهر من العملية الأولى، تكللت بالنجاح، إذ أزيل الورم دون أن يضطر الطبيب الثاني إلى إزالة الرحم. ضحى زين الدين

تهريب مريضة من ابن سينا إلى مصحة خاصة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتخاب المغرب عضوا في جمعية لاستخراج البترول

فاس تسترجع جذورها الأندلسية

مقالات ذات صلة