العائدون من جحيم الصين

استنفار طبي وأجهزة متطورة بمطار محمد الخامس وعناق بين الآباء والأبناء الساعة تشير إلى الثامنة والربع من مساء أول أمس (الثلاثاء). المكان مطار محمد الخامس الدولي بالبيضاء. استنفار طبي وموظفون على كافة الأصعدة، فبمجرد الدخول إلى المحطة الجوية بالمطار لابد أن تثير انتباهك إجراءات أمنية مشددة وأطقم طبية بأعداد كثيرة تحيط بكافة جنبات المرفق الجوي، وهو ما يجعل الداخل يتساءل عن سبب هذا الاستنفار غير المسبوق. إنجاز : محمد بها / تصوير : أحمد جرفي (موفدا الصباح إلى مطار محمد الخامس الدولي) بمجرد تجاوز المدخل الرئيسي لباب المطار لابد أن يستوقفك مشهد عدد كبير من رجال الشرطة إضافة إلى وقوف عدد آخر من الحراس وأمنيين من مختلف الرتب، وأطر صحية وشبه صحية ترتدي أقنعة طبية، قبل أن تعرف من خلال همسات أن الاستنفار الاستثنائي سببه انتظار نزول الطائرة القادمة من الصين، البلد الذي صار شبحا يقض مضجع العالم بسبب فيروس "كورونا". لحظات ترقب وانتظار بعد اجتماع بين المكلفين بالتواصل بالمكتب الوطني للمطارات، وفريق الصحافيين لترتيب خطة العمل وضمان تغطية إعلامية احترافية تحترم الإجراءات الاحترازية ومشاعر المسافرين القادمين من الصين، كان انتظار موعد وصول الطائرة التي تأخرت عن موعدها سيد الموقف. تمر الدقائق ومعها يبدأ التشويق في انتظار وصول الطائرة القادمة من الصين، وهي اللحظة الحاسمة التي ينتظرها الصحافيون وعائلات المسافرين المغاربة على أحر من الجمر، فرغم الجو البارد وتأخر موعد الوصول، إلا أن الجميع أصر على تبني خيار تحدي البقاء، متسمرين حتى لو اضطروا إلى المبيت أمام باب المطار، وكلها تضحيات تهون من أجل الحصول على المعلومة التي ينتظرها الرأي العام المغربي والدولي. الساعة تشير إلى الساعة التاسعة والنصف ومازال الانتظار والترقب سيدي الموقف، قبل أن ينادي على الفريق الإعلامي مكلف بالتواصل مع الصحافيين بالمكتب الوطني للمطارات، بالانتقال إلى بوابة دخول المسافرين القادمين من الصين والوقوف بجانب مكان مخصص لفحصهم بشكل دقيق. وما إن فتح الباب وبدأ المسافرون في الدخول والمرور من جهاز "السكانير» الخاص بمراقبتهم واستقبالهم من قبل فريق طبي متخصص في الكشف عن الفيروس، حتى بدأ التنافس بين الأطر والعاملين بالمطار والصحافيين الذين كان كل طرف منهم يرغب في القيام بمهمته على أكمل وجه، فالجانب التنظيمي والاحترازي كان طاغيا على دخول كل مسافر، وهو ما أدى إلى القيام بإجراءات مشددة لمنع ممثلي وسائل الإعلام أو أي شخص غريب من الاقتراب من المسافرين في اللحظات الأولى قبل فحصهم. لم تمر بعض الدقائق حتى ظهر أول المسافرين وهو يتقدم خطوات نحو ممر خاص بالفحص، إذ استقبله إطار طبي بوضع محرار بالأشعة ما تحت الحمراء على شاكلة "مسدس" برأسه لقياس درجة حرارته، قبل أن يمر مرة أخرى من كاميرا حرارية ترصد كل صغيرة وكبيرة في ما يخص الوضع الصحي للمسافر. معدات متطورة لكشف "كورونا" عاين طاقم "الصباح"، استنفارا على جميع الأصعدة من خلال تخصيص أطر طبية خاصة بعملية فحص المسافرين القادمين من الصين لكشف "كورونا"، وهي خطة استباقية لرصد الحالات المشتبه فيها وعزلها في الوقت المناسب درءا لانتشار الفيروس القاتل، وكذا الاستعانة بأجهزة متطورة للفحص، من بينها محرار بالأشعة ما تحت الحمراء والكاميرا الحرارية. وفي حال ظهور حالة مشتبه فيها بحمل فيروس "كورونا"، يتم القيام بفحص طبي للتأكد من الحالة في "قاعة للعزل"، وإذا كانت الحالة مطابقة لتعريف منظمة الصحة العالمية للحالات المشتبه فيها يتم إرسالها إلى المستشفى المعين من قبل وزارة الصحة. خطة طوارئ قال الدكتور محمد مسيف، طبيب رئيسي بمطار محمد الخامس، إن خطة طوارئ مطار محمد الخامس هي جزء من الخطة الوطنية للترصد والاستجابة الاستباقية لجميع طوارئ الصحة العمومية. وكشف الدكتور مسيف في تصريح ل"الصباح"، أن هذه الخطة تتكون من عدة مراحل بالنسبة إلى المسافرين القادمين من المناطق الموبوءة بصفة عامة، وأولاها التي تتم قبل وصول الطائرة إلى المطار، إذ يتم عزل جميع الحالات المشتبه فيها من قبل طاقم الطائرة وإخطار برج المراقبة وتعبئة ما يسمى بالجزء الصحي من الإقرار العام للطائرة الذي يُسلم للسلطة الصحية عند الوصول. وأضاف المتحدث نفسه، أنه بعد الوصول يتم تخصيص موقف خاص للطائرة القادمة من الصين حتى لا يتم الاختلاط مع المسافرين الآخرين، ويتم أخذ القرار بإنزال الركاب، وبعده يتم إخضاع جميع المسافرين على متن الرحلة بدون استثناء لقياس درجة الحرارة بواسطة محرار بالأشعة ما تحت الحمراء وفي المرحلة الثانية بواسطة الكاميرا الحرارية. ومن بين الإجراءات المهمة التي يتم القيام بها تفاديا لانتقال أي عدوى من الحاملين لفيروس "كورونا"، تطهير الطائرة بمواد تتناسب مع المكونات الداخلية لها، حتى لا يكون هناك أي تأثير جانبي على وظائفها وخصائصها. تتبع المسافرين خطة الطوارئ التي قرر المغرب اعتمادها لرصد وباء "كورونا" بمطارات المغرب، والتصدي له لمنع انتشاره بين المغاربة، لا تنتهي عند الفحص الدقيق للمسافرين القادمين من الصين عامة والمناطق الموبوءة خاصة، بل تتعداها إلى تجميع كافة المعلومات الخاصة بالركاب اعتبارا لأنهم في فترة حضانة، إذ تؤخذ منهم عناوينهم وأرقام هواتفهم وأسماؤهم، حتى يتم تتبعهم على المستوى الوطني طيلة فترة "الحضانة". ومن بين التدابير الوقائية والإجراءات التي قامت بها وزارة الصحة، تعزيز المصلحة الطبية في ما يتعلق بالموارد البشرية وتوفير معدات الحماية والوقاية والأدوية الاستعجالية. وأنشأت وزارة الصحة غرفا للعزل يتم فيها وضع الحالات المشتبه فيها وفحصها قبل إرسالها إلى المستشفى ووضعها تحت عناية طبية خاصة ومراقبة دقيقة، وتوفير أسطول من سيارات الإسعاف لنقل الحالات المصابة أو المشتبه فيها. وفي ما يتعلق بالأطقم الطبية والعاملين في الميدان الصحي، خصصت وزارة الصحة بمطار محمد الخامس عددا كبيرا منهم، ويتفاوت العدد من يوم إلى آخر حسب عدد الرحلات القادمة من الصين. تهويل إعلامي كشف عدد من الطلبة المغاربة الذين يدرسون بالصين، في حديث مع "الصباح"، أن أغلب المعلومات التي تم تداولها خارج الصين خاصة في المغرب، لا أساس لها من الصحة، مشيرا إلى أن الأخبار التي نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والمنابر الإعلامية كانت بعيدة عن الواقع، إذ جرى تهويلها بشكل كبير ما أثار الرعب في صفوف عائلات المهاجرين سواء العاملين بمختلف المدن الصينية أو الطلبة الذين يتابعون دراستهم ببلد المليار و 300 مليون نسمة. وأوضح الطلبة أن الحقيقة الغائبة، هي أن المواطنين الصينيين ومختلف الجاليات المستقرة بها، يعيشون بشكل طبيعي بها، باستثناء "ووهان» التي تم إعلانها منطقة موبوءة وتم إغلاق منافذها وإقامة الحجر الصحي تفاديا لانتقال فيروس «كورونا» في باقي المدن الأخرى، مشيرا إلى أن المدينة المعنية تم إعلام سكانها بملازمة بيوتهم مقابل تسلم كل ما يحتاجونه من المواد الغذائية، سعيا من السلطات ضمان عدم انتقال الفيروس القاتل بين السكان. العودة لأجل الوالدين كشف عدد من الطلبة المغاربة بالصين الذين التقتهم "الصباح" بمطار محمد الخامس الدولي مباشرة بعد عودتهم من بكين، أن الحياة عادية بمختلف المدن الصينية، باستثناء "ووهان» التي تم اكتشاف فيروس «كورونا» بها، مشيرين إلى أن المسؤولين عن الجامعات والمعاهد التي يدرسون بها عرضوا عليهم البقاء مقابل توفير كل ما يحتاجونه. وأوضح الطلبة المغاربة أن عودتهم إلى المغرب تأتي من أجل لقاء عائلاتهم وطمأنتهم بشكل مباشر وتبديد الخوف، الذي يتملك قلوبهم بعد إعلان اكتشاف فيروس "كورونا» بالصين، مشيرين إلى أن خبر اكتشاف الفيروس القاتل حول حياة آبائهم إلى جحيم يومي خوفا عليهم، وهو ما جعل التواصل معهم بتقنية الفيديو المباشر "اللايف" يتم كل ساعتين بشكل يومي. لحظات إنسانية عناق حار بين أم وابنها، من بين اللقطات الإنسانية التي طغت على مشاهد نزول الطائرة القادمة من بكين مساء أول أمس (الثلاثاء)، التي تضمنت عددا من المسافرين الصينيين والأجانب والعرب، وتميزت بعودة قوية للمغاربة خاصة منهم الطلبة، فرغم الخطر الذي يمكن أن يتهدد صحة المستقبلين إلا أن عددا من الآباء والأمهات لم يكترثوا لخطر الإصابة بالعدوى من فيروس قاتل، فالأهم بالنسبة إلى الوالدين الذين تحملوا عناء الطريق وحلوا بمطار محمد الخامس الدولي لاستقبال فلذات أكبادهم، الظفر بفرصة رؤية أبنائهم وعناقهم وهو ما تحقق لهم في الأخير.

العائدون من جحيم الصين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"ووهـان" ... تـشـرنـوبـيـل جـديـدة

4 نصائح للتعامل مع الطفل الطماع

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات