الإدارة والقضاء عقبتان بطنجة

أصبح الاستثمار بالمنطقة الشمالية يشكل، خلال السنوات الأخيرة، طرفا أساسيا في معادلة النشاط الاقتصادي، ويعتبر قناة رئيسية يتدفق عبرها رأس مال وطني وأجنبي مهم، ووسيلة مثلى لجلب الخبرة العلمية والتقنية، التي تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة. وبفضل مركبها المينائي الضخم "طنجة المتوسط"، الذي يعتبر من أبرز ممرات التجارة العالمية وأكبر ميناء تصديري بإفريقيا، أصبحت طنجة من الوجهات المتوسطية الجذابة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتصنف حاليا، وفقا لتقرير البنك الإفريقي للتنمية، في المركز الثالث إفريقيا بعد القاهرة وجوهانسبورغ، بعد أن بلغ مجموع الاستثمارات التي ضخت بالمدينة والمناطق المجاورة 10 ملايير دولار أمريكي، ما جعل منها وجهة مفضلة لعدد من المستثمرين العالميين. ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين بالمنطقة الشمالية، أن هذه الطفرة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، تبقى هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة ممكنة، لأن تدفق الاستثمارات ليس له ارتباط بالإرادة السياسية أو التسهيلات الضريبية وتبسيط الإجراءات الإدارية فقط، بل له علاقة وطيدة مع القضاء والنصوص القانونية، التي تضمن للمستثمر الأجنبي العدل والمساواة، مؤكدين أنه من الممكن جدا أن تدفع محاكمة واحدة غير عادلة بالمستثمرين الأجانب، إلى التفكير ألف مرة قبل أن "يغامروا" بإيداع أموالهم ببنوك المغرب والاستثمار في مشاريع غير مضمونة النتائج. وتعج محاكم طنجة، بقضايا كثيرة رفعها مستثمرون أمام القضاء، ووجدوا صعوبات كبيرة في نيل حقوقهم لأسباب مختلفة، تتعلق أغلبها بنظام القضاء المغربي، الذي تسبب في كثير من الأحيان في خسائر كارثية لعدد من المستثمرين، الذين فضلوا الاستثمار بالمغرب وضخوا أموالا تقدر بالملايير في مشاريع ضخمة، قبل أن تتوقف بقرار قضائي لم يستوعب بعد علاقته بالاستثمار والاقتصاد الوطني. ومن بين القضايا المثيرة، التي تستحق أن تكون نموذجا صارخا للدور السلبي والخطير الذي تلعبه الإدارة والقضاء في تشويه صورة المغرب، قضية المستثمرة الإسبانية "كارمين مييان"، التي وقعت في عشق عاصمة البوغاز، واستثمرت بها جزء مهما من ثروتها، التي تقدر بالملايير، في مشروع سياحي ضخم بمنطقة أشقار أطلقت عليه اسم "أطلنتيك ماكنا"، قبل أن تتفاجأ بقرار صادر عن مجلس المدينة يقضي بتوقيف أشغال مشروعها، الذي كان في مراحل متقدمة جدا من الإنجاز، ونفذته سلطات الولاية بهدم مجموعتين مكتملتي البناء دون تقديم أي تبريرات، رغم أن المشروع اجتاز جميع مراحله القانونية، بما فيها التصاريح ورخص البناء، التي احترمت بدقة تامة التصاميم المصادق عليها. عملية الهدم كان لها وقع الصاعقة على سمعة المشروع، الذي يضم 92 إقامة فاخرة جهة لزبناء مغاربة وأجانب وبيعت منها 70%، حيث تم، بعد تنفيذ عملية الهدم، إلغاء 50 في المائة من المبيعات، لتجد المستثمرة "كارمين" نفسها مجبرة على إرجاع التسبيقات لأصحابها، وهو ما عجل بخراب هذا المشروع، الذي لم يكن سوى مقدمة لمشاريع كانت تعتزم إنجازها بطنجة بقيمة مالية تقدر بملايير الدراهم. الخطير في الأمر، أن القضاء لم ينصفها ولم تحقق شيئا ابتدائيا واستئنافيا، لترفع قضيتها للمحكمة الإدارية بالرباط، التي أدانت جماعة طنجة وأقرت بارتكابها مخالفة الهدم، وحددت ابتدائيا حجم الخسائر في 4 ملايين درهم، ليتم رفعها استئنافيا إلى 12 مليون درهم، ما يمثل أقل من 10 في المائة، من الخسائر التي تكبدها المشروع، وهو الحكم الذي اعتبرته "كارمين" غير منصف ولا يتوافق مع الخسائر، التي حددها مكتب للخبرة معين من طرف المحكمة. وبعد أن طرقت أبواب مختلف المسؤولين، ومراسلتها مختلف الهيآت المعنية بالتظلمات والشكاوى، بما في ذلك مؤسسة "الوسيط" ووزارة العدل، دون أن تتوصل بأي جواب عن مراسلاتها، قامت "المستثمرة الإسبانية "كارمين" بتقديم شكايتها إلى جلالة الملك، مرفقة بجميع الوثائق القانونية المتعلقة بالمشروع، ملتمسة من جلالته أن ينصفها ويرد الاعتبار إليها وإلى شركتها، مؤكدة أنها مصرة على البقاء بالمغرب، وهي تتطلع بحماس كبير لتنفيذ مشاريع أخرى بهذا البلد، الذي تكن له كل الحب والتقدير. المختار الرمشي (طنجة)

الإدارة والقضاء عقبتان بطنجة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

برلمانيون يدقون ناقوس الخطر

الطاهري: القضاء ضمانة الاستثمار

مقالات ذات صلة