fbpx
مقالات الرأي

الشارف: “الشواهد “ج “شاهد” … و”الشهادات” ج “شهادة”

كثيرا ما تردد كلمة “الشواهد ” في الاستعمال العام لتدل على كلمة ” الشهادات ” فنسمع بعض قولهم : ” الشواهد الطبية ” ،” الشواهد المدرسية ” ،” الشواهد الإدارية ” ، “شواهد السكنى ” …إلخ . ولو حاولنا رجع هذه الكلمة ” الشواهد ” جمع ” شاهد ” إلى مجالها التداولي الذي أخذت منه والمتمثل خاصة في عصر الاستشهاد الذي يمثل عصر الصفاء اللغوي في نظر أصحاب المعاجم لوجدنا هذا الاستعمال خطأ .
لقد درج الباحثون في مثل موضوعنا أن يتعرضوا أولا لمعنى اللفظ في اللغة ثم لمعناه الاصطلاحي. وسأسير في شرح كلمة ” الشاهد ” على هذا النهج معتمدا على بعض المعاجم اللغوية القديمة(1) .
ولعل معجم مقاييس اللغة لابن فارس، خير مرجع لذلك، فقد تضمنت مادة (شهد)عنده دلالات نذكر منها :
_ شهد: الشين والهاء والدال أصل يدل على حضوروعلم وإعلام .
_ المشهد: المحضر من الناس .
_ ومن الباب: الشهود: جمع الشاهد، وهو الماء الذي يخرج على رأس الصبي إذا ولد.
_ وقال قوم شهود الناقة : آثارمنتجها من دم أو سلى.
_ الشهيد : القتيل في سبيل الله.
– صلاة الشاهد: صلاة المغرب .
_ الشاهد: اللسان، والشاهد الملك.
– فشهادة اللسان، وشاهد الله جل ثناؤه، هوالملك، فأما قوله عزجل ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاهُو﴾(2) فقال أهل العلم: معناه،أعلم الله عزوجل، بين الله كما يقال: شهد فلان عند القاضي، إذا بين وأعلم لمن الحق وعلى من هو.” (3)
وعلى هدى”مقاييس اللغة” تسير معاجم اللغة العربية. ويلخص صاحب”القاموس المحيط ” الدلالات المختلفة للشاهد فيقول:(الشاهد من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، واللسان، والملك، ويوم الجمعة، وما يشهد على جودة الفرس من جريه وشبه مخاط يخرج مع الولد )(4) .
والواقع أن المعاجم اللغوية درجت على استعمال كلمة “الشاهد” للدلالة على نفس المعنى الذي أشارت إليه المعاجم السابق ذكرها. وباستقراء هذه التعريفات يمكن أن نستنتج من جهة أن كلمة “الشاهد” عند العرب تترجح بين المفهوم العقدي(النبي صلى الله عليه وسلم، الملك، يوم الجمعة ، الشهادة والشهيد) وبين المفهوم الثاني حول اللسان العربي (اللسان وجودة الفرس) (5).
ومن جهة أخرى، يظهرالاستعمال الصريح للكلمة،أن مفهوم الشاهد لم يكن محددا بدقة خلال القرن الأول الهجري، حيث كان يعتبرالشاهد:>> النجم أو صلاة المغرب كما جاء في حديث أبي أيوب الأنصاري عندما ذكرصلاة العصرثم قال(ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد؟ قلنا لأبي أيوب ما الشاهد: ؟ قال:(النجم كأنه يشهد في الليل أي يحضر ويظهر وصلاة الشاهد: صلاة المغرب) (6) .
يتضح مما سبق أن المعنى الاصطلاحي للشاهد لـم يكن محددا بدقة خلال القرن الهجـري الأول
فاستفسارالناس عن معناه في حديث أبي أيوب الأنصاري تثبت أن معناه لم يكن محددا في تلك المرحلة
ويبدو أن المعنى الاصطلاحي لهذا المفهوم لم يتحدد إلا في القرن الثاني الهجري خاصة في كتب النحاة واللغويين،إذ ستجد في مؤلفاتهم لمفهوم” الشاهد” دلالة محددة يسردها علينا صاحب كشاف اصطلاحات الفنون فيقول:>> الشاهد عند أهل العربية: الجزئي الذي يستشهد به في إثبات القاعدة بكون ذلك الجزئي من التنزيل أومن كلام العرب الموثوق بعربيتهم ، وهو أخص من المثال>>(7) .
ويعرف المثال بقوله:>> المثال يطلق على الجزئي الذي يذكرلإيضاح القاعدة لإيصاله إلى فهم المستفيد، كما يقال:الفاعل كذا ومثاله >> زيد<< في: ضرب زيد وهو أعم من الشاهد(8). يفرق التهانوي بين" الشاهد" و"المثال" انطلاقا من وظيفة كل واحد منهما في عملية الاستشهاد عند النحاة، فالأول لإثبات القاعدة والثاني لتوضيحها. ويشترط في الشاهد أن يكون نصا مقبولا لا ترد فصاحته أما المثال فيستعمل في الأمثلة الصناعية التي تساق عادة منسوبة لزيد وعمرو لتوضيح القاعدة فقط كما أن الفرق بينهما هوالعموم والخصوص فكل ما يصلح شاهدا يصلح مثالا ولا ينعكس كما أن التعريف السابق يبين مصادر الاستشهاد عند اللغويين والنحاة وهي : القرآن(التنزيل، وكلام العرب الفصحاء المشتمل على الحديث النبوي وأشعار العرب). ولعل من أهم ما يتعين إدراكه،أن استعمال(الكلمة) في التعريف السابق يطابق استعمالها بالمعنى الاصطلاحي لدى الباحثين اليوم والذي يعني إقامة الحجة من القرآن الكريم وكلام العرب على صحة معنى أو قاعدة أو قضية وهذا ما ذهب إليه أستاذي الدكتورالبوشيخي في قوله<<الشاهد هو ما يؤتى به من الكلام العربي الفصيح ليشهد بصحة نسبة لفظ أو صيغة أو عبارة أو دلالة إلى العربية >>
أما ” الشهادات ” فهي جمع ” شهادة ” وهي وثيقة منظمة على شكل مخصوص تمنحها الدولة أو الجامعة أو المدرسة تثبت فيه أمرا معلوما لصاحبها ، مثل الشهادة المدرسية التي تمنحها المدرسة أو الجامعة تثبت أن حاملها أنهى مرحلة دراسية معينة …والشهادة الطبية هي وثيقة مكتوبة تتضمن توثيقا أو تحليل أمرطبي وهي تحتوي على معلومات طبية وتكون خلاصة فحص طبي.

(1) ليس الهدف من الرجوع إلى المدونات اللغوية القديمة هو البحث عن تاريخ كلمة الشاهد ” أو متى بدأ توظيفها في اللسان العربي، لأن مثل هذا الطلب لا تستطيع أن تقدمه لا المعاجم اللغوية، ولا أي كتاب آخر. ولكن العودة إليها قد تطلعـنا على الدلالات التي كانت تحملها كلمة” الشاهد” قبل أن تصبح مفهوما قائما بذاته .
(2) سورة آل عمران : الآية 18
(3) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس: 3/ 221 ، مادة ( شهد )، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار الفكر .
(4) القاموس المحيط : الفيروزابادي : مادة ( شهد): 1/ 305 ، دار الفكر، بيروت .
(5) ليس الهدف من الرجوع إلى المدونات اللغوية القديمة هو البحث عن تاريخ كلمة الشاهد ” أو متى بدأ توظيفها في اللسان العربي، لأن مثل هذا الطلب لا تستطيع أن تقدمه لا المعاجم اللغوية، ولا أي كتاب آخر. ولكن العودة إليها قد تطلعـنا على الدلالات التي كانت تحملها كلمة” الشاهد” قبل أن تصبح مفهوما قائما بذاته .
(6) سورة آل عمران : الآية 18
(7) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس: 3/ 221 ، مادة ( شهد )، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار الفكر .
(4) القاموس المحيط : الفيروزابادي : مادة ( شهد): 1/ 305 ، دار الفكر، بيروت .

حسن الشارف: أستاذ السلك الثاني


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى