عين الشق … قبور وقصور

مقاطعة تسير بسرعتين بين أحياء راقية ودواوير أخفقت المجالس المنتخبة في مقاطعة عين الشق بالبيضاء في استثمار الإمكانيات التي يوفرها الموقع الاستراتيجي للمقاطعة والذي يجعل منها بوابة رئيسية للبيضاء بفضل ما تزخر به من بنيات تحتية طرقية متنوعة، بالإضافة إلى رصيد عقاري مهم، فأصبحت تبدو كأنها دائرة ترابية تسير بسرعتين بين أرقى أحياء المغرب"كاليفورنيا" وجحيم "دوار المزابيين". إعداد: ياسين قطيب – تصوير: عبد اللطيف مفيق تمثل عين الشق المدخل الدولي للبيضاء على اعتبار أنها أول عمالة للمدينة على طريق مطار محمد الخامس، لكن المنطقة لم تحظ بوحدة ترابية خاصة بها إلا في 10 شتنبر 2003 تاريخ صدور المرسوم المؤسس لعمالة المقاطعة رقم 2.03.529، بتعداد سكاني وصل حسب آخر إحصاء إلى 377744 بنسبة 11.4 في المائة من سكان العاصمة الاقتصادية و5.5 من سكان جهة البيضاء-سطات، مقسمين إلى 89013 أسرة على مساحة قدرها 3940 هكتارا بكثافة 9587 نسمة في الكيلومتر المربع، مجزأة إلى أربع دوائر و12 ملحقة و 32 منتخبا. الفوضى المنظمة رغم توفرها على إمكانيات تفتح لها فرصة أفق مشرق، إلا أنها غارقة في بحر إكراهات تراكمت مع مرور الزمن منذ عقود، فعلى سبيل المثال في مجال البنية التحتية هناك طرق مبرمجة في تصميم التهيئة منذ مدة، لكن تأخر إنجازها أحدث اختلالا في توازن الكتلة الطرقية، بالإضافة إلى غياب المنطق الهرمي في شبكة الطرق وذلك في أغلب مناطق المقاطعة، إذ لا توجد بها إلا مسالك ضيقة تربط بين التجمعات السكنية والطرق الرئيسية. وتسجل أرقام المقاطعة خصاصا في البنيات التحتية الأساسية يتفاقم على الخصوص في المناطق المخصصة للسكن الاقتصادي، التي تفتقر إلى القدر الكافي من تجهيزات النقل والإنارة العمومية والتطهير السائل، بالإضافة إلى وجود مناطق صناعية وسط الأحياء السكنية. وتتعدد في عين الشق حالات تشييد تجزئات وتجمعات سكنية بدون مرافق اجتماعية وتجارية، كما أن خطوط النقل العمومي لا تغطي كل الأحياء، خاصة المناطق الخدماتية، ومعضلة الكثافة المرورية كما هو الحال في شارع أبي بكر القادري بسيدي معروف، وهو مشكل زادت من حدته سيادة القطاع غير المهيكل، سواء في ما يتعلق بالنقل (الخطافة والكراول) في المكانسة ودوار التقلية، أو الباعة المتجولين الذين يغرقون أهم شوارع المقاطعة كما هو الحال بالنسبة إلى شارع القدس على مستوى حي الإنارة، في حين أن أحياء جديدة ضعيفة وأحيانا منعدمة المرافق العمومية. وفي الوقت الذي تتعدد فيه مشاكل التجمعات الجديدة التي وصل بعضها إلى الباب المسدود قبل افتتاحها مثل مشروعي سيدي معروف وياسمينة، لم تسلم الأحياء القديمة لعين الشق من تهاون المجالس المتعاقبة، بالنظر إلى كثرة الدور الآيلة للسقوط ووجود بؤر تغيب فيها البنيات التحتية خاصة في "الكاريانات". "المكسي بديال الناس" لم تتمكن المجالس المنتخبة من استثمار الإمكانيات التي يوفرها الموقع الإستراتيجي للمقاطعة والذي يجعل منها بوابة رئيسية للبيضاء بفضل ما تزخــر به من بنيات تحتيــة طرقية متنوعة، بالإضافة إلى رصيد عقاري مهم، خاصة بعد التقطيع الإداري لـ 2008، والتمديد الجنوبي خارج المدار الحضري لنفوذها في 2009، والمشاريع الناتجة عن الفرص المتاحـة من قبــل تصميم التهيئة، وإقامة مناطق (صناعية، تجارية وخدماتية) مهمة تضم منشآت صناعية تابعة للقطاع الخاص الذي يتوفر بعين الشق على وحدات كبرى، بالإضافة إلى مقرات اجتماعيــة لشركات وطنية وعالمية والمساحات التجارية الكبرى، وقطبي التكنولوجيات الحديثة "بارك كــازا نيرشور" و"تيكنوبارك"، وتجمع مؤسسات التكوين والتعليم العالي. ولولا المشاريع الكبرى التي ينهض بها متدخلون خواص وعموميون من خارج المجلس لأهدرت كل الفرص التي تتوفر عليها المقاطعة، خاصة وجود رصيد عقاري كان يمكن استعماله في إطــلاق مشاريع سياحية أو استثمارات في مجال السكن، أو توسيع مدى المساحات التجارية الكبرى في اتجاه الجنوب، أو نقل تجربة كازا نيرشــور إلى مواقـع أخرى في ظل وجود عشرات الهكتارات من الأملاك المخزنية وسط الدائرة الترابية، كما هو الحال بالنسبة إلى موقع الخيرية الإسلامية التي تم هدمها بدون سابق إنذار. وعـوض التهافت على نشر تجمعات الباعة المتجولين بحسابات انتخــابية كـان بالإمكــان إحداث أسـواق بلدية أو تدبير إمكانية مد خطوط تكميلية للنقل العمومي إلى المناطــق التي لم تستفـد من الطرامواي، أو التفكير في تحويل مستشفى السقاط الوحيد بالمقاطعة إلى قطب صحي بضم الأراضي المحيطة به والتي يتم استغلالها حاليـا في أنشطـة غير مهيكلة، أو إعادة هيكلة أحياء الدرب القديم وسيدي مسعود و دار القاضي بندريس. رسوم بدون وجه حق سجل قضاة جطو أن مصالح مقاطعة عين الشق تستخلص رسما يتعلق بعمليات تعلية البناء بدون وجه حق، وكذا استخلاص مبلغ ثابت قدره 500,00 درهم عن عملية البناء، في حين أن هذا المبلغ يؤدى بالنسبة إلى عمليات الترميم، وكذا عدم تحديد المعايير لتعريف المساكن الفردية والمساكن الجماعية، في وقت كان موظفون غير محلفين يقومون بعملية تحرير محاضر المخالفات. وأسفرت مراقبة ملفات الصفقات العمومية رقم 4/AAC/2013-1/AAC/2015- 5/ACC/2016 -1/ACC/2016، والمتعلقة بصيانة الطرق عن تسجيل مجموعة من الملاحظات، منها عدم الإدلاء بالوثائق المنصوص عليها في دفاتر التحملات، حيث أن المقاول، خلال أجل 15 يوما بعد التوصل بأمر بداية الأشغال، مطلوب منه أن يدلي لصاحب المشروع من أجل المصادقة بمذكرة تقنية تتضمن الوثائق والمعطيات تهم تقريرا تقنيا مفصلا حول تنظيم الورشة، وكذا المناهج والطرق التنظيمية التي سيتبعها من أجل إنجاز هذه الأشغال. كما لوحظ أن ملفات الصفقات المشار إليها لم تتضمن ما يفيد بتوفر المقاولة على دفتر الورش، وغياب جداول المنجزات المتعلقة ببعض الصفقات، وعدم إنجاز تقارير انتهاء الأشغال، ناهيك عن غياب التنسيق بين مصالح الجماعة ومصلحة صيانة الطرق بالمقاطعة. وكشف تقرير للمجلس الأعلى للحسابات عن تسجيل بعض الملاحظات التي تخص أربع صفقات متجددة أبرمت مع الشركة نفسها وفق مبلغ إجمالي يساوي 603.560,00 درهما، وأنه تم تنفيذ الصفقتين رقم 2016/AAC/ 12 ورقم 2016/AAC/ 13، وأسفرت مراقبتهما عن عدم التأمين والتصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. 48 دوارا صفيحيا مازالت المقاطعة تتمتع بأكبر احتياطي إستراتيجي من "الكاريانات" التي شكلت على الدوام خزانا انتخابيا يؤمن الطريق إلى رئاسة المجلس، إذ تضم 48 دوارا صفيحيا تسكنها 4955 أسرة موزعة على أراض خاصة، تمثل نقطا سوداء بتعبير تقارير وزارة الداخلية المتعلقة بالنسيج الحضري للعاصمة الاقتصادية، بالنظر إلى أنها أكبر تجسيد لاستمرار السكن غير اللائق وانعدام الخدمات والتجهيزات الأساسية. وتعثرت مشاريع إعادة الهيكلة المبرمجة في المقاطعة، كما هو الحال بالنسبة إلى عملية إعادة إيواء سكان كاريان ياسمينة وترحيل قاطني الأحياء الصفيحية والتجمع السكني التجاري المخصص لموظفي وأعوان البلدية القديمة بسيدي معروف، بالإضافة إلى 48 بناية آيلة للسقوط منها 43 تتطلب تدخلا تقنيا من أجل الهدم الكلي أو الجزئي، مازالت تنتظر موعد ووضع ترسانة قانونية خاصة، في ظل غياب فضاء عمومي يمكن استعماله من أجل إيواء سكان البنايات التي تتعرض لانهيارات مفاجئة وتفاقم حالة المساكن المحصية بسبب غياب أشغال الصيانة المؤقتة. "الكراول والخطافة" من المشاهد الغريبة في تراب المقاطعة مواقف العربات المجرورة بدواب و"الخطافة"، التي تعتبر وسائل النقل الممكن استعمالها للوصول إلى أحياء الشريط الجنوبي المحاذي للطريق السيار المداري. ولا يقتصر الخصاص في عرض النقل العمومي على الضواحي بل يشمل شوارع كبرى، كما هو الحال بالنسبة إلى شارعي فاس وتادرات الفارغين تماما من أي خط للحافلات والطاكسيات الكبيرة، في حين تتكلف سيارات النقل المزدوج التابعة لجماعة بوسكورة بفك العزلة عن دوار المكانسة، ورغم أن المقاطعة مخترقة من قبل 23 خطا لشركة "مدينة بيس" فإن أحياءا بكاملها توجد خارج التغطية خاصة في سيدي مسعود والضرابنة، التي تتكفل جمعيات في إطار شراكات مع الجماعة بتأمين النقل المدرسي لتلاميذها. ولم تستفد المقاطعة من مشروع الطرام، الذي يمر في ترابها إلا في مسافة 2.5 كيلومتر في أقل مناطقها كثافة سكانية، كما أن خطوطه لم تصل إلى أهم مقصد لها أي منطقة (الأفشورينغ)، التي يجبر العاملون فيها على ركوب الطاكسيات الكبيرة أو استعمال السيارات الخاصة في ظل انعدام "الباركينغات". فهيم*: حلول ترقيعية يشتكي سكان المقاطعة من تفاقم ظاهرة "السويقات" المتنقلة وأن أصحاب العربات لا يترددون في قطع الطريق العام، هل يعني ذلك أن الجماعة فشلت في استعمال الأسواق النموذجية؟ رغم أن ظاهرة الباعة المتجولين "الفراشة" أصبحت آفة وطنية تستدعي تدخل كل الشركاء، فإن الحلول المقدمة كما هو الحال في عين الشق تبقى ترقيعية، على اعتبار أنها تكتفي بتحويل التجمعات إلى أماكن أخرى لتجنب احتجاجات أصحاب المحلات التجارية لتصبح عبارة عن "سويقات" ثابتة دون القضاء على آفة العربات التي تعيق السير والجولان في العديد من النقط السوداء بتراب المقاطعة. والمشكل في المسطرة المتبعة أن المستفيدين يبيعون محلاتهم ويعودون من جديد إلى الرصيف وأحيانا إلى الطريق العام، لذلك أعتقد أن المسألة تتطلب قدرا من الصرامة في التعامل مع المتلاعبين، بحكم أن بعض التجمعات العشوائية تحتل الملك العام، في حين أصبحت بعض الأسواق النموذجية فارغة وامتلأت الأزقة بالعربات المدفوعة أو المجرورة بالدواب. ألا تعتقدون بأن وضع الشارع العام ليس إلا تجسيدا للفوضى التي تتخبط فيها عين الشق؟ لا يمكن أن ننسب كل الإخفاقات إلى المجلس الحالي وكذلك الحال بالنسبة إلى النجاحات، على اعتبار أن الحصيلة تكون دائما نتيجة تراكمات المجالس السابقة، وطبعا ينسحب هذا الكلام كذلك على مجلس المدينة، ولابد من وجود إخفاقات على اعتبار أن الوعود التي يعطيها المنتخب في بداية مدة انتدابه غالبا ما تواجه صعوبات في تنزيلها، بالنظر إلى وجود متدخلين آخرين. الأكيد أن المواطنين يرفعون مطالب كثيرة، والمنتخب كذلك له طموح ت لرفع رصيد المنجزات، حتى يمكن له أن يقدم حصيلة جيدة في الانتخابات اللاحقة، لكن هناك إكراهات قد تمنع من تحقق ذلك ولو توفرت إرادة الحوار. وإذا نسبنا المشاريع المنجزة في عين الشق إلى المجلس الحالي سيكون هناك ظلم للسابقين، والعكس إذا اعتبرنا أنها مبرمجة من قبل المجالس السابقة، ستكون القسمة مجحفة في حق المجلس الحالي. كيف تردون على الرأي القائل بأن هناك تمييزا في تعامل الجماعة مع أحياء نفوذها الترابي؟ إذا كانت هناك إخفاقات فإن أولها وأخطرها سيكون مسألة ترتيب الأولويات، كأن يتم إعطاء مكانة كبير للمنشآت الرياضية في حين تطالب أغلبية السكان بحل معضلات السكن غير اللائق، إذ لم يبذل مجهود كاف في هذا الجانب عبر إعمال آلية المقاربة التشاركية في وضع الأجندات من أجل تسطير برامج هادفة، ولكن على أي حال هناك ملفات لم ينجح فيها المجلس الحالي. لكن هناك فشلا في تحديد الأولويات، لأن هناك ما هو أهم من الرياضة بالنسبة إلى عين الشق سيدي معروف حاليا، والدليل على ذلك تعدد بؤر الاحتجاج الاجتماعي على تردي أوضاع السكن غير اللائق، والأكيد كما يعلم الجميع أن عددا من المشاريع السكنية ما زالت تنتظر الحلول، وكان من الأجدى أن توضع على رأس الأولويات، وهو ما لم يقع، رغم تداولنا مع الرئيس في ذلك مرات كثير لكن دون جدوى. وكان علينا أن ننظر إلى المشاكل المتعلقة بالسكن قبل أشياء أخرى، على اعتبار أن المسألة هنا تتعلق بالكرامة الإنسانية والحاجيات الطبيعية الأصلية التي تأتي بعدها حاجيات أخرى لا تقل أهمية، لكنها تأتي في رتبة موالية من حيث الترتيب على خارطة التنزيل. (*) محمد فهيم عضو مجلس المقاطعة

عين الشق … قبور وقصور

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فلاش: رحيل موريسون

محاكمة متهم بهتك عرض ابنته

مقالات ذات صلة