الأمة الإسلامية … محو الأوطان

التركيز على الجماعة والإيمان بعقيدة الولاء والبراء يذيب الهويات المحلية بنيت الدولة الإسلامية في زمان الرسول محمد وفترة الخلفاء الراشدين خاصة، على مفهوم الدولة الأمة، وهي فكرة لا تعترف بالحدود الجغرافية أو بالهويات والخصوصية الوطنية، إذ تذوب الأوطان والتقاليد والأعراف والاختلاف في قالب الدولة الأمة، التي تدين بدين الإسلام، وتطبق تعاليمه وتنتهي بنواهيه، وهو ما يؤدي إلى اختفاء مفهوم الهوية المحلية وقيم الوطنية، ويصبح الشخص منصهرا في المجتمع الإسلامي، ويصبح ولاؤه للإسلام أقوى من ولائه لوطنه وأبناء شعبه. وبعد مرور قرون من الزمن، وانتشار الإيديولوجية الإسلامية في بقاع مختلفة، حتى أصبح عدد مناصريها يصل مليارا ونصف مليار شخص، حسب إحصائيات معهد "غالوب"، وتراكم مجلدات من التراث الفقهي والإسلامي، واستتب الأمن للإسلام والمسلمين في مناطق شاسعة بعيدة عن منشأه الأول، تكرست مجموع من القواعد الإسلامية في وعي أو لاوعي المسلمين، ولعل أشدها عقيدة الولاء والبراء، التي قعد لها القرآن، وقواها المفسرون وشيوخ الإسلام، إذ يقول القرآن "لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ". وأما شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية، فيقول في شرحه لعقيدة الولاء والبراء، "على المؤمن أن يعادي في الله ويوالي في الله، فإذا كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه، وإن ظلمه، فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية"، وهو ما يوضح أسبقية المؤمن على الكافر، وتنقيص من المختلف، الذي لا يستحق أبدا الولاء مهما كانت الأحوال، فالمسلم في أوربا مثلا أو في بقعة لا تؤمن بالإسلام، لا يستحق ولاء المسلم رغم رعايتها له، بل هناك من يعمل ضدها، وكثيرون ينتقدونها ويصفون حكامها بالكفار، وناقصي العقيدة. ومن أبرز مظاهر الاستلاب الإسلامي، أن المسلم يمكن أن يعادي والديه وجيرانه بسبب دينهم، فإن اختلفوا معه وجب عليه أن يعاديهم، أو أن يدعو لقتلهم إن ارتدوا عن الإسلام، وهو ما يجعل من دين المسلمين إيديولوجية دغمائية لا تقبل الهويات والأعراق والأوطان، بل تحاول جاهدة التوسع والسيطرة. ومن الأمثلة الواضحة على عقيدة الولاء والبراء على المستوى الواقعي، حجم التعاطف الذي يصل حد الرغبة في الجهاد، الذي يتبناه المسلمون تجاه الفلسطينيين، إذ يدعون إلى قتل الإسرائليين وتهجيرهم ورميهم في البحر، كما أنه من الصعب أن تجد مسلما يتعاطف مع ضحايا المجاعات في إفريقيا بالطريقة نفسها، كما أنه لا يعير اهتماما لضحايا الحروب الدينية في إفريقيا كذلك، وكلما سالت نقطة دم من أخيه المسلم، تجده يقيم الدنيا ولا يقعدها، وهو نوع من التعصب الإيديولوجي. ومن المستحيل الانتقال إلى الدولة المدنية التي يسودها القانون والديمقراطية، في ظل مفاهيم الدولة الأمة وعقيدة الولاء والبراء، المبنية على نصرة المسلم وكره الكافر. كما أنه من الصعب بناء الدولة الحديثة دون التركيز على الفرد، كما هو الأمر في الديمقراطيات العريقة، وجعله محور الدولة ومركزها، لأن التمادي في تذويب الفرد داخل الجماعة، وإيلاء كامل الاهتمام للإسلام والجماعة وحقوقهما، لن يحققا تنمية الفرد ولن يصون حقوقه، ولن يحترم اختياراته وحريته. عصام الناصيري

الأمة الإسلامية … محو الأوطان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مافيا مخدرات تخترق ميناء المتوسط

مطـاردة قاتـل مهاجـر بفـاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات