رحلة نساء تائهات بمحكمة الأسرة بالبيضاء

سماسرة على الأبواب ورجال أمن يطاردون الغرباء نزلت من سيارة أجرة صغيرة، فتعثرت. ثم لعنت حظها العاثر الذي قادها إلى محكمة الأسرة بالبيضاء.عقارب الساعة لم تتجاوز الثامنة والنصف صباحا حين ظهرت طلائع الوافدين إلى المحكمة بحي الألفة بالبيضاء. كل اختار وسيلة لنقله، فهناك من اختار حافلات النقل المكتظة عن آخرها، وآخرون سيارات الأجرة أو سيارت خاصة، فيما علا التعب محيا آخرين قطعوا عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام.اختارت «زينب» سيارة أجرة من الحجم الصغير لتقلها إلى المحكمة. شابة في عقدها الثالث تبدو منهكة، وملامحها قاسية ربما من تجارب الحياة، وصلت إلى باب المحكمة فأمعن الحارس النظر فيها، قبل أن يطلب منها الانتظار في الخارج، فاكفهر وجهها ثم تراجعت خطوات إلى الخلف وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة. تبدو محكمة الأسرة مثل مغارة كبيرة.. نساء يلجن من الباب، ثم يغبن في جوفها، وموظفون متأخرون دقائق عن عملهم يسارعون الزمن للوصول إليها، ومحامون حاملون حقائبهم الجلدية وبذلاتهم السوداء، دون أن يتخلوا عن نظرات فاحصة لكل المنتظرين أمام الباب.أمام المحكمة هناك أيضا أشخاص غرباء، يستغلون جهل المتقاضين بتفاصيل الدعاوى القضائية، ويبدون استعدادهم لمساعدتهم مقابل مبالغ مالية، لكن الواقع يفيد أنهم سماسرة يتربصون بهم، حتى أن أحدهم بدا مثل خبير يقصد الغرباء ويقترح عليهم مساعدته ويبدي معرفته بمحامين كبار، بل يتصل ، في مرحلة أخرى، بأحدهم عبر الهاتف من أجل تأكيد معلوماته. حملت بعض النسوة رضعا على ظهورهن، ووقفن أمام الباب الرئيسي للمحكمة الابتدائية الاجتماعية. لم يتجاوز حديثهن دعاوى الطلاق بأنواعه وتفاصيله، ودعاوى أخرى تتعلق بالنفقة والمتعة. إنهن نساء اضطررن إلى الوقوف خارج البناية، بعد أن منعهن الأمن من الدخول إلى الجلسات القضائية، ومرافقة قريباتهن لمعرفة الأحكام الصادرة في ملفاتهن.حاولت النسوة تمضية الوقت بالحديث عن سبب قدومهن إلى المحكمة بكشف أسرارهن الخاصة، وتحدثت أخرى وهي تشير إلى رجل خمسيني قائلة:»شفتي هاد الراجل الشارف، راه جاي يطلق مراتو، داير في راسو الضحك»، وتضيف أخرى «ما شفتيش براهش وباغين يتزوجو، من بعد شهرين من الزواج كيجيو يطلقو حتى هما». الانتظار أمام المحكمة ليس هينا، سيما أنه في كل مرة كان بعض الرجال يقلقون راحة النسوة، ويقطعون حديثهن، بل منهم من يعرض خدماته على النسوة، مؤكدين أنهم تحت تصرفهن في أي استشارة قانونية تتعلق بالطلاق والقضايا الأسرية. فجأة، هرول حشود المنتظرين في اتجاه باب المحكمة بمجرد فتح الأبواب في وجوههم من قبل أحد الأعوان ورجلي أمن، فقصد الجميع قاعات المحكمة غير مبالين بأشعة الشمس الحارقة، حينها اختفت حلقات النساء من أمام الباب الرئيسي، فإعلان فتح الأبواب يعني نهاية مرحلة الانتظار والترقب مع ما يرافقها من توجس وأحيانا شكاوى العائلات من شظف العيش وظروف الحياة التي دفعت بها إلى المحكمة، فيما يحرص آخرون على التشبث بالأمل، وتأكيدهم على نيل حقوقهم، وأحيانا تتحول الحلقات إلى نقاش يتطور إلى ملاسنات.. إنها الحياة اليومية بمحكمة الأسرة بالبيضاء.اعتاد زوار المحكمة على ملامح أعوان المحكمة الذين يقطعون، قبل بداية الجلسات، مسافات لإحضار الملفات، في الوقت الذي يتكلف كاتب الجلسة والعون القضائي بإحضار الملفات إلى القاعة، التي ستنظر فيها الهيأة ذلك اليوم: ملفات كبيرة الحجم وأخرى متوسطة مختلفة الألوان حتى أنها تبدو مثل قوس قزح، لكن ذلك لا يخفي تآكل بعضها من كثرة الاستعمال، فيحرص عون المحكمة على تصفيفها بعناية فوق المنصة، في حركة آلية تكشف عن حنكته، في وقت لا يتوقف عن الاستماع إلى بعض المحامين وتدوين أرقام الملفات المؤجلة في ورقة صغيرة.تقترب بعض النسوة التائهات من عون المحكمة في حذر شديد، ويسألنه حول ملف ما، حينها يقطب جبينه لكثرة انشغالاته وتعدد استفساراتهن، ويبدي لا مبالاة أو غضبا من كثرة الأسئلة التي تعيق مهامه الأصلية.رحلة بحث النسوة عن القاعات تشبه العثور على إبرة وسط كومة القش، هكذا صرحت إحداهن، إذ وجدت صعوبة في العثور على القاعة. بالمقابل الحركة في قسم الزواج، تبدو غير عادية. صمت يخيم على المكان شبيه بصمت القبور، فعالم المحاكم المغربية، سيما المحكمة الابتدائية الاجتماعية، مليء بالأسرار والغموض لا يكتشف تفاصيله، سوى الذي دخله وطرق أبوابه الضخمة. خالد العطاوي

رحلة نساء تائهات بمحكمة الأسرة بالبيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأزمي يدعو إلى بلورة إستراتيجية للنهوض بقطاع التأمين

بيد الله: روس أصبح طرفا في نزاع الصحراء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات