تراثنا يبرر الإكراه وزجر الأطفال

محمد مرجان الباحث في علم الاجتماع قال إن العنف لضبط سلوك الطفل يفقده احترامه لنفسه اعتبر الدكتور محمد مرجان العنف يقتضي إكراها وسلبا للحرية والاختيار، مع كل ما يتطلبه ذلك من عقاب و خسائر جسدية ومادية. وأضاف الباحث الاجتماعي أن عنف الآباء الموجه ضد الأطفال هو نتيجة مباشرة لحرمان هؤلاء الآباء من الحنان والحب خلال طفولتهم، مؤكدا أن مثل هذا الاضطراب النفسي يتعزز بفرضية التصورات التقليدية حول طرق التربية وأساليبها والتي في أغلبها تستلهم العنف بما يقتضيه من عقوبة وحرمان. وخلص مرجان إلى أن الخطاب التراثي يعكس صورة سلبية عن الطفولة، لذلك ظلت العملية التربوية المستندة على أشكال من العنف والقهر الجسدي شرعية، وشملت حتى جوانب أخرى من التنشئة الاجتماعية للطفل. هل يمكن اعتبار العنف الموجه للأطفال تعبيرا عن اضطراب نفسي وسلوكي، أم هو من صميم التربية التقليدية؟ ظاهرة العنف قديمة قدم التاريخ الإنساني، وهي تخص كل المجتمعات الإنسانية بدون استثناء، وقد أعلنت الفلسفة اليونانية الطابع الكوني لهذه الظاهرة على لسان هرقليطس الذي قال إن «العنف هو أب وملك الجميع".والتعريف السوسيولوجي لظاهرة العنف «استعمال القوة بكيفية خفية أو معلنة، بهدف الحصول من الفرد أو الجماعة بما لا يريدون قبوله طوعا» ومن هذه الزاوية يقتضي العنف إكراها وسلبا للحرية والاختيار، مع كل ما يتطلبه ذلك من عقاب و خسائر جسدية ومادية. كيف إذا يمكن للعنف أن يصبح مكونا أساسيا في العملية التربوية وفي أساليب التنشئة الاجتماعية للأطفال؟لا شك أن العنف والعدوانية هي سلوكات مكتسبة، وقد أكد العديد من المفكرين أن عنف الآباء الموجه ضد الأطفال هو نتيجة مباشرة لحرمان هؤلاء الآباء من الحنان والحب خلال طفولتهم. مثل هذا الاضطراب النفسي يتعزز بفرضية التصورات التقليدية حول طرق التربية وأساليبها والتي في أغلبها تستلهم العنف بما يقتضيه من عقوبة وحرمان، مما يعني أن الاضطراب النفسي يجد مرتعه الحقيقي في بعض أشكال الثقافة التقليدية التي تسمح باستمرار مثل هذه الممارسات العنيفة ضد الأطفال. ما هي أشكال ودرجات العنف الموجه ضد الأطفال؟ أشكال هذا العنف متفاوتة ومختلفة في نتائجها على نفسية الطفل. فالإيذاء الجسدي (الصفعة والعصا أورميه بأدوات حادة) قد تمثل لديه شعورا قويا بالخجل والإذلال، ولذلك ينتابه في الغالب إحساس بالعجز وفقدان الحماية من جهة، ولكن الاعتراف أيضا من جهة ثانية بسلطة الأب وبضرورة الخضوع الفوري لها. وعلى كل إذا اعتبرنا أن التربية هي نقل قيم المجتمع وعاداته وأعرافه إلى عمق التركيب الذهني للفرد، فإن الطفل في هذه الحالة يتلقى نماذج تربوية يحولها إلى أنماط سلوكية دونما تفهم أو نقد. فالعنف حتى ولو استعمل لضبط السلوك يجعل الطفل معتادا على البكاء والنحيب وبذلك يفقد احترامه لنفسه، وقد لا يشعر بها إطلاقا في المستقبل إلا إذا استطاع أن يذل الآخرين أو يقلل من قيمتهم. يحبل تراثنا الديني والاجتماعي ببعض الأقوال التي تنصح باعتماد العنف في بعض الأحيان، ما تعليقكم على الأمر؟تراثنا العربي زاخر بالتصورات والمواقف التي تبرر الإكراه والزجر في حق الأطفال، وهكذا يكشف ابن مسكويه طبيعة الطفل بهذا القول «ترى الصبي في ابتداء نشوئه يكون على الأكثر قبيح الأفعال(...) انه يكون كذوبا (...) ويكون حسودا سروقا نماما لجوجا ذا فضول» ونظرا لفظاعة هذه الأفعال وخبثها فإن العقاب والعنف ينبغي لهما أن يحلا محل الرأفة والحنان. يقول أبو الحسن علي القابسي «المعلم هو المأخوذ بأدبهم (الأطفال) والناظر في زجرهم عما لا يصلح بهم والقائم بإكراههم على مثل منافعهم» إلا أن العنف المدرسي بالتخصيص كان مقننا إلى حد ما، فلم يزد الفقهاء في تأديب الطفل أكثر من ثلاث ضربات، ولا ينبغي الزيادة في عددها إلا بإذن الوالدين. ومع ذلك استغل هذا الأمر لينتقل إلى مجالات تربوية أخرى على غرار المجال الأسري والذي جعل من العنف شرطا أساسيا لضبط السلوك اليومي للأطفال. فالأمثال الشائعة «كالعصا لمن عصى» و»أصل العصا من الجنة « هي محاولة لرفع الحرج وكسر التناقض بين العاطفة الأبوية والقسوة في التعامل، بل كانت بعض المواقف في عنفها وشدتها تجاه الطفل دليلا على رجولة الأب وفحولته. الاستخلاص الأساسي يقوم على أن الخطاب التراثي يعكس صورة سلبية عن الطفولة، لذلك ظلت العملية التربوية المستندة على أشكال من العنف والقهر الجسدي شرعية، وشملت حتى جوانب أخرى من التنشئة الاجتماعية لهذا الطفل. إن النموذج الاجتماعي الناتج عن مثل هذه العلاقة (العنيفة) هو نموذج مرضي يشدد ويؤمن بالسلطة والقوة ويستبعد الفهم والإدراك. في ظل هذا الوضع هل يمكننا افتراض حتمية إعادة الإنتاج لهذه السلوكات العنيفة مستقبلا من طرف الأطفال؟ أجرى الحوار: عزيز المجدوب

تراثنا يبرر الإكراه وزجر الأطفال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تضارب الدراسات العلمية حول ضرب الأطفال

الأطفال أكثر تعرضا للقهر والاستغلال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات