حديث الصباح: أكثر من مجرد دفتر تحملات…

نريد مغربا متعددا يناقش اختياراته ويرفض الفكر الأحادي وتسمع فيه جميع الأصوات سيتم فرض بث الأذان في القناة الثانية؟ لا، فالأمر لا يعدو إشاعة. صحافيو القناة الثانية يعبرون عن عدم موافقتهم على حكاية بث الأذان. صحيح أم خطأ؟ سيتم إلغاء اللغة الفرنسية من القناة الأولى. لا، إنها مجرد إشاعة، بل الأمر صحيح...منذ أيام والحديث يحتد حول موضوع دفاتر التحملات الخاصة بالإعلام العمومي، التي أعدها مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة. كنت أتصور أن أبجديات الممارسة السياسية تقتضي أن قرارات مهمة كهذه تناقش داخل مجلس الحكومة، لكي يتم الاتفاق حولها، لا أن يتم الأمر عبر أخذ قرارات انفرادية. ثم، لماذا لم يناقش ملف كهذا تحت قبة البرلمان؟ أين هو دور الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري؟ المشكلة الأولى التي تعترضني أمام دفاتر التحملات الجديدة أنها تتجاوز المبتغى منها، كمخططات إستراتيجية توجيهية وتنظيمية، لتصير تقريبا شبكة برنامجية. هل من مسؤولية الوزارة أن تحدد ضيوف البرامج وتوقيتها ولغاتها ومحتوى البرمجة الرمضانية؟ هل من مسؤولية الوزارة، بذريعة حماية القاصرين، التدخل في مداخيل المؤسسات الإعلامية؟ لماذا وكيف سنتحدث بعد ذلك عن تنوع إعلامي وعن منافسة بين مختلف قنوات القطب الإعلامي العمومي؟ هل ستصبح القنوات مجرد منفذ لدفاتر تحملات لا اختيارات إستراتيجية لها فيها؟ كيف سنحاسبها في ما بعد عما تقدمه لنا إن كانت تلعب دور العبد المأمور؟ ثم، وهذا الأكبر والأخطر، هل نحن نؤسس اليوم لفكر وحيد سنعممه على كل فئات المغرب؟ إنه سؤال جوهري يتجاوز النقاش التقني ليتعلق بالمجتمع ككل. ثم، لا أفهم لماذا قررت وزارة الاتصال فجأة أننا كمغاربة لا نحتاج إلى الترفيه. نحن نحتاج فقط إلى برامج الحوارات السياسية والاجتماعية وإلى رجال الدين (دفتر التحملات، وإن كانت لغته فضفاضة لا تعني الإلزامية، يتحدث عن مشاركة رجال الدين في البرامج الحوارية ذات الصبغة الاجتماعية. سيسعدني أن أرى المغراوي في برنامج يتحدث عن تطوير منظومة التعليم، وأرى الشيخ الزمزمي في حلقة عن إشكاليات الصحة في المغرب، والفيزازي يتحدث عن تطوير روح المقاولة لدى الشباب). نحن لا نحتاج الترفيه ولا الموسيقى ولا برامج التسلية والفكاهة. مصطفى الخلفي قرر مكاننا ومكانكم جميعا. نحن أيضا لا نحتاج إلى برامج باللغة الفرنسية. لا داعي لمناقشة الموضوع وطرح الحجج والحجج المضادة للوصول إلى اتفاق حول صلاحية هذا القرار أم لا. وزير الاتصال قرر مكاننا ومكانكم جميعا... تقنين الإعلانات عن اللوطو (كما يحدث في كل دول العالم) من أجل حماية القاصرين؟ لا داعي لوجع الرأس هذا... سنمنعها نهائيا ولا يهمنا تأثير ذلك على مداخيل القنوات، ولا كون القرار بأهمية اجتماعية واقتصادية تستدعي حدا أدنى من النقاش. إنها ليست مرافعة للدفاع عن واقع إعلامنا العمومي اليوم. قد نحبه وقد لا نحبه. قد يعجبنا وقد نهجره. قد نتابعه وقد ننتقده. إنها مسألة وصاية نرفض أن يمارسها علينا شخص، حتى لو كان وزيرا – صحافيا من ذي قبل، من منطلق قناعاته الخاصة. هناك دستور تغير وهناك مؤسسات ديمقراطية في البلد وهناك نقاشات حية وقوى فاعلة يجب أن تساهم في اتخاذ القرارات. إنها حرية الفكر والمبادرة التي أقرها الدستور، والتي تقرر فجأة أنها غير صالحة في الإعلام. إنه إعلام أردناه أكثر انفتاحا لتهدده دفاتر التحملات الجديدة بالانغلاق في وجه كل أنواع التنوع والتعدد. إنها ليست حكاية إعلام وتلفزيون فقط. إنه مشروع مجتمعي برمته يعتزم وزير الاتصال تغييره بمفرده، دون التشاور مع باقي مكونات مجتمع أبرز ميزاتِه تنوعُه وغناه. ماذا نريد لهذا المغرب أن يكون غدا: متنوعا أم منغلقا على ذاته؟ مغربا متطلعا للغد أم مغربا لا يجد زاده إلا في التراث؟ حين انتصر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، كنا كثيرين ممن لم يصوتوا له، وممن صفقوا لنجاحه الديمقراطي. كنا نصفق لمسار جديد في بلد نريده دائما متطلعا للغد. التقطنا الإشارات الإيجابية هنا وهناك وقلنا هذه بدايات التغيير. ضحكنا من بعض الفلتات الأولى وقلنا: «حزب لم يخبر الحكم والسلطة من قبل، ولابد من بعض العثرات في البداية. أو ليس لكل فارس كبوة؟». ثم توالت اللطمات (السياحة في مراكش فساد واستغلال للقاصرين. زواج القاصرين واقع علينا أن نقبله. زواج الفتاة من مغتصبها قد يكون في صالحها. المهرجانات تشجيع للرذيلة والفساد وتبذير لأموال الدولة...) لتعطي لبعضنا الإحساس بأن بعض وزراء حكومتنا المنتمين للحزب الإسلامي لا يفرقون بين موقعهم باعتبارهم مناضلين في حزب العدالة والتنمية، وبين كونهم وزراء وأعضاء في حكومة تمثل بلدا ككل، بكل مكوناته، حتى تلك التي لم تصوت للحزب. محاربة الفساد وتطوير مبدأ الشفافية لا يتأتيان فقط بنشر لوائح المستفيدين من مختلف أشكال الدعم أو اقتصاد الريع. تغيير المجتمع لا يتأتى بتصريحات منعزلة ومنفردة. إنه تصور شامل وإستراتيجي للتغيير، وأولى نواياه النقاش والحوار مع مكونات الأغلبية والمعارضة، في مجلس الحكومة وفي البرلمان. هناك بعد ذلك إعلام يناقش ومجتمع مدني وهيأة عليا للاتصال السمعي البصري يفترض أن لها دورا في كل هذا التصور القادم لإعلامنا العمومي وكل هذا اللغط الدائر. إلى جانب ذلك، فرض الفكر الأحادي والتصور النمطي للهوية المغربية لا يمكن أن يكون إلا كارثيا على مجتمع يسعى لإغناء تعدده. ليس هذا التلفزيون الذي نريده لأيامنا القادمة، ولا هذا الإعلام الذي سنعيد به المشاهد المغربي إلى تلفزيونه، ولا الذي سنتواصل به مع العالم. ليس هذا المغرب الديمقراطي الذي حلمنا به مع دستور وانتخابات 2011. نريد مغربا متعددا. مغربا يناقش اختياراته. مغربا يرفض الفكر الأحادي، مغربا تسمع فيه جميع الأصوات. مغربا بهوية متعددة.. ونريد أولا وقبل كل شيء أن يفهم حكامنا أننا لسنا قاصرين، وأننا لا نريد الوصاية من أي قوة عليا. نحن قادرون على الأقل على مناقشة اختياراتنا... بقلم : سناء العاجي, كاتبة

حديث الصباح: أكثر من مجرد دفتر تحملات…

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حوراني: قرارات الخلفي تفتقد إطارا شموليا

اعتقال ضابط سابق في نظام القذافي بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات