أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

قضاة التحقيق ليس لهم الحق في تقرير الإعفاء لأنه يكون بحكم (الحلقة الأخيرة) بقلم: الحطاب أبو مسلم* تضاربت أقوال الفقهاء – ومعهم بعض التشريعات، وبعض القرارات القضائية– بشأن الجهة المختصة بتطبيق الإعفاء من العقوبة، وبمدى وجوب تطبيقه عند توفر سببه، وفي مدة تقادم الجريمة ذات الطبيعة الجنائية في حالة تخفيض العقوبة بسبب الإعفاء الجزئي إلى حدود العقوبة المقررة للجنحة، و في مدى إلزامية المستفيد منه بوضع مذكرة بأسباب النقض عند الطعن به. وتعقيبا على ذلك نستغل هذه الفرصة، لإبداء رأينا في الموضوع، وذلك على ضوء النصوص النافذة (حاليا). فبخصوص الجهة المختصة: لا يختلف اثنان في أن الجريمة تمر غالبا –بعد وقوعها– بثلاث مراحل، مرحلة البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية، ومرحلة البحث الإعدادي الذي يقوم به قضاة التحقيق، ومرحلة البحث النهائي الذي تقوم به المحكمة. ومما لا خلاف فيه أيضا أن الشرطة القضائية لا يمكنها أن تقرر الإعفاء من العقوبة، سيما في حالة الإعفاء الكلي، وكذلك النيابة العامة، فليس لها حق حفظ المسطرة، بعد إحالتها عليها، بعلة وجود سبب معف من العقاب، وإنما يجوز لها ذلك في إطار الملاءمة. أما قضاة التحقيق فليس لهم الحق في تقرير الإعفاء، لأن الإعفاء يكون بحكم، وقضاة التحقيق لا يصدرون أحكاما، وإنما يصدرون أوامر. وفضلا عن ذلك، فإن مشرعنا قد حسم الأمر بجعل المحكمة هي المختصة وحدها بتقرير الإعفاء من العقوبة، يشهد لذلك الفصل 145 من القانون الذي جاء فيه ".... غير أن القاضي يبقى له الحق في أن يحكم على المعفى بتدابير الوقاية الشخصية أو العينية، ماعدا الإقصاء". ومن هنا كان القول بغير هذا يعتبر افتياتا على حق مقرر للمحكمة. أما فيما يخص إلزامية الحكم بالإعفاء، فقد ذهب بعض الفقه معززا ببعض قرارات المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) إلى أن المستفيد من العذر القانوني هو الذي عليه أن يثبت وجود العذر، وأن يتمسك به أمام محكمة الموضوع، لتكون حينئذ ملزمة بالأخذ به، في حين أن هذا التوجه – وعلى ما يبدو– لا يتلاءم لا مع ظاهر النصوص النافذة، ولا مع الصيغ الدالة على وجوب الأخذ بالعذر القانوني – و يكون شأنه، شأن الدفاع الشرعي – مع ما يترتب عليه من آثار، وهو ما عبر عنه الفصل 142 من القانون الجنائي في فقرته الثانية بقوله: "و يتعين عليه (القاضي) أن يحكم بالإعفاء، عندما يقوم الدليل على أنه يوجد، لصالح المتهم، عذر مانع من العقاب مقرر في القانون...." وهو نص لا يدع مجالا للشك في وجوب الحكم بالإعفاء متى تحقق سببه، ماعدا ما نص عليه القانون نفسه كحالة الفصل 196. يضاف إلى ذلك أن المشرع عبر في الفصول 416 و417 و418 و419 و420 و421. بكلمة "يتوفر .." أي بجملة خبرية في محل الإنشاء. وغير خاف أن التعبير بالجمل الخبرية في محل الإنشاء يفيد الوجوب على حد قوله تعالى في سورة البقرة 233، "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، وهي الطريقة التي يسلكها المشرع نفسه للتعبير عن الوجوب في بعض الحالات. نذكر من بينها على سبيل المثال ما نصت عليه المادة 526 من قانون المسطرة الجنائية بشأن التصريح بطلب النقض لدى كتابة الضبط لدى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بواسطة طالب النقض بنفسه، أو بواسطة محام، عندما قالت "يرفع طلب النقض ..)، و المادة 528 من القانون نفسه بشأن وضع مذكرة بأسباب الطعن لدى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه، خلال الستين يوما الموالية لتاريخ تصريحه بالنقض، حينما قالت "يضع طالب النقض .. مذكرة ..."، إذ لو لم يكن التصريح بطلب النقض، يجب تقديمه لدى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه، لما ترتب عنه الحكم بعدم قبول الطلب. ولو لم يكن وضع مذكرة بأسباب الطعن واجبا، لما ترتب عن عدم وضعها أصلا، أو وضعها بكتابة ضبط تابعة لمحكمة أخرى، سقوط الطلب. وواضح أن الوجوب في كلتا الحالتين مدلول عليه بالجملة الخبرية، لأن الجمل الخبرية المعبر بها في محل الإنشاء، لا يقصد بها الإخبار بما هو كائن حالا فقط، وإنما بما يجب أن يكون استقبالا أيضا، ثم إن الإعفاء من العقوبة يقتضي ثبوت الجريمة و قيام المسؤولية طبقا للفصل 143، وإلا قضت المحكمة بالبراءة. ويجب أن ينص في منطوق الحكم به على الإدانة، وعلى مقدار العقوبة المستحقة، كما لو لم يكن هناك عذر ما، قبل الحكم بالإعفاء، وبما يمكن أن يصاحبه من تدابير وقائية. وهكذا يكون على المحكمة أن تحكم بالإعفاء من العقوبة كلما ثبت وجوده تلقائيا ولو لم يتمسك به المتهم المستفيد منه، لتعلقه بالنظام العام، ولأن اشتراط التمسك به يعتبر من باب الإلزام بما لا يلزم. أما فيما يخص التقادم، ووجوب وضع المذكرة بأسباب الطعن، فيبدو أن الأمر محسوم بالنسبة لتشريعنا، ولا مجال للاختلاف فيه. ذلك إن التقادم يبدأ من تاريخ ارتكاب الجريمة، حسب المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية. وأن طبيعة الجريمة تتحدد بنوع العقوبة المقررة لها في القانون، لا بالعقوبة المحكوم بها، متى كانت مخففة لسبب من الأسباب، أو مشددة بسبب العود، لأن تخفيف العقوبة أو تشديدها في هاتين الحالتين، لا يغير نوع الجريمة، إلا إذا اقترنت الجريمة بظرف واحد أو أكثر من الظروف المشددة، طبقا للفصلين 112 و113 من القانون الجنائي. كما أن وضع المذكرة بأسباب الطعن يكون اختياريا في قضايا الجنايات، وإجباريا فيما عداها من القضايا الأخرى. وقضايا الجنايات –كما هو معلوم-هي التي يقرر القانون لمرتكبي جرائمها إحدى العقوبات المنصوص عليها في الفصل 16 من القانون المذكور. على أن هذا التضارب، أو ذلك الاختلاف الفقهي، لم يكن قاصرا على المذكرة، وإنما بدأ، قبل ذلك، في مدى جواز الطعن في مختلف الجرائم، أو في بعضها فقط. وأخيرا وليس آخرا، نتمنى أن تكون هذه الجولة المرهقة بين أسباب إباحة الجريمة، وأسباب الإعفاء عن عقوبات جرائم أخرى موفقة، وأن تكون نتائجها حافزة لتصحيح ما قد يرد فيها من أخطاء، ليستفيد منها، أولا و أخيرا، المتهم (الضعيف ) الذي لم يحسن استعمال حقه في الدفاع عن نفسه أو عن نفس غيره، أو ضد من يتسلق منزله المسكون ليلا أو عن ماله أو مال غيره، أو عن العرض والشرف، أو الذي يعوزه شرط من الشروط المتطلبة في الدفاع الشرعي، أو في سبب من أسباب الإعفاء التي تعتبر مجالا فسيحا لاختلاف (التقديرات) التي قد تجره إلى الإدانة، نتيجة ممارسة حقه في الدفاع عن النفس أو المال أو لحقه في الدفاع عن عرضه و شرفه، لأن الدفاع عن هذين يعتبر في الوقت ذاته دفاعا عن الأخلاق والدفاع عن الأخلاق، هو دفاع عن وجود الأمة، باعتبارها من الثوابت الراسخة التي أخذت تنفسخ والتي لا يمكن التخلي عنها بدعوى الحرية. * دكتور في الحقوق رئيس غرفة (سابق) بمحكمة النقض قــــــــــاض شرفي من الدرجة الاسـتثنائية مـــــــحام بهيأة البيضاء

أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اختطاف طفلة بمراكش

ملاسنات بين الرميد والجواهري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات