احترام القانون … تعقـد المساطـر يعطـل الحقـوق

محمد أمين المحفوظي يفسر عدم الانضباط بغياب ثقافة احترام القانون ونقص في التربية قال محمد أمين المحفوظي، المختص في علوم التواصل والرقمنة الإدارية والحكومات الذكية، إن غياب التواصل بين الإدارة والمواطن يؤدي إلى اتساع دائرة الشك والريبة وعدم الثقة. وأكد المحفوظي أن غياب التربية على المواطنة وثقل المساطر الإدارية يعقدان الحصول على الخدمات، وينشران سلوك الرشوة واستغلال النفوذ ويسفهان الحقوق. < كيف تفسر لجوء موظف إلى التعسف ضد مواطنين يريدون الحصول على وثائق من حقهم؟ < يدفع ثقل المساطر المسؤول الإداري إلى استغلال النفوذ، خاصة إذا علمنا أن الإدارة المغربية غير شفافة لأنها لا تعلق منشورات تلتمس من المواطن التوفر على بعض الوثائق لاستخلاص وثيقة معينة، فإذا ولجت إلى المقاطعة هل تجد شيئا مكتوبا يلتمس منك أنه إذا أردت الحصول على عقد الازدياد مطلوب منك التوفر مثلا على دفتر الحالة المدنية، أو صورة طبق الأصل لبطاقة التعرف الوطنية؟ والسؤال المحير لماذا تجد دائما أمام الإدارة المغربية كيفما كان نوعها محلات نسخ الوثائق" الفوطوكوبي"؟، الجواب لو بحثت في الأمر لوجدت أن مسؤولا ما هو من يمتلك تلك المحلات، يجني منها أموالا طائلة، لأنه بكل بساطة استغل غياب الشفافية في المعاملة الإدارية وفرض كما هائلا من نسخ الوثائق على المواطنين لتحصيل خدمة عمومية. < من الملاحظ أيضا أن المواطن يلجأ إلى التعسف أثناء طلب حق من حقوقه؟ < تغيب ثقافة الانضباط إلى القانون من قبل المواطنين والإدارة، لعدم غرس ثقافة احترامه منذ الصغر، ما يجعل الأمر مستعصيا. يتعامل المواطنون بلغة أخرى، بها جهل بالقانون، أو تغاض عنه، أو الخضوع له بطرق أخرى. فإذا دخلت أي مدينة مغربية، هل تجد معلومات تخص الأحياء والمناطق التي تود زيارتها، الجواب حتما لا شيء على الإطلاق، ما يجعلك تحت رحمة نقص المعلومات. وهذا يفرض عليك البحث عنها ولحظتها تعاني من التضليل أثناء البحث أو يفرض عليك أداء " إتاوة ما" لمعرفة ما تريد الحصول عليه. لذلك تتيه في دروب المدينة والإدارة وتتعطل حياتك، وإذا أردت أن تحصل على ما تريد تتبنى النسق السائد وتتعسف على القانون. ويغيب لدى المغاربة ترسيخ ثقافة الانتظار واحترام المساطر القانونية مع تبسيطها، لذلك يعلنون استعدادهم منح الرشوة أو الاتصال بشخصية ما كي تتدخل على الفور، لمساعدتهم على تحصيل الخدمة التي يرغبون فيها، وكل شيء بمقابل مادي أو رد الخدمة بأحسن منها. < هل كل ما سبق يفسر استمرار سلوك الرشوة؟ < إن إشكالية خرق القانون والتعامل مع الإدارة بالرشوة أو استغلال النفوذ، ليس له علاقة بسن عقوبات زجرية ما أو الإفلات من العقاب بصفة عامة، لأن ذلك مرتبط أساسا بتعثر عمل الإدارة المغربية ككل، وبعقلية تبادل المنافع بطريقة أو أخرى، فلو أخذنا على سبيل المثال قانون مدونة السير، فإنه إذا ارتكبت خطأ في الطريق وأنت تسوق سيارتك، يتم إيقافك من قبل مراقب عملية السير والجولان، وتسحب منك الرخصة حسب نوعية المخالفة المرتكبة، فيطلب منك مراقب المرور تسوية وضعيتك القانونية تحت طائلة المنع من السياقة ، وقد يبدو الأمر بسيطا وعاديا وحتى سهلا لحل هذا الإشكال، لكن في واقع الأمر حينما تقرر أن تسوي وضعيتك القانونية باسترجاع رخصة السياقة وفق المساطر القانونية الجاري بها العمل، فإنك تصطدم بعدة عراقيل لم تكن تعلم بها، إذ تعيش أياما من الجحيم وأنت تتصل وتنتقل من إدارة إلى أخرى ، وهذا راجع إلى وجود مساطر تفرض عليك تطبيقها بطريقة أو أخرى وتستغرق منك 15 يوما، وتصل إلى المحكمة، ما يجعلك تحت الضغط والتوقف عن السياقة وضياع مصالحك. ولهذه الأسباب يفكر المغربي مائة مرة، قبل تطبيق القانون أثناء استرجاع رخصة السياقة، فيقدر أنه سيكون من السهل عليه أداء الرشوة لرجل الأمن أو لأي موظف آخر وتفادي مرارة التنقل وضياع الوقت، لذلك تكرس الدولة سياسة عدم الثقة بين المواطن والإدارة بفرضها مساطر ثقيلة وتعجيزية. < لماذا يقدم المواطنون الرشاوي إلى المسؤولين وهم واعون أنهم خرقوا القانون؟ < إن الدولة التي تسعى إلى استخلاص المال العام عبر أداء الضرائب والغرامات، مطلوب منها تسهيل المساطر، وليس الانتقام منك وممارسة ما يمكن أن نطلق عليه سيادة " الإحباط الجماعي الإداري" كوسيلة وحيدة لدفع المواطنين لجبر الضرر، أثناء ارتكاب الخطأ أو حتى بدونه، فهي تكرس الهوة بين المواطن والإدارة التي من المفروض فيها حل مشاكل المواطنين، لا تضخيمها. فهل سبق للمغربي أن ولج إلى إدارة ما ووجد منشورا فوق مكتب المسؤول أو معلقا في ردهة الإدارة فيه نوعية الوثائق التي يجب أن يحملها معه المواطن لتحصيل خدمة عمومية ما؟ هل تجد لافتة يؤكد من خلالها المسؤول الإداري أن تحصيل وثيقة " أّ" يتطلب نصف ساعة من الانتظار، وأن الوقوف إجباري في طابور منذ الساعة كذا إلى كذا، وأنه إذا طلب منك موظف أداء رشوة، يمكنك على الفور الاتصال بالرقم كذا؟. فهذه الأمور لن تجدها بالمغرب وهي معمول بها في فرنسا مثلا، إذ حتى إذا طلب منك الانتظار لمدة ساعتين لتحصيل خدمة ما، فإنك تكون على علم بهذا الأمر، ما يجعلك تلج الإدارة وأنت تحمل معك كتابا لقراءته إلى أن يحين دورك لاستخلاص وثيقتك الإدارية، ويمكنك أيضا الاستعانة بالحاسوب من منزلك أو مقر عملك لاستخلاص وثيقة ما لا تتطلب الانتقال إلى الإدارة. الحل الجذري كما اتضح لنا عبر تحليلات مختلفة قمنا بها أن هناك عجزا واضحا لدى الدولة في التواصل عبر مختلف الأبعاد المستعملة عند المواطنين، وإصرارها على التواصل عبر معلومات فضفاضة تكون مستعصية الفهم في معظم الأحيان، وصعبة الربط بالحياة اليومية عند مختلف الشرائح من المواطنين. كما أن عملية التواصل عند الدولة لا تقدم اليوم أي علاقة "سببية" بين البرامج والحياة المحلية للمواطنين. و بذلك تتكون فجوة من عدم الثقة والشك الهيكلي بين المواطن و إدارات الدولة ما يجعل الانصياع إلى القوانين و المساطر صعبا للغاية، مثل قانون السير ونظام الغرامات و ما جلبه تطبيقها من ويلات. ومن جهة أخرى لاحظنا أيضا أن الإدارة المغربية تسجل نقصا صارخا في وسائل التواصل والإعلام. (نقص وانعدام - في قطاعات ومناطق كثيرة - لشبابيك الاستقبال والتوجيه، عدم توفر وسائل رقمية وممكنة لتسجيل الشكايات،...) كما تسجل عجزا واضحا في الكفاءات المتخصصة في التواصل والعلاقات العامة. وهناك احتقان تواصلي عند كلا الجانبين، وهذا الاحتقان ناتج عن عدم توفر التقنيات والمعلومات اللازمة لدى كل طرف. لذلك فإن ربط كل هدف إستراتيجي للدولة بمشروع أو عدة مشاريع منزلة بدقة متناهية لتلبية احتياجات المواطنين وشرائح الشعب على مستوى الجماعات المحلية، حتى الصغيرة والبعيدة منها، سيمكن الجميع من نهج سياسة استباقية وحمائية تجاه كل أشكال الاحتجاج سواء كانت جماعية أو فردية. أجرى الحوار: أحمد الأرقام

احترام القانون … تعقـد المساطـر يعطـل الحقـوق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رانيا شوقي تغادر مضطرة

جانح هدد الشرطة بـ"سيف" بمكناس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات