في خيمة علام 5 لم تخل أيام الصيف من مواسم حج إليها الفرسان من المدن قبل البوادي وضاقت المحارك بالخيل في تجمعات صغيرة وكبيرة، وتسابق أصحاب السربات على حجز بطاقات المشاركة في مسابقات التبوريدة، التي زادت مجهودات الأميرة الراحلة للا أمينة من حدة التنافس فيها، إذ أصبح لـ "العلامة" هدف سنوي من خلال محاولة الظفر بواحدة من جوائز المسابقة الوطنية بدار السلام، ما نجمت عنه عودة الروح إلى طقوس وتقاليد نجت من حكم النسيان بفضل رجال لم تخطئ العيطة عندما قالت في حقهم "مالين الخيل خرجو الفعايل". تتضاعف محنة الفرسان المبتدئين، إذ يحتاج الراغبون في دخول عالم "التبوريدة" إلى تدريب كبير ومستمر من أجل ترويض الجواد على طريقة دخول الميدان والعدو في انسجام تام مع باقي الخيول. ويكون "العلام" هو المشرف على المبتدئين الذين يبدؤون مسارهم في عالم الفروسية بالركوب على مهور صعبة المراس، على اعتبار أن عملية التعلم ثنائية، لأن الغاية هي حصول التفاهم بين الفارس الشاب ومهره، الذي ما إن يصبح حصانا حتى يدخل صاحبه مرحلة النضج والتمرس. ولا يلعب المبتدئ في المواسم مباشرة بل يواظب في البداية على حضور التجمعات التحضيرية التي عادة ما يقيمها المقدم، حتى يفتح المجال للخيول والفرسان الجدد للتعلم والاندماج في الفريق، وذلك بإشراف من المقدم المسؤول عن تنظيم الفرقة عند خط البداية وإعطاء إشارة الانطلاق والوقوف الذي يعد بمثابة سيطرة على الجواد، وتكون الإشارة النهائية بإطلاق الرئيس طلقة من بندقيته التقليدية، وبعد ذلك يعود الفرسان إلى نقطة الانطلاق ليكرّروا العملية من جديد، ويستعرضوا مهاراتهم أمام الجمهور. وللحفاظ على اللياقة البدنية للجواد، يحتاج صاحبه إلى ترويضه باستمرار، والعناية به وفق برنامج مضبوط وصارم من العلف والتدريب والغسل، وإلا فإنه يفقد بسرعة لياقته وقدرته على المنافسة، خاصة من قبل الفرسان الشباب، الذين عادة ما يتحملون عبء الاعتناء بالجياد ليس فقط اقتصادا للمصاريف وأجور العمال بل بحثا عن مزيد من الألفة مع المهر. وتتطلب كل تلك المهام من صاحب الحصان إمكانيات مادية كبيرة ترهق كاهله بميزانية ترتفع بالتدريب مع اشتعال أسعار العلف وتعاقب سنوات الجفاف، إذ هناك من يصرف كل مداخيله على الجواد كما هو الحال بالنسبة إلى زاكي الذي يقر بأن متطلبات جواد التبوريدة أكبر من مصاريف سباقات الدراجات النارية الكبيرة هوايته السابقة. وعلى غرار المقدم على العليجي شيخ خيالة "عين تيدغة" بسطات، يتخوف كثيرون من انقراض هذا الفن العريق، خاصة أن من يحافظ على هذا التراث هم من الفلاحين البسطاء الصّامدين في البوادي في غياب أي دعم من المؤسسات الرسمية التي يفترض فيها السهر على تقديم المساعدات لهؤلاء بغية الحفاظ على التراث الرمزي للبلاد، خاصة في الأيام العصيبة، وفي مواسم الصيف التي تتطلب من "الباردي" مصاريف زائدة مثل التنقل إلى حلبات السباق في المواسم والمهرجانات. ولا بديل لعشاق هذا التراث ومحترفيه من المراهنة على إقبال أجيال جديدة عليه للحفاظ على رأسمالهم الرمزي الذي توارثوه عن أجدادهم، وذلك في ظل تحذيرات من الانحراف عن الأصل وتغيير الطريق المغربية، التي يلخصها شيخ خيالة "عين تيدغة" في ضرورة التقيد بمراحل "التخريج"، خاصة في التعامل مع السلاح، أي "الهدة" كما يسميها الخيالة في إشارة إلى رفع البندقية، ثم "الحطة" و"الكرنة"، وتعني الكلمات الثلاث مراحل تحكم الفارس في اللجام أثناء القتال الافتراضي. ياسين قطيب