في حياة كل منا بصمة حزن، قد تكون الدافع نحو المجهول في حال الاستسلام إليها، وجعلها محور الحياة، وقد تكون الدافع نحو التغيير إلى الأفضل. محمد الهيني، القاضي السابق والمحامي حاليا بهيأة تطوان، عاش فترة عصيبة انضافت إلى ما عاشه في طفولته، بعد عزله من سلك القضاء، وواجه المجهول، رفقة أسرته، بعدما تخلى عنه من كان يعتبرهم سندا له في الحياة، لكن ذلك الحزن كان دافعا له لتغيير حياته وحياة أسرته إلى الأفضل. كريمة مصلى الأخيرة ... نهاية الظلم قبل مجلس هيأة المحامين بتطوان الطلب الذي تقدم به القاضي السابق محمد الهيني ومنحه العضوية بها، قرار مجلس الهيأة جاء بعد دراسة مفصلة للملف وحيثياته، واستغرق ذلك مدة من الزمن، أن القرار لن يصبح نهائيا إلا بعد انقضاء أجل الطعن فيه من قبل النيابة العامة والمحدد في 15 يوما. واعتبر محمد الهيني أن قرار قبوله ضمن هيأة المحامين بتطوان هو قرار تاريخي رفع من شأن الدفاع عاليا، على اعتبار أن الهيأة كانت دائما السباقة إلى الدفاع عن الحقوق والحريات ومناصرة المظلومين، وأن قبول الطلب ارتكز على أسس قانونية ودستورية وفقهية وقضائية، وأن هيأة المحامين بتطوان اعتبرت المتابعة التأديبية التي كان القاضي موضوعا لها والتي ترتب عنها عزله من القضاء، تندرج في إطار حرية الرأي والتعبير ولا تتعلق بالشرف والمروءة، كما ارتكزت الهيأة في قرارها على ما تضمنه قرار المجلس الدستوري في شأن القوانين المنظمة للسلطة القضائية بعد أن أبطل المخالفة التي تتعلق بإبداء رأي في موضوع ذي صبغة سياسية. كما استندت في ذلك أيضا، حسب الهيني، على قرارات محكمة النقض التي اعتبرت أن المادة 18 من قانون المحاماة يجب تفسيرها على ضوء المادة 5 من القانون نفسه بشأن قبول العضوية من عدمه. ولم يخف الهيني ساعتها أنه يتوسم خيرا من النيابة العامة بتطوان في عدم الطعن في قرار مجلس هيأة المحامين بالمدينة نفسها، بالنظر إلى انعدام أي سبب واقعي أو قانوني يستوجب الطعن، وأن يتم تحديد تاريخ أدائه القسم بعد انتهاء آجال الطعن، متمنيا في الوقت نفسه أن تسمو وزارة العدل باعتبارها مازالت تمارس الرئاسة على النيابة العامة ساعتها، على أي حزازات وخلافات الشخصية وأن تحتكم إلى منطق الرزانة في التعامل وتنتصر لصوت الحكمة، في التعامل مع ملفه حتى لا يظلم مرة ثانية بعد جريمة العزل التي كان ضحيتها. تخوفات الهيني ستصبح حقيقة بعد أن طعنت النيابة العامة في القرار وأيدته غرفة المشورة باستئنافية تطوان، وشكل ذلك القرار إعداما للقاضي السابق وفي أول رد فعل على القرار قال الهيني ساعتها " إن الحكم الذي أصدره الرئيس الاول لاستئنافية تطوان بالنظر إلى انه هو من ترأس الجلسة، كان إرضاء لوزير العدل والحريات، ولم يستند على روح القانون واجتهادات محكمة النقض"، وأن معركته لن تتوقف عن هذا القرار. بل سيتم الطعن فيها بالنقض أمام محكمة النقض التي سبق لها أن أصدرت اجتهادات في وقائع مماثلة. في تلك اللحظة العصيبة التي تعرف فيها المعادن، تنكر للهيني بعض أصدقائه في مجال العدالة، الذين لم يكن يتصور للحظة أن تصدر عنهم تلك المواقف، بل إن واحدا منهم يحكي الهيني قال له إنه لا يمكنه الاعتماد عليه في الإدلاء بأي شهادة أو تقديم مساعدة، وإنه قد انتهى ولا يمكنه مجابهة الوزير. نزلت تلك العبارات كالصاعقة على الهيني الذي لم يفقد الأمل في المستقبل وفي القضاء المغربي وهو ما تم فعلا بعد أن أنصفت محكمة النقض للقاضي السابق محمد الهيني، بنقض القرار السابق لمحكمة الاستئناف بتطوان القاضي برفضه تسجيله في مهنة المحاماة، وقررت المحكمة نقض القرار وإحالته على محكمة الاستئناف بتطوان للنظر فيه من جديد بهيأة غير تلك التي أصدرت القرار السابق، وليتم الحكم في ما بعد لفائدته بتسجيله في الهيأة التي ينتمي إليها حاليا.