مذكرات “رجل سلطة بالإذاعة” … غضبة البصري

مذكرات "رجل سلطة بالإذاعة" 7 أفرج عبد الرحمن عشور مدير الإذاعة الوطنية سابقا والإطار بوزارة الداخلية، أخيرا، عن مذكراته التي اختار لها عنوان "رجل سلطة بالإذاعة" صدرت ضمن كتاب يشكل سفرا في ذاكرة رجل عايش مخاضات تجربة الجمع بين قطاعي الداخلية والإعلام في لحظة مفصلية من تاريخ المغرب أسالت الكثير من المداد، ولم تنجل ملابساتها وتفاصيل خلفياتها بعد. لأول مرة يتحدث عشور بكل جرأة عن تجربة أزيد من سبع عشرة سنة، وبعض خبايا العمل الإذاعي، كما يرفع الستار عن إكراهات مسؤولية تدبير مؤسسة إعلامية من حجم الإذاعة الوطنية، في عهد إدريس البصري والملك الحسن الثاني والبدايات الأولى لحكم الملك محمد السادس. في هذه الحلقات تختار لكم "الصباح"، بعد استئذان المؤلف، بعضا من أقوى مقاطع الكتاب، الذي يعد وثيقة تتضمن تفاصيل غير مسبوقة، لا يمكن الاطلاع عليها، إلا من خلال الإبحار في متن الكتاب كاملا. عدم بث نشاط ملكي يخرج وزير الداخلية والإعلام عن صوابه لم تكن تخلو علاقة عبد الرحمن عشور، حين كان مديرا للإذعة الوطنية، بإدريس البصري حين كان وزيرا للداخلية والإعلام، من العديد من التفاصيل والحكايات المثيرة والمواقف الإنسانية المليئة بالانفعالات، وهو ما أفرد له جانبا مهما من فصول الكتاب باعتبار المدة التي قضاها معه مسؤولا عن قطاع حساس كان يوليه الوزير القوي أهمية قصوى. ومن أهم الفترات التي استحضرها عشور في كتابه، لحظات غضب الوزير وانفعالاته التي كان يتحاشاها كل من يشتغل بالقرب منه، إذ يقول "على مدى سنوات من اشتغالي بوزارة الداخلية، وحضوري عددا من اجتماعات إدريس البصري بأطر الوزارة، لم يحدث أن شاهدت الوزير القوي في حالة من الغضب القصوى وصلت إلى حد "الهستيريا"، فكان يرغي ويزبد ويتلفظ بألفاظ نابية، تخرج من فمه مثل زخات رشاش من العيار الثقيل، ونحن أمامه متصلبون كأننا أمام كتيبة إعدام". ويستعيد عشور ظروف وملابسات هذه "الغضبة البصرية" بقوله إن سببها "عدم بث التلفزيون في أحد الأيام من سنة 1986، لخبر استقبال الملك الحسن الثاني بأكادير لوفد يمثل الطائفة اليهودية. إذ بعد انتهاء مراسيم الاستقبال سأل جلالة الملك البصري عن التوقيت الذي سيبث فيه هذا النشاط الملكي على شاشة التلفزة، فأجابه الوزير، دون أن تكون لديه أي فكرة عن برامج التلفزة لتلك الليلة، بأن هذا النشاط سيكون جاهزا للبث في الساعة كذا من مساء اليوم". وتابع عشور "وعوض الاتصال مباشرة بمدير التلفزيون ارتأى البصري تكليف ثلاثة عمال بوزارة الداخلية بالانتقال إلى مقر التلفزة، قصد تبليغ تعليماته بخصوص شريط الاستقبال الملكي، والحرص على بثه في الوقت المقرر، ويظهر أن موفدي البصري اكتفوا بالاطمئنان على أن النشاط الملكي سيقدم في النشرة الأخيرة واستغلوا فرصة وجودهم بمكتب مدير التلفزة، لاختيار بعض الأفلام المسجلة على أشرطة فيديو، ثم ذهبوا إلى حال سبيلهم". ويضيف أنه "لدى حلول توقيت بث صور النشاط الملكي، والذي أخبر به البصري جلالة الملك، كان الملك رفقة أعضاء الوفد ينتظر أمام الشاشة، وحدث أن الشريط الذي خضع لعمليات التوضيب لم يكن جاهزا للبث، إذ تعذر على الفريق التقني إعداده في الوقت المطلوب، وفي انتظار الانتهاء من عمليات التوضيب، شرعت التلفزة في بث أغنية عاطفية، إلا أن المفاجأة المثيرة هي انتقال القناة التلفزيونية إلى بث أغان وطنية، دون سابق إعلان، الواحدة تلو الأخرى، وهو عرف سارت عليه الإذاعة والتلفزة، كلما تعلق الأمر بانتظار خطاب ملكي، أو احتفاء بمناسبة وطنية كبرى". ويسترسل عشور "واصلت التلفزة بث الأغاني الوطنية دون توقف، وهو ما أثار اهتمام الكثير من المسؤولين، فأخذت حرارة الهواتف ترتفع، وفجأة توقف بث الأغاني وقطعت التلفزة برامجها وودعت المشاهدين دون تقديم نشرتها الأخيرة، وتوضيح سبب إذاعتها لأغان وطنية". ويواصل "صبيحة اليوم الموالي تم استدعاؤنا نحن الثلاثة، العامل المدير العام ومدير الإذاعة ومدير التلفزة، إلى مكتب الوزير، وكان رفقة بعض مساعديه والعمال الذين أوفدهم بالأمس إلى الإذاعة. كان البصري في حالة من الغضب الشديد ويصرخ بانفعال، فخاطبنا قائلا "لقد أمضيت ليلة بيضاء، جلالة الملك أنّبني ووبخني على التقصير الذي حصل" فكان يصيح وهو يجول بعينين جاحظتين، وكأنه يبحث عن رأس يحمّلها ما وقع، وما إن يستجمع أنفاسه حتى يعود إلى حالة الغضب ضاربا بقبضة يده بقوة على مكتبه، ثم يعود ليخاطبنا بصوت مرتفع، مركزا نظراته على وجوهنا وهو يقول "أنتم تدركون أن خصومي يريدون التخلص مني، والإيقاع بيني وبين سيدنا، فلماذا تعطونهم أنتم الفرصة، ألا تدركون أنني أدرت وجهي لجميع ملذات الحياة لأخدم سيدنا، وأنتم بتصرفكم هذا تضعونني في موقف ضعف وشفقة أمام جلالة الملك". وفي اليوم الموالي أعيد استدعاء المسؤولين الثلاثة فأعاد البصري تشنيف أسماعهم بعبارات السب والشتم، قبل أن يدعو مدير التلفزة لمرافقته إلى مسالك الغولف للمثول بين يدي الملك، والطريف أن الأمور مرت في ظروف عادية، إذ اكتفى الحسن الثاني بمعاتبة المدير بأسلوب أبوي، لا علاقة له بحجم الغضب الذي أبداه البصري. إعداد: عزيز المجدوب

مذكرات “رجل سلطة بالإذاعة” … غضبة البصري

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الكلاب … سلالات وطبائع: "لابـرادور"

الإدارات المحلية ... الداخل مفقود والخارج "منتوف"

مقالات ذات صلة