وزارة الــداخلـيــة… تحـجيـم السلـطـة

ظل الهمة في الوزارة كان أقوى من وزير الداخلية نفسه في مسلسل الانتقال من التقنقراط إلى الساسة تدرجت وزارة الداخلية خلال العشرية الأخيرة نحو استعادة مكانتها الطبيعية وتحجيمها بعد أن «تغولت» خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني. واستبق النظام هذه المرحلة الجديدة في عهد وزارة الداخلية بإطلاق المفهوم الجديد للسلطة سنة 1999، وهو المفهوم الذي عاد الملك ليؤكد عليه خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة، بالإشارة إلى أن وضع مفهوم جديد لممارسة السلطة، يقتضي توطيد سلطة الدولة على دعائم سيادة القانون، معتبرا أن الأمر لا يتعلق بـ»إجراء ظرفي لمرحلة عابرة أو مقولة للاستهلاك، وإنما هو مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه. كما أنه ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها».إعفاء وزير الداخلية السابق، إدريس البصري، كان أول إشارة في هذا الاتجاه، وتجديد الوزراء القائمين على الداخلية، بشكل دوري كان إشارة ثانية في اتجاه إعادة بناء الوزارة وإعادتها إلى حجمها الطبيعي بعد أن أصبحت في عهد الملك الراحل، الآمر الناهي والمتحكم في دواليب الدولة بدون منافس ولا منازع، بعد مباشرة بعد إعفاء الوزير القوي، في فترة الحسن الثاني، خلفه أحمد الميداوي، فقال الأخير قولته الشهيرة: أنا.. أنا وهو.. هو. كانت رسالته واضحة إلى نهاية مرحلة وبداية أخرى، تخلق حالة من التوازن بين السلط دون أن «تتغول» وزارة على حساب أخرى، رغم أن القطاعات التي تشرف عليها الداخلية جعلت دائما في مرمى العاصمة وعلى خط التماس مع الأحزاب السياسية، في مسألة الإشراف على الانتخابات، والهيآت الحقوقية، في ما يتعلق بالمسؤولية الإدارية عن التدخلات الأمنية، وأيضا مع الأفراد بحكم الاتصال اليومي مع المرافق التابعة للإدارة الترابية.على مدار 12 سنة، جلس فوق كرسي وزارة الداخلية ستة وزراء، بمعدل سنتين لكل واحد منهم. في حين كان سلفهم إدريس البصري قضى أكثر من ثلاثين سنة على رأس القطاع الوزاري وحوله إلى مركز قوة تدور في فلكه باقي الوزارات. بعد أحمد الميداوي، وزيرا للداخلية، خلفه إدريس جطو، في فترة قصيرة وسريعة أهم ما ميزها الإشراف على الانتخابات التشريعية لسنة 2002، ليحل محله مصطفى الساهل، الذي سرعان ما سينتقل إلى مقر الأمم المتحدة سفيرا بمقر البعثة الدائمة للمغرب، بعد أن ترك مقعده التقنقراطي لشكيب بنموسى، الذي استمر ولاية حكومية كاملة، ليحل مكانه القاضي الطيب الشرقاوي، الذي ترك مكانه لامنحد العنصر ليقتسم قطاع وزارة الداخلية مع المدير العام السابق للأمن الوطني، الشرقي ضريس.بإلقاء نظرة سوسيو مهنية على الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الداخلية، يبدو أن القاسم المشترك بين أغلبيتهم أنهم لم يمروا بقطاع الداخلية، بمعنى أن علاقتهم بأجهزة هذا القطاع الترابي حديثة وابتدأت مع بداية إشرافهم على وزارة الداخلية. بعد إدريس البصري، الذي ابتدأ ضابطا بجهاز الأمن، فرضت الظرفية الانتقالية داخل هذا الجهاز الحساس، وفي ظل ظروف إعفاء البصري، أن يكون خلفه، أحمد الميداوي، غير بعيد عن الجهاز نفسه، إذ شغل الأخير منصب مدير عام للأمن الوطني، قبل تعيينه وزيرا للداخلية. بعده مباشرة استدعي إدريس جطو، وزير الصناعة سابقا ورجل الأعمال، ليقوم بمهام وزير الداخلية، وكانت مهمته الأساسية الإشراف على إدارة ملف الانتخابات الأولى من نوعها في عهد الملك محمد السادس، سنة 2002. انتهت مهمة جطو بتعيينه وزيرا أول، وخلفه على رأس وزارة الداخلية وزير سابق، لا علاقة له بالجهاز، يدعى مصطفى الساهل، فقد سبق لهذا الأخير أن شغل منصب وزير للصيد البحري، ثم جاء بعده إلى الوزارة من عالم المقاولات مرة أخرى، شكيب بنموسى، الذي تميزت فترته بإدارة أول جولة للمفاوضات في قضية الصحراء بعد اقتراح المغرب مخطط الحكم الذاتي، وكذا إشرافه على الانتخابات التي جاءت بالاستقلاليين إلى الوزارة الأولى سنة 2007. من جهاز القضاء عين الطيب الشرقاوي، ليخلف بنموسى في وزارة الداخلية، لتعود الوزارة إلى الأحزاب السياسية بعد أكثر من أربعين سنة في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، حين عين على رأسها أمين عام الحركة الشعبية، امحند العنصر.خلال مراحل تغيير وزراء الداخلية على مدار عشر سنوات الأخيرة، ظل فؤاد عالي الهمة، رجل الظل، في مقر وزارة الداخلية، فقد تنقل بدوره خلال هذه الفترة من كاتب للدولة في الداخلية إلى وزير منتدب، وفي بعض الأحيان بدا أن الرجل أقوى بكثير من وزراء الداخلية أنفسهم، بحكم موقعه القريب من الملك، وهو ما جعل ظل الوزير أقوى من الوزير نفسه في هذه العشرية. إحسان الحافظي

وزارة الــداخلـيــة… تحـجيـم السلـطـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أم الوزارات تلبس رداء الحزبي ويتحكم فيها التقنقراطي

90 في المائة من أوراش البناء ببني ملال غير قانونية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات