المجتمع المدني بمصر والتمويل الأجنبي… عض الأصابع

أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية تصاعدت مشكلة التمويل الأجنبي للمنظمات المدنية على نحو ينذر بأنها سوف تستغرق وقتا طويلا، بعد أن قرر القاضي إحالة 19 مواطنا أمريكيا من الذين يعملون في هذه المنظمات على المحاكمة، إضافة إلى عدد آخر من المصريين ومن جنسيات أخرى، أثبتت التحقيقات أنهم كانوا يعملون في مصر بدون ترخيص، وأنهم تلقوا أموالا من الخارج بمبالغ ضخمة جرى إنفاقها في أغراض سياسية. وفى ضوء هذه التحقيقات، أمرت المحكمة بمنع سفر نحو 40 شخصا، من بينهم عدد من موظفي المعهد الديمقراطي الحر والمعهد الجمهوري الديمقراطي، وفيهم سام لحود ابن وزير النقل الأمريكي، وبعضهم يحمل الجنسيات الصربية والألمانية والمصرية! (ما الذي أدخل الصرب في هذه اللعبة؟).لم تعجب هذه الإجراءات كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، التي أبدت غضبها من تجرؤ السلطات القضائية المصرية على احتجاز الموظفين الأمريكيين والتحقيق معهم ومصادرة أوراقهم وأجهزة الكمبيوتر في مكاتبهم. وسارع ما يقرب من أربعين عضوا في الكونغرس إلى الاحتجاج لدى وزارة الخارجية الأمريكية، والضغط عليها لوقف المساعدات الأمريكية وقدرها 1.3 مليار دولار، أو تعليقها إلى حين الإفراج الفوري عن الموظفين الأمريكيين.احتجت الإدارة الأمريكية بأن هذه الهيآت تعمل وتتعامل مع المنظمات الحقوقية المصرية منذ سنوات عديدة، ولم تكن مسألة حصولها على ترخيص من الأمور التي اهتمت السلطات المصرية بها في عهد النظام السابق. وتحت ستار العمل على نشر الديمقراطية والدفاع عن الحريات، كانت تعقد الاجتماعات وتوزع الأموال وتقام المشروعات. وفى تقرير أمريكي لصحيفة «هيرالد تريبيون»جاء أن المعهد الجمهوري كان يعقد الاجتماعات المهمة في الخارج، تجنبا لإثارة الشكوك أو تعكير صفو العلاقات مع حكومة الرئيس السابق!والمشكلة، كما تبدو، ترجع إلى أسلوب تعامل النظام السابق مع المنظمات الأمريكية التي عملت في ميدان حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، حيث تركت لها حرية العمل دون ترخيص. ومن خلال الثغرات القانونية والمواءمات السياسية، حصلت هذه المنظمات على تسهيلات كبيرة في تحويل الأموال وإنفاقها، وعدم التضييق على المنظمات الحقوقية المصرية التي تتلقى مساعدات أمريكية، ما دامت تعمل تحت رقابة الأمن وسمعه وبصره.ومن الواضح أن السبب المباشر في ذلك يرجع إلى أن المنظمات المصرية حرمت من تلقي مساعدات من أي جهات داخلية أخرى، وتركت ضحية لما تقدمه الدول الأجنبية، أمريكا والاتحاد الأوربي من معونات ومنح. وأمكنها بذلك تحقيق بعض الأهداف التي ساعدت على نشر الاهتمام بحقوق الإنسان. رغم أن القوانين الأمريكية تمنع على المنظمات الحقوقية أي نشاط سياسي في أمريكا، فإنها في مصر ترك لها الحبل على الغارب. ومن المفهوم طبعا أن يؤدي تجفيف منابع الأموال الأمريكية إلى ثورة عارمة بين المنظمات المدنية المصرية، حين شن رجال الأمن حملة على مكاتب المنظمات في دجنبر الماضي، وهو ما يفسر أيضا ذلك الهجوم الضاري على التحقيقات التي يجريها القضاء.تمر مصر الآن بمنعطف خطير، يجعلها عرضة لتدخلات خارجية ومؤامرات دولية. وأيا كانت الأسباب فإن ما يجري الآن هو لعبة لعض الأصابع بين مصر وأمريكا، لكي تضطر مصر إلى فتح أبوابها أمام التدخلات الأمريكية بدون رقيب أو حسيب.. وأصبحت المساعدات هي سيف المعز وذهبه!وفي مؤتمر الأمن الأوربي في ميونيخ هذا الأسبوع، شنت هيلاري كلينتون هجوما حادا على الحملة الأمنية التي يطلقها الحكام العسكريون في مصر على المنظمات الأمريكية والمحلية لنشر الديمقراطية. وهددت وزيرة الخارجية بأن موقف مصر من منظمات العمل المدني من شأنه أن يؤثر على العلاقات، وعلى قرار تخصيص المساعدات السنوية بما يؤدي إلى تعليقها.واشنطن لا ترى أي مبرر للمداهمات التي تعرضت لها المنظمات الأمريكية، ولكنها، فيما يبدو، لا ترى مانعا من استثنائها وإعطائها وضعا خاصا يعفيها من المساءلة القانونية والقضائية التي تخضع لها سائر المنظمات. وهذا هو وجه الخلاف بين البلدين: إن الديمقراطية معناها سيادة القانون وهو ما تطبقه أمريكا نفسها في بلادها، ولكنها تعترض عليها حين تطبقها مصر.لا جدال في أن اهتزاز الأوضاع في مصر بدأ يغري قوى كثيرة أجنبية وعربية بمحاولة النيل والتطاول على مظاهر السيادة المصرية. وسوف نرى ونسمع قريبا ردود الفعل في الخارج حين يتم نقل الرئيس المخلوع من منتجعه الحالي إلى مستشفى سجن طرة! سلامة أحمد سلامة: عن «الشروق المصرية»

المجتمع المدني بمصر والتمويل الأجنبي… عض الأصابع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رفض مشروع منع النقاب بهولندا

التشكيلي نبيلي في دار البقاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات