الثقافة الجنسية … إشكـال مجتـمعـي معـقـد

يحياوي: تكسير الطابو يحتاج حسم المرجعية في اتجاه التحرر يطرح موضوع التربية الجنسية ودور وسائل الإعلام إشكاليات كبيرة، تتجاوز سؤال قبول أو رفض الانخراط في هذا النوع من التحسيس، رغم الإجماع على ضرورته في بناء تربية سليمة، تؤسس لمجتمع حداثي يقوم على مبادئ احترام حقوق الإنسان وتشجيع الحريات الفردية. وإذا كان الجميع اليوم يؤكد أهمية انخراط مختلف مؤسسات المجتمع من أسرة ومدرسة ووسائل إعلام في تكسير هذا "الطابو"، فإن الجميع يقر بصعوبة فتح هذا الورش الكبير، بسبب الإكراهات المجتمعية الثقافية منها والنفسية، بل وحتى التمثلات الدينية، الخاطئة التي تجعل من التربية الجنسية، عن خطأ، مرادفا للإباحية أو إشاعة الانحلال باسم الحرية. إن التربية الجنسية بما تعنيه من تلقين دروس في الحياة الجنسية للأفراد داخل الأسرة أو المدرسة، بهدف التحسيس المبكر بأهمية هذا الجانب من التربية الذي لا يقل أهمية عن باقي مستويات التربية على المواطنة، لا يمكن التغاضي عنها بمبررات الخوف من رد فعل المجتمع، أو التذرع بعدم فتح الملف/ الطابو، بمبرر "الحشومة"، لسبب بسيط هو أن تطور المجتمع في ظل الثورة الرقمية والمعلوماتية، تجاوز إمكانية فرض رقابة على الأبناء وإبعادهم عن تناول مثل هذه الموضوعات، التي أصبحت حاضرة في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الحياة اليومية. ولذلك، يصعب اليوم استمرار العمل بمنطق النعامة ودفن الرؤوس في الرمال، والهروب من سؤال التربية الجنسية، الذي وجب فتح باب النقاش فيه بين مختلف مكونات المجتمع. إن الأمر يتعلق بموضوع اجتماعي حيوي، لا يتعارض مع الأصول أو القيم، كما يحاول المعارضون تبرير عجزهم عن تكسير الحواجز النفسية والتقاليد المجتمعية المتجاوزة. إن دور وسائل الإعلام في تكسير الطابو، والمساهمة في خلق مساحات للتثقيف والتحسيس بأهمية التربية الجنسية ليس فقط بالنسبة إلى الصغار من الأطفال والشباب، بل أيضا بالنسبة إلى الكبار، يبقى أمرا مرغوبا فيه شريطة ضبط الإشكالية وتحديد الأهداف المتوخاة منها، وهي العملية التي تتطلب فتح حوار عميق بين المختصين في التربية والأسرة والإعلام، للوصول إلى تحديد مفهوم التربية الجنسية أولا، ونوعية الخطاب الذي يجب تبليغه من خلال الإعلام، والسقف المرغوب في بلوغه. يقول الباحث يحيى اليحياوي، المختص في قضايا الإعلام والاتصال، إن المشكل في تناول الموضوع، هو عمق الترسبات النفسية والثقافية التي تحيط بالمجتمع في تناول مثل هذه الموضوعات التي ما زالت تشكل طابوهات في المجتمع المغربي، فكل حديث عن الجنس، يعتبرا خطابا مذموما وموضوع محرما للنقاش المفتوح داخل الأسرة ، وبين أفرادها ، لأن الأمر يتعلق بعالم المكبوتات، وهي وضعية يصعب تجاوزها بسهولة. وأوضح اليحياوي في حديث مع "الصباح" أن الأمر يختلف عن المجتمعات الغربية، التي عرفت تحررا كبيرا، حيث يمكن للأم أن تمنح لابنتها أقراص منع الحمل عند بلوغ سن الثامنة عشرة، ومناقشة العلاقات الجنسية قبل الزواج، وتقديم النصائح لها في هذا الشأن، بعيدا عن أي ضغط ثقافي أو ديني أو اجتماعي، كما هو الشأن في المجتمع الإسلامي. إن الموضوع هنا يتعلق بوضعية المجتمع، قبل أن يكون موضوع الإعلام، والذي يظل مجرد عاكس لما يجري فيه، ولن يكون بمقدوره حل المشكل العويص، متسائلا في هذا الصدد" هل بإشهار "الفوطة الصحية"، يمكن الحديث عن تربية جنسية" وتكسير الطابو، أو من خلال برامج معزولة في التلفزيون أو الإذاعة، سيتم اقتحام هذا الموضوع المعقد"؟. إن وسائل الإعلام في رأي اليحياوي، تبقى عنصرا مساعدا في فتح النقاش في الموضوع، وليست عاملا محددا أو حاسما، لأن المشكل يتعلق بإشكالات في المجتمع، وعلى أرض الواقع، قبل أن تكون موضوعا أو برامج إعلامية. ولذلك وجب طرحه أولا داخل الأسرة والمدرسة والجامعة، ليشمل مختلف مؤسسات المجتمع، وآنذاك يمكن للإعلام أن يواكب ذلك بالتحسيس والنقاش الضروريين، من خلال البرامج واللقاءات، لتبليغ الرسالة وتوسيع نشرها وإيصالها لأوسع فئات المجتمع. ومن بين الإشكاليات التي تواجه فتح هذا الملف، سواء في وسائل الإعلام أو في مؤسسات المجتمع التربوية، الجواب عن سؤال أي تربية جنسية نريد، وما هي المرجعية التي تقف وراء هذا الموضوع، وبأي سقف يمكن مناقشتها، في ظل منظومة قانونية ما زالت تكرس منع لقاء شاب وشابة في فضاء عام، وإمكانية اعتقالهما بتهمة الفساد؟ علاقة المغاربة بالجنس معقدة قدم الباحث يحيى اليحياوي، نماذج من العوائق المجتمعية والثقافية التي تقف عائقا أمام نشر التربية الجنسية، من قبيل رؤية المجتمع الذكورية، والتي ما زالت تنظر إلى جلوس فتيات لوحدهن في حديقة أمرا مريبا، واعتبارهن في "وضع غير قانوني"، ليخلص إلى أن العملية معقدة جدا، وأن دور وسائل الإعلام يبقى مكملا لما يجب أن تقوم به باقي الروافد المجتمعية من أسرة ومدرسة وجامعة، لأن علاقة المغاربة بالجنس وتمثل الدين للممارسة الجنسية كلها أسئلة لم تحسم داخل المجتمع، وتواجه قوانين وتشريعات لا تساير الإرادة في تطوير التربية الجنسية وإشاعتها من خلال وسائل إعلام حرة ومتمكنة من الموضوع. إن الحل في رأي اليحياوي، هو مجتمعي قبل أن يكون في الإعلام، الذي هو مجرد وسائل لإيصال الخطاب إلى المتلقي، بعد الحسم في التوجهات والاختيارات والمرجعية التي يجب أن تؤطر هذه التربية، والحال أننا نواجه اليوم حربا على التربية الفنية والموسيقية في برامجنا التعليمية، فما بالك بفتح ورش التربية الجنسية الذي لا يستسيغه ذوو المرجعية الدينية المنغلقة؟ برحو بوزياني مواضيع الملف: التربية الجنسية… “البلوكاج” علوم الباه… جنس الأجداد مواقع كسرت جدار الصمت تبدأ في سن مبكرة ودون حرج شباش: لا تشجع على “المسخ” التوعية لا تعني الإباحية توعية المراهقين… “النقش على الماء” الحــــــلال الحــــــرام نبض المجتمع الجنس والأنترنت… صراع القيم والتطرف

الثقافة الجنسية … إشكـال مجتـمعـي معـقـد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الثقافة الجنسية ... مواقع كسرت جدار الصمت

تأديب 11 محافظا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات