آسفي تنجو من كارثة بيئية

حالات اختناق نتيجة تسرب غازات سامة وحقوقيون يدقون ناقوس الخطر تتوالى الأحداث وتتسارع بمدينة آسفي، بشكل يثير الاستغراب لدى الكثير من السكان، الذين لم يعودوا يفهمون سبب ذلك.. آخر هذه الأحداث الدراماتيكية، ما وقع عشية يوم الخميس الماضي، بعدما تعرض المئات من المواطنين إلى الاختناق، نتيجة تسرب غاز ثاني وثالث أكسيد الكبريت الذي تنفثه معامل الفوسفاط، إذ سادت حالة من الهلع والخوف في صفوف المواطنين، الذين غادر بعضهم تلك الليلة إلى مناطق خارج المدينة، خوفا من كارثة بيئية، كادت تضرب آسفي، في حين سارعت النيابة العامة فور علمها بالحادث، إلى إعطاء تعليماتها للضابطة القضائية لإجراء تحقيق في النازلة، وتحديد المسؤوليات المترتبة عن ذلك... كان كل شيء عاديا تلك الليلة، حيث ساحة محمد الخامس، القلب النابض للمدينة، تعج بالعشرات بل المئات من المواطنين والمواطنات، الذين يختارونها للتنزه، في حين كانت أغلب المقاهي مكتظة عن آخرها، كما هو حال هذه المدينة كل مساء..الناس مازالوا يتحدثون بكثير من الألم والحسرة، عن «نحس» يطارد هذه المدينة، التي عاشت على أحداث ساخنة منذ بداية هذه السنة، أحداث لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع حدوثها بهذه المدينة.فجأة، ستعم سحابة ضباب كثيف، سرعان ما تسببت في اختناقات للمواطنين، الذين انتشرت بينهم شائعات تتحدث عن وقوع تسرب كميات كبيرة من الغاز بالمركبات الكيماوية بجنوب المدينة، وأن إدارة الفوسفاط لم تستطع السيطرة على الوضع.انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وصار الكثيرون يتنبؤون بوقوع كارثة حقيقية بالمدينة، في وقت غاب المسؤولون من مجلس حضري وسلطات إقليمية وصحية، لتفسير ما وقع وطمأنة المئات من المواطنين، الذين هرعوا خارج المدينة.«يا الله أسيدي دخّل الكراسة، صافي هاذي راه شي مصيبة جاية المدينة، زرب زرب»، يقول نادل مقهى لصديقه، وهما يستعدان لإغلاق المقهى، بعد حادث تسرب الغازات.لم تعد شوارع آسفي وساحاتها مكتظة بالمواطنين، فأغلبهم توجهوا إلى المصحات الخاصة وقسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس، في حين غادر آخرون المدينة هروبا من الكارثة.الطاقم الطبي بالمستشفى الإقليمي بدا مرتبكا أمام الأعداد الكبيرة التي وفدت على المستشفى، منها حالات حرجة لبعض المصابين بأمراض الربو والحساسية.عضو من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكد ل «الصباح» أن هذه الحالة شبيهة بل وأكثر من تلك التي وقعت قبل ست سنوات، وبالضبط خلال نونبر 2004، إذ تسربت عدة غازات سامة في فضاء المدينة، قادمة من المركبات الكيماوية، مما تسبب في حدوث حالات اختناق في صفوف نساء ورجال ورضع.أكثر الأحياء تضررا تلك الواقعة بالمنطقة الجنوبية بالمحاذاة مع المركب الكيماوي، بطريق الصويرية القديمة، حيث تعرض العشرات لحالات اختناق حادة، ولم يجد أغلب سكان هذه المناطق الهامشية، حتى سيارات إسعاف تقلهم إلى المستشفى، قبل أن يتطوع أعضاء من الجمعية المغربية لحقوق الانسان وفعاليات محلية لنقلهم إلى قسم المستعجلات لتلقي الإسعافات.الحصيلة التي أعلنتها السلطات بآسفي، تتحدث عن إصابة 63 شخصا باختناقات نتيجة تسرب لغاز ثاني وثالث أكسيد الكبريت، في حين تتحدث مصادر حقوقية أخرى عن إصابة ما يزيد عن 250 شخصا عدد منهم توجهوا إلى مصحات خاصة.وفي الوقت الذي كان العشرات من المصابين يتلقون العلاجات بالمستشفى الإقليمي، كان أعضاء بحركة 20 فبراير، وبعض النشطاء الحقوقيين، يرددون شعارات تدين غياب مشاريع تنموية حقيقية بالمدينة، واستمرار شتى أشكال التهميش والإقصاء والحرمان، منها مظاهر الثلوث الذي تعرفه المدينة منذ عقود، وغياب تصورات حقيقية لمعالجة الاختلالات البنيوية للبيئة بآسفي.كما رفع المحتجون، أمام بوابة المستشفى الإقليمي شعارات ضد رئيس الجماعة الحضرية للمدينة، وممثلها في الغرفة الأولى للبرلمان، مطالبين إياه بالرحيل، وعدم استغلال هذه الأحداث انتخابيا، وهو ما أذعن له رئيس الجماعة الحضرية الذي غادر المستشفى.حقوقيون ونقابيون يتهمونمصادر من نقابة عمال الفوسفاط العضو في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أكدت ل «الصباح»، أن هذا الحادث لم تشهد له المدينة مثيلا منذ سنة 1965 التي عرفت وضع اللبنات الأولى للمعامل الكيماوية التابعة لمغرب فوسفور، معتبرة أن حادث تسرب الغازات السامة خلال 2004، كان محدودا جدا، ولم يكن بتلك القوة التي عرفها تسرب الغازات الخميس الماضي.النقابة ذاتها، أصدرت بيانا للرأي العام، توصلت «الصباح» بنسخة منه، اعتبرت، أن المسؤولية «تقع على عاتق المنظومة الإدارية اللامسؤولة، فأغلب الانبعاثات الغازية الكثيفة ليوم الخميس كان مصدرها جشع المسؤولين لرفع الإنتاج والمردودية، وهي العملية المتكررة على الدوام في غياب آليات متطورة لغسل الغازات السامة، خصوصا المنبعثة من المدخنات.وتشير النقابة نفسها، إلى أن يوم الحادث صادف أيضا، إصابة أحد العمال بالحامض الفوسفوري في عينيه، كما سبق لها أن راسلت إدارة مغرب فوسفور بخصوص التسربات الخاص، خلال شهر رمضان الماضي.النقابة ذاتها، عادت لتثير الوضع الاجتماعي بالمدينة، التي تعيش منذ شهور إيقاع الاحتقان، نتيجة العديد من مظاهر الفساد المستشرية، مؤكدة على أن «هذه الكارثة البيئية سيكون لها تأثير على المناخ العام بالمدينة، وسيكون لزاما الوقوف الآني عن الأسباب والمسببات».الجمعية المغربية لحقوق الانسان فرع آسفي، سارعت هي الأخرى، إلى إصدار بيان للرأي العام، والإعلان عن وقفة احتجاجية عصر يوم غد (الخميس)، مشيرة إلى أن ما وقع خلال يوم الخميس ثامن شتنبر الجاري، جريمة بيئية.واعتبرت الجمعية ذاتها، أنها ليست المرة الأولى، وإن كانت الأكثر خطورة، التي يتعرض فيها السكان إلى ما أسماه البيان بالحروب الكيماوية، موضحا أن سكان المدينة معرضون باستمرار إلى مخاطر الثلوث البيئي والصحي، نتيجة تسرب انبعاث غازات سامة.وأشارت الجمعية في بيانها إلى ضرورة مواجهة مخاطر التلوث الذي تسببت فيه هذه المركبات الكيماوية، بجبر الضرر لسكان المدينة، من جراء ما لحق بالمواطنات والمواطنين من تدهور في صحتهم وبيئتهم، وذلك من خلال توفير مستشفيات متعددة التخصصات بالمدينة وبالمجان، وبناء مرافق عمومية ومراكز خاصة لحماية بيئة وصحة المواطن المسفيوي، والتوزيع العادل للثروات، وحق أبناء المدينة في التشغيل أو التعويض عن البطالة. إجراءات للحد من نسب التلوثكما أصدرت جمعيات أخرى، كجمعية حماة البيئة بآسفي، بيانات تنندد بما وقع وتطالب بحماية القطاع البيئي بالمدينة من التدهور، واحترام شروط الصحة والسلامة.مصدر من مغرب فوسفور بآسفي، أكد ل «الصباح»، أن الحادث تم تهويله، وأن سبب تلك التسربات الغازية يعود إلى انتشار الحرارة المفرطة التي شهدتها المدينة في اليومين الأخيرين، و إلى «التحرك البطيء للتيارات الهوائية التي تعمل عادة على تفكيك مقذوفات الغازات المنبعثة من العوادم».وأضاف المصدر أن إدارة مغرب فوسفور، تساهم في الحفاظ على البيئة، وتتقيد بعدة اتفاقيات في شأن الصحة والسلامة، وكذا معايير الجودة المتفق عليها عالميا، موضحا أن حضور الأنشطة البيئية يندرج في صميم اختصاصات المركب الكيماوي، إذ تم غرس أزيد من مائة ألف شجرة بالمدينة ومحيطها، فضلا عن مشاريع أخرى، مقللا من حدة التأثيرات الغازية التي فاجأت الجميع..مصدر من إدارة الفوسفاط، اعتبر أنه لا يمكن الحديث عن نسبة صفر في المائة من التلوث في كل بقاع العالم، إذ أن وجود أنشطة اقتصادية يفرض بالمنطق والعقل وجود نسسبة معينة من التلوث، "لكننا نتخذ عدة إجراءات للحد من هذا التلوث"، يقول المصدر نفسه.لكن بعض المتهمين بالمنطقة، يؤكدون أن وجود الأنشطة الاقتصادية الأخرى بالمدينة، لا يفرز نسبة التلوث نفسها التي تفرزها معامل الفوسفاط.ولادات حيوانية غريبةبعض سكان الدواوير المجاورة للمركب الكيماوي، اعتبروا أنهم أكبر المتضررين من هذه المعامل، حيث يقول أحدهم “إذا كانت المدينة قد تضررت لليلة واحدة، فإننا نعيش يوميا على إيقاع تسرب مثل هذه الغازات وغيرها من الملوثاث، فحتى المحصول الفلاحي أصبح يتراجع سنة بعد أخرى، في حين أن العديد من الولادات الحيوانية الغريبة تسجل بالمنطقة بين الحين والآخر، دون أن ينتبه أحد إلى ذلك، أو يبحث عن الأسباب الكامنة وراءه.ويشير عدد من الفلاحين، إلى أن ظاهرة الولادات الحيوانية الغريبة التي تعرفها المنطقة من حين لآخر، جعلت أغلبهم يهاجر تلك الدواوير المحاذية للمركب الكيماوي، هروبا من تأثيرات بيئية تعدت الإنسان إلى الحيوان.الحقيقة الغائبةالفعاليات النقابية والحقوقية بالمدينة، تتشبث بتحميل المسؤولية إلى المركبات الكيماوية، في التلوث الذي تعرفه المدينة، في حين أن إدارتها تتشبث بأنها تحترم معايير الصحة والسلامة، وتساهم في العديد من الأنشطة المرتطبة بالقطاع البيئي بالمدينة.. وبين هذا وذاك ينتظر المواطن المسفيوي نتائج تقارير مختبرات أجنبية خاصة أجرت بحثا حول المركبات الكيماوية والوضع البيئي بالمدينة، لإنهاء حالة الشد والجذب... مشاريع اقتصادية ضخمة تنتج التلوث يؤكد يوسف جنعي، أحد المتهمين بالقطاع البيئي بالمدينة، أنه أمام غياب الوسائل الناجعة لتجنب التلوث الناجم عن النفايات السائلة، فإن قنوات التصريف الحضرية والصناعية تطرح نفاياتها في البحر دون أي معالجة مسبقة، إذ أن حوالي 90 في المائة من المؤسسات الصناعية تقوم برمي نفاياتها في البحر دون ربط قنواتها مع شبكة التطهير، مكونة بذلك سلسلة من قنوات تصريف خاصة بها تتوزع على طول الساحل خاصة الجنوبي منه، الذي يعرف تمركز أغلب هذه الصناعات، مما يؤدي إلى انحصار الملوثات في مجال واحد. وينضاف إلى ذلك التلوث الكيماوي الذي تسببه وحدات المركب الكيماوي، التي تمثل حصة الأسد بنسبة 97,19 في المائة من مجموع النفايات والإفراغات السائلة التي تصرف في البحر بأسفي. فكيماويات أسفي تحتاج إلى ما يقل عن 300 لتر في الثانية لتبريد محركاتها ولغسل الفوسفاط، وأهم عواقب هذه العملية هو طرح ما يناهز 53600 لتر مكعب في اليوم, وهذا يؤدي إلى تلوث بالغ الخطورة لمياه البحر.ويشير جنعي، إلى أن خطورة النفايات السائلة ذات الطبيعة المعدنية التي يطرحها المركب الكيماوي تبدو أكثر وضوحا إذا علمنا أن هذه` المعلمة الصناعية تلقي لوحدها ما يعادل 30 مرة النفايات السائلة ذات الأصل الحضري والصناعي (غير الكيماوي). ويشير الباحث ذاته، إلى أن الإخلال بالتوازن الحمضي القاعدي للوسط البحري يؤدي إلى حدوث اضطرابات في الوظائف البيولوجية للكائنات الحية، وعلى سبيل المثال نشير أن الوسط الأكثر قاعدية أو حمضية يعيق وظيفة التوالد عند الكائنات الحية ذت الإخصاب الخارجي، إذ يتسبب في إبادة الأمشاج الذكرية والأنثوية قبل التقائها. محمد العوال (آسفي)

آسفي تنجو من كارثة بيئية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ابتدائية فاس تبرئ ابن شباط

الربيع... سقط فرعونان وفر نمرود

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات