الإجهاض… التوافق المفقود

محافظون وحداثيون اهتدوا إلى صيغة مشتركة للتقنين ب"تحفظ" قبل سنتين، وفي سابقة في تاريخ البلاد، خرج إلى العلن نقاش حول قضية مجتمعية حارقة، هي الإجهاض، الذي تضطر مئات المغربيات يوميا إلى ممارسته بطرق سرية، في الغالب، إذ تتحدث الأرقام غير الرسمية عن حوالي 600 عملية إلى ألف يوميا. فبعدما كانت قلة قليلة تجرؤ على الخوض فيه، وتجاهر بإعادة النظر في الفصول القانونية المنظمة للإجهاض، بادرت وزارة الصحة ربيع 2015، إلى فتح نقاش رسمي حوله، فأعلنت تنظيم أول لقاء وطني، اختارت "الإجهاض: التأطير القانوني ومتطلبات السلامة الصحية"، موضوعا له، وجمعت على طاولة واحدة عشرات الشخصيات تعكس مختلف التيارات "المتصارعة" حول الموضوع، انتهت بعد شهور من المفاوضات باقتراح تعديل، تحفظ الجميع على بنوده. العثماني يقترح تعديل القانون الموضوع الذي كان مادة دسمة وأرضية لصراع غير مسبوق بين الحداثيين والمحافظين، يتفقون على أنه أحد أبرز بؤر التوتر الفكري والمجتمعي، ويختلفون حد التضاد حول إيجاد صيغة توافقية تحقق مطلب فئة ولا تجهز على مبادئ الثانية، تحول منذ ذلك اليوم، إلى القضية المجتمعية الطاغية، عشرات التظاهرات والندوات والمناظرات، تناسلت منذ ذلك الحين وتحولت إلى منصات يدافع فيها كل طرف عن موقفه باستماتة سيما بعدما تقرر تعديل القانون. أحد أبرز المدافعين عن اقتراح تعديل القانون الجنائي بما يسمح بإجراء عمليات إجهاض في حالات محددة، كان سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، الذي ناظر تحت قبعة القيادي في العدالة والتنمية، دفاعا عن تعديل فصول القانون الجنائي المتعلقة بالإجهاض. دفاع عكس قناعة الطبيب النفساني بآنية التعديل، نظرا لارتفاع الكلفة الاجتماعية للإجهاض، "سيما السري منه، الذي يكلف المنظومة الصحية والمجتمع كثيرا، نظرا للمخاطر التي يتسم بها، فيما تبقى مضاعفات الإجهاض العلني الذي يتم في ظروف طبية محدودة جدا"، يقول العثماني في اللقاء الوطني، حتى إنه ذهب إلى حد تعداد مخاطر الإجهاض، وكشف آنذاك أرقاما صادمة عن الأمهات اللواتي يفقدن حياتهن أثناء الوضع، بسبب الإجهاض. بنحمزة يعارض اصطفاء النوع هذا التوجه الذي يتفق إلى حدود كبيرة مع مؤيدي التقنين من الحداثيين، الذين أكدوا أنهم ملتزمون بعدم السماح بعمليات الإجهاض بالمطلق، وإنما غايتهم توسيع الحالات التي يشملها، وفق شروط وحالات محددة تمليها صحة الأم بالدرجة الأولى. وعكس تيار دعاة تقنين الإجهاض، خرج الفقيه مصطفى بنحمزة، ليعارض مؤيدي الإجهاض، آنذاك، داعيا إلى الابتعاد عن الغلو والشذوذ كيفما كان، "كان شذوذا دينيا أو غيره". موقف يستند بالأساس على الحق في الحياة، وعلى سؤال "ما ذنب الجنين ليعدم؟"، ذلك أن مؤيدي هذا الطرح يبررون رفضهم الإجهاض، حتى إن كان الأمر يتعلق بحمل ناتج عن زنا المحارم، بضرورة مساءلة مرتكب الجرم ومحاسبته، ما دام الأصل في الموضوع محاربة الأسباب وليست النتائج. وردا على دعاة الإجهاض في حال حدوث تشوهات خلقية للجنين، نبه بنحمزة إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون جماليا ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره سببا يبطل حياة الإنسان و"إلا فإن الأقزام والمكفوفين وفئة كبيرة سنقول لهم، إنكم جئتم خطأ إلى الحياة"، منبها إلى أن كل المجتمعات عبر دول العالم تحارب ظاهرة "اصطفاء النوع". هجر المغلي الشرايبي: نأمل ألا يغير العثماني موقفه بعد أزيد من سنتين على فتح النقاش حول تقنين الإجهاض، الذي انتهى بتعديل القانون، وجعل الإجهاض مباحا، في أربع حالات، تهم زنا المحارم والاغتصاب والمختلات عقليا، فضلا عن التشوهات الخلقية، دون أن تتم المصادقة على الصيغة في البرلمان، أكد البروفيسور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، أن الحوار مازال مستمرا "فمشروع القانون مازال في البرلمان، لأن المصادقة عليه تزامنت مع نهاية الولاية الحكومية، ومازلنا نأمل أن يخضع إلى تعديلات نرى أنها ضرورية". وأوضح الشرايبي في تصريح لـ "الصباح"، أن الحالات الأربع التي تم التوافق بشأنها غير كافية، لأنها تمثل فقط 10 إلى 15 في المائة من حالات الإجهاض، فيما هناك حالات أكبر تهم الفتيات القاصرات وعددا من الحالات الاجتماعية، مؤكدا أن الحل الوحيد هو الالتزام بتعريف مفهوم الصحة طبقا لمنظمة الصحة العالمية، فمادام الفصل 455 يقول إن الإجهاض مباح في حال كانت صحة الأم في خطر، فإن الأمر لن يكون فيه أي إشكال إذ اعتمدنا التعريف الأممي للصحة، أي الصحة النفسية والبدنية والاجتماعية. وأردف البروفيسور أن الحقوقيين سيمهلون العثماني مدة إضافية، قبل العودة إلى إحياء الملف من جديد وجعله يبرز على سطح الأحداث "لكن نأمل فقط ألا يتراجع عن مواقفه، بعدما كان من بين المدافعين عن تقنين الإجهاض"، مبرزا أن "الحوار سيستمر إلى حين تحقيق المطالب التي نراها باعتبارنا حقوقيين معقولة".

الإجهاض… التوافق المفقود

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإعدام...حرب المحافظين والحداثيين

وفاة نزيل بسجن سلا

مقالات ذات صلة