أزمة روسيا وضجة موريتانيا تكشفان قلة خبرة الزعماء السياسيين في القضايا الخارجية كشفت التصريحات الأخيرة لحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال حول موريتانيا، وقبله عبد الإله بنكيران، زعيم "بيجيدي" حول الأزمة السورية، ضعف تعاطي بعض الأحزاب مع قضايا السياسة الخارجية، والتي تحرص الدولة على تدبيرها بحكمة وتعقل، بعيدا عن القراءات الخاصة والارتجال، والتي تربك أداء الدبلوماسية الرسمية، والتي يسهر الملك على تفعيلها من خلال المبادرات التاريخية التي رسمها للسياسة الخارجية للمملكة. السياسة الخارجية... المجال المحفوظ للملك تجارب تعيين وزراء خارجية من الأحزاب رافقتها بعض الأخطاء والملك يظل الفاعل الدبلوماسي الأول ظلت وزارة الخارجية إلى حدود 2011، خارج الدائرة الرسمية للقادة السياسيين، وقد شكلت ما اصطلح عليها "وزارة سيادة"، بوصفها تابعة مباشرة للإشراف الملكي، يعين فيها من يراه مناسبا من مقربيه أو من التقنوقراط غير المتحزبين. وينطوي التدخل الملكي في رسم السياسات الخارجية أو ممارسة العمل الدبلوماسي على صلاحيات دستورية تجعل من الملك ممثلا أسمى للدولة. نهاية وزارة السيادة قبل حكومة 2011 استطاب بعض الساسة فكرة وزارات السيادة حتى لا تكون الملفات والقضايا التي تقع على خط التماس مع صلاحيات الملك مثار جدال بين الأحزاب السياسية والمؤسسة الملكية، وهي الفكرة التي غذت تشكيل الحكومات طيلة أربعين سنة، وشمل هذا الاستثناء وزارات الداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية ثم وزارة العدل، أربع حقائب ظلت طيلة فترة الملك الراحل الحسن خارج التنافس الحزبي، إذ اختص الملك بالتعيين فيها كما اختص بتعيين باقي الوزراء وفق مسطرة دستورية كانت تجمع بيد الملك، قبل دستور 2011، بين سلطة التعيين ومهمة التنصيب. ومع تعديل الدستور والانتقال إلى ربط تعيين رئيس الحكومة بناء على نتائج صناديق الاقتراع واقتصار سلطة الملك على التعيين، مقابل تفويض سلطة التنصيب الحكومي للبرلمان، يكون الملك محمد السادس قد قطع مع فكرة السيادة في التعاطي مع الحقائب الوزارية، فقرر أن يضع وزارة التعاون والشؤون الخارجية بيد السياسيين، رغم أن مجالات اشتغال القطاع تتقاطع في الكثير من الصلاحيات مع اختصاصات الملك، وبذلك كان تعيين، سعد الدين العثماني، قيادي العدالة والتنمية، أول مسؤول حزبي، بعد تجربة الاستقلالي امحمد بوستة منتصف السبعينات، يعود إلى وزارة الخارجية وزيرا مسؤولا عن تنفيذ السياسات الخارجية للمملكة التي يخطها الملك ويتابعها شخصيا. "تحزيب" العمل الدبلوماسي تجربة "تحزيب" الخارجية ستصطدم لاحقا مع خلط في المواقف الحزبية والمهام الرسمية، ذلك أن ما تسرب من خلفيات "إبعاد" العثماني من وزارة الخارجية بعد التعديل الحكومي منتصف الولاية الحكومية 2011-2016، يشير إلى أن سببه اجتماع عقده قيادي العدالة والتنمية مع تنظيم الإخوان في زيارة رسمية إلى الكويت، خلط فيها الوزير بين مهمته الحكومية وعلاقاته الحزبية بالتنظيم. ورغم ذلك لم يكن هذا الموقف مبررا لإبعاد السياسيين عن وزارة الخارجية، فقد جرى تعيين رئيس التجمع الوطني للأحرار، صلاح الدين مزوار، وزيرا للتعاون والشؤون الخارجية خلفا لسعد الدين العثماني، وبقيت الوزارة تحت جبة السياسي والفاعل الحزبي، بالمقابل كشف الموقف أن الدوائر العليا لا تتسامح مع "الأخطاء" الدبلوماسية إذا تعلق الأمر بالسياسات الخارجية للمغرب. تدخلات الملك في السياسة الخارجية تستند إلى مقتضيات دستورية، وتجد بعض هذه الممارسات تفسيراتها في الفصل 42 من الدستور، الذي يجعل "الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها(...) يسهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة". إن صفة الممثل الأسمى للأمة تمنح الملك سلطة التعامل باسم الدولة، واتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات الخارجية، ووفق هذا المنطق فإن للملك صلاحيات دستورية في المجال، سواء تعلق الأمر باعتماد السفراء أو تعيينهم في الخراج أو باستقبال رؤساء الدول أو التدخل لتصحيح المواقف وفرضها أحيانا حينما يتعلق الأمر بالقضايا الحيوية للمملكة. وعلى غرار باقي رؤساء الدول يحتكر الملك اختصاص التمثيل الخارجي للدولة، والالتزام ببعض المعاهدات والاتفاقيات وإن اشترط الدستور في فصله 55 الموافقة في حالات حصرها في المعاهدات التي ترتب التزامات مالية أو تلك المتعلقة بالسلم والاتحاد ورسم الحدود والتجارة. والحريات"، حالات محدودة يعود فيها الملك إلى البرلمان قصد اتخاذ التدابير التشريعية اللازمة وما دونها مجالات واسعة يتصرف فيها الملك. صلاحيات الملك استبق الدستور فكرة "تحزيب" وزارة الخارجية، بتحديد مجالات تدخل الملك في السياسات الخارجية، فإلى جانب سلطة الملك بصفته رئيسا لمجلس الوزراء، الذي يبت في القضايا الإستراتيجية للدولة قد تكون السياسة الخارجية جزءا منها، فإن الفصل 55 من الدستور أوكل للملك صلاحيات دستورية منها اعتماد "السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يُعتمد السفراء، وممثلو المنظمات الدولية"، والتوقيع على المعاهدات والمصادقة عليها، مع ضرورة الموافقة بقانون على "معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو تتعلق بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين"، كما أنه "للملك أن يعرض على البرلمان كل معاهدة أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها". إحسان الحافظي