المشاركة المكثفة تحصن الانتخابات

الغالي قال إن رفع نسبة التصويت يخرج الاستحقاقات من مستنقع الريع الحزبي شدد محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض (مراكش) على توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد. مكتسبات تبقى غير كافية إذا لم تعزز بمشاركة مكثفة خلال التصويت، الذي يحصنها ويخرجها من الاعتقاد السائد بأنها مكتسبات تكرس الريع أو الكسب السياسي غير المشروع، موضحا أن المشاركة تشكل دعامة النظام السياسي الذي صادق عليه المغاربة من خلال استفتاء دستور 2011. أجرى الحوار: ياسين قُطيب تشكل المشاركة عماد كل ممارسة ديمقراطية وآلية أساسية في التعبير عن سيادة الأمة، ما هي المكانة التي أعطاها دستور 2011 في هذا السياق للمشاركة؟ لا بد أن أشير في معرض سؤالك إلى أن قيمة المشاركة متجسدة من خلال السياقات التي وردت من خلالها في دستور 2011 وكذلك من خلال المعاني التي أعطيت لها فقد ورد في الديباجة أن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. وعليه أكد الفصل 2 من الدستور على أن السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها، واختيار هؤلاء الممثلين يتم بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم. فالمشاركة تشكل دعامة النظام السياسي الذي صادق عليه المغاربة من خلال استفتاء دستور 2011، وقد عمل الدستور على التمييز بين نوعين من المشاركة في التعبير عن السيادة، هناك المشاركة في نطاق الديمقراطية التشاركية مرتكزا من مرتكزات النظام السياسي المغربي، والمشاركة في نطاق الديمقراطية التمثيلية التي تمكن من اختيار ممثلي السكان على مستوى الجمـــاعـــــات التــــــــــــــرابية بالاقتراع العام المباشر (مجالس الجمــــــــــــــاعـــــــــــات ومجالس الجهات) والاقتراع العام غيـــــــر المبــــــاشــــــــر (مجالس العمالات والأقاليم) ويستمد أعضاء البرلمان (مجلسا النواب والمستشارين) نيابتهم من الأمة، مما يدل على أن السيادة للأمة تمارسها بواسطة المؤسسات المنتخبة، مما يعني أن المشاركة تشكل مفتاحا أساسيا في سريان النظام السياسي المغربي. هذا على مستوى النص الدستوري، وماذا عن الممارسة، هل ترقى إلى مستوى النص؟ يجب ألا ننسى في هذا السياق أن التنصيص الدستوري يشكل ضمانة أساسية في ضبط قواعد اللعب وتنظيم الرهانات، وغير هذا يعني سيادة منطق القوة والغلبة الذي يخل بالتوازن. الممارسة تحددها ثلاثة أبعاد تكمن في الدولة المسؤولة عن توفير الإطار القانوني الضامن للممارسة العادلة والمنصفة، والملاحظ أن هناك مجهودا كبيرا بذل في هذا المستوى، والبعد الثاني يكمن في الأحزاب السياسية التي أعطاها الدستور أدوارا مهمة تكمن في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية. والبعد الثالث يكمن في المواطن الذي أوكله الدستور صلاحية الاختيار والترجيح بين الأحزاب من خلال البرامج والعرض السياسي الشامل الذي تتقدم به، وكذلك مراقبة عملها وتقييمه داخل المؤسسات الدستورية بناء على قواعد الفعالية والنجاعة وحسن الأداء، وبالتالي تحقق الانتخابات التي تشكل فترة اختيار بامتياز فرصة ذهبية للتفاعل بين الأحزاب السياسية والالتزام والانخراط الإيجابي للمواطنين أمام العروض السياسية المقدمة. هل الاختيار عن طريق الانتخاب هو مجرد عمل تقني أم يشكل سلوكا سياسيا بامتياز لقياس أهمية الاختيار؟ أشير إلى أن الاختيار عن طريق آليات المشاركة التي حددها الدستور والقوانين الانتخابية المرتبطة به، ليس مجرد عمل يكمن في وضع ورقة التصويت في صندوق الاقتراع بل هو سلوك واع مرتبط باستيعاب آثار ذلك التصويت ووقعه الذي سينتج في المدى القصير أو المتوسط خلال مدة الولاية التشريعية أي خمس سنوات، وكذلك على المستوى البعيد أو الإستراتيجي بالنظر إلى أن عملية التصويت الواعية والمحسوبة تساعد على إفراز نخب قوية ومسؤولة قادرة على التفاعل مع مختلف التحولات الداخلية والجيوإستراتيجية المحيطة، وقادرة على التفاعل بشكل فعلي وإيجابي مع انتظارات وانشغالات الهيأة الناخبة، فالاختيار هو سياسي لأنه يتعلق بعملية ديمقراطية في إدارة المصالح المتنافسة والمتدافعة أحيانا لكونها مرتبطة بتعدد الرهانات، وكل رهان مرتبط بكتلة من الفاعلين لهم إستراتيجياتهم ومنهجيتهم في التعاطي مع حاجيات وانتظارات الناخبين الذين لا يشكلون بالضرورة كتلة متجانسة فهناك الشباب وهناك النساء وغيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى . على ذكر النساء والشباب الى أي حد مشاركتهم في الاقتراع ستكون مؤثرة؟ في إطـار جعـل مجــال السياسات العمومية فضــاء تفاعليا بين الدولــة وهيآتها من جهة، والمواطنين والمواطنـــات ومن جهة ثانية، رسم دستور 2011 هنــدســة متكـاملة من أجــل استيعـاب كل المكونات النسائية والشبابيــة وغيــرها عن طريق اتخاذ ما يلزم من الإجراءات التي تشجع على الانخراط والانـــدمـاج إذ نص الفصـل 30 من الدستور على أنه لكل مواطنـــة ومواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شــــرط بلوغ سن الرشـد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وعليه ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافــؤ الفرص بين النساء والرجــال في ولوج الوظـــائف الانتخابية، وأكد الفصل 33 من الدستـــور كذلك أنه على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميــم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعيـة والاقتصـادية والثقافيــة والسياسية للبلاد، وهذه المكتسبات ومع الاعتقاد بإلزاميتها وضرورتها إلا أنها تبقــى غيــر كافية إذا لم تعــزز بمشاركــة مكثفة من طرف هــاتين الفئتين في عمليات التصويت، فالتصـــويت هو الذي يحصنها ويخرجها من الاعتقاد السائـــد بأنهــا مكتسبات تكرس الريع أو الكسب السياسي غيـــر المشروع بل هي إجراءات توفرها يقوي الارتباط والالتـزام والتشجيــع على الانـــدماج والانخراط والتفـــاعل بين مختلف المكــــونات فيما يحقق التــلاحم والانسجام داخـــل مختلف الأنسجة الاجتماعية والســياسية والاقتصــادية وغيـــرها، وعليه مــن دون شك أن مشــاركـة هـــؤلاء سيكـــون لهـا تأثير مهم من خلال نتائج الاقتراع، فـــي إفــــراز نخب متشبعة بقيم الانفتـاح وربح رهـــان العدالة الاجتماعية في المجتمع. مستوى الثقة في الحكومة المقبلة هل للمشاركة في الاقتراع رهانات، والى أي حد كسب رهاناتها سيربح الدولة المغربية نقطا في مواجهة مختلف التحديات الجيوإستراتيجية؟ أكيد أن المشاركة المكثفة لها دلالات ومعان عديدة، فعلى المستوى النفسي مثلا فعل المشاركة يخلق أجواء تعبر عن التلاحم والانسجام في خدمة المشترك على مستوى الآمال وحتى التحكم في مخاطر الآلام، وهذا رهان حقيقي وإستراتيجي في مواجهة مختلف المخاطر والأزمات و مختلف التحولات العالمية المحيطة التي أصبحت أكثر شراسة وفتكا ليس في استعمال الأسلحة غير التقليدية فقط في المواجهة، وإنما في اختيار أسلوب إثارة الفرقة والتشتت بين مكونات الشعب الواحد حتى يصبح لقمة سائغة للتحكم ومجردا من كل مناعة تقوي فيه الارتباط بوطنيته وانتمائه الأصلي، وعليه تشكل المشاركة السياسية من هذا المنظور ضرورة أساسية في مواجهة المصير المجهول للتحولات الجيوإستراتيجية العالمية المحيطة للنظام العالمي الجديد الذي يعتمد على نظرية في الفوضى الإستراتيجية التي تلاشي وتبعثر كل شيء من أجل قيامه وفرض تصوره وأجندته على الأرض والعباد. وعليه فإن نسبة المشاركة أساسية ومحددة في إكساب الحكومة المقبلة ثقة كبيرة في التموقع ومجابهة مختلف التحديات والمخاطر المعاصرة، التي أصبحت تهدد في الصميم كيان الشعوب والدول.

المشاركة المكثفة تحصن الانتخابات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فيديو.. بنكيران يحمل على الأكتاف بعد فوز حزبه بالانتخابات

أزمة ماء في تطوان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات