لقاءات مع بلمختار لبناء مدارس محاربة الأمية تمتد قصة حياة جمال بلحسين، من جبال سوس إلى جبال الألب بفرنسا. هاجر بعد طرده من المدرسة إلى فرنسا للعمل في الأفران المشتعلة لشركة الألمنيوم «بيشيني». وخلال مساره الطويل، التقى جمال شخصيات سياسية واقتصادية وازنة بفرنسا مثل لوران فابيوس وبيير موروا، ورئيس شركة «بيشيني» للألمنيوم ورئيس شركة «رونو» للسيارات، بصفته مفاوضا نقابيا باسم «سي إف دي تي» CFDT، مدافعا شرسا عن حقوق العمال المغاربة بفرنسا. الزميل محمد مستعد ترجم كتاب الصحافي الفرنسي، إيف بورون، بعنوان "جمال بلحسين - قصة نضال من أجل الهجرة والتنمية، واختار "الصباح" لنشر فصول منه. بدأت تجربة المدارس غير النظامية في 1998 بتشجيع من رشيد بلمختار، وهو وزير تعليم تقنقراطي كانت له رؤية بعيدة النظر، عينه الملك الراحل الحسن الثاني، ولم تكن له طموحات سياسية. وعندما شرحنا له كيفية محاربة الأمية في المغرب، فهم مدى تأخر المغرب في هذا المجال، إذ رغم فتح المدارس الابتدائية في حوالي 85 بالمائة من المناطق عبر المغرب، فإن مناطق مهمة لم يكن يصلها التعليم. (...) في 1998، قال لنا بلمختار «أريد أن تكون جمعيتكم أول من يوقع على اتفاقية للشراكة معنا». وعقد ندوة صحافية لهذا الغرض. ووقعت «الهجرة والتنمية» على التزام بإنشاء 12 مدرسة. ورغم أن القانون لا يمنح للمعلمين سوى ألفي درهم شهريا، ولا يعطيهم الحق في التقاعد، وهو تعويض ضعيف، فقد أعجبنا اهتمام الوزارة بالعالم القروي. وهكذا بدأنا، مع سكان القرى ومع أوراش الشباب، نبحث عن الكراسي والطاولات وعن الكتب والأدوات المدرسية من أقلام ودفاتر وغيرها. وفي بعض القرى، قام السكان أنفسهم ببناء مدارسهم، ثم اقترحنا على الاتحاد الأوربي أن يقوم بإصلاح بعض الأقسام وبناء أقسام أخرى، وبأن يساهم في تكوين المدرسين. (...) كان من الممكن أن نتخوف من أن الدولة قامت بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل منافسة المجتمع المدني، وذلك بعد أن انتبهت إلى أن المجتمع المدني يقوم بجمع الأموال بشكل مباشر من الخارج، أو من السفارات، كما أنه يقوم بمبادرات تنموية بعيدا عن الدولة، التي غالبا ما ينظر إليها على أنها لا تقوم بتنمية البلاد. وقد تكون الدولة إذن ابتكرت هذه الطريقة التي تسمح لها بتأطير المجال الجمعوي والتحكم فيه، لكن الواقع هو أن الأمور لا تجري بهذا الشكل، وأن طبيعة المطالب في القرى تتحول وتتغير مع مرور السنوات. في السابق، كانت «الهجرة والتنمية» تربط علاقات ثنائية مع الجمعيات، تنبني على مبدأ يقول «ماذا تعطيني؟ وماذا أعطيك؟»، وهو ما كان يؤدي إلى خصومات وإلى صراعات. أما اليوم، ومع إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فقد أصبح يتم تقديم المال للجمعيات والتعاونيات والجماعات المحلية عن طريق العمالة أي الدولة. وصارت هاته الجمعيات والهيآت تقول لنا «كيف يمكننا إقناع الدولة والأطراف الأخرى بأن يقدموا لنا المال؟» وصارت اليوم تتمنى أن نصاحبها ونساعدها في مشاريعها التي تعدها في الغالب بعيدا عنا. (...) إننا نشعر أحيانا بأن التنمية البشرية التي يدعو إليها الملك لا تعطي ما يكفي من النتائج، وأن الالتزامات التي اتخذت في هذا الإطار بهدف الحد من مناطق الفقر السوداء بالمجتمع المغربي، لا تتولى مسؤوليتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. فالمسؤولون يعطون الأولوية لبناء المباني أكثر من اهتمامهم بالحد من وفيات الأمهات والأطفال الرضع، أو بمحاربة الأمية، أو التمدرس أو الأنشطة المدرة للدخل. إعداد: برحو بوزياني